(طنجة) مالك السعيد فاجأ السينمائي المغربي محمد العبّودي جمهور مهرجان دبي السينمائي في دورته الأخيرة بفيلم «نساء بدون هوية» الذي قدم فيه قصة «هند»، الفتاة التي اغتصبت في الخامسة عشرة من عمرها لتبدأ رحلة ضياع عرفت فيها قسوة الأهل قبل الغريب، تعمل «هند» راقصة ومومسا لا تحلم سوى بسقف يحميها ، ولكنه صعب المنال ، وتناضل هند من أجل إستخراج بطاقة هوية تثبت أنها «مواطنة» مغربية في ظل بيروقراطية مقيتة وقسوة غير مبرّرة من عائلتها التي تمتنع عن تسليمها شهادة ميلادها... ومن دبي عرف فيلم محمد العبودي طريقه إلى المغرب ليشارك في الدورة 14 للمهرجان الوطني للفيلم الذي اختتم أول أمس بمدينة طنجة. حين التقينا محمد العبودي في طنجة اكتشفنا أنه إطلع على مقالنا عن الفيلم قبل أشهر حين عرض في دبي وبأنه بات يتابع أخبار تونس عن طريق «التونسية»، سألناه عن «بطلة» فيلمه، وماذا كان مصيرها وهل أسعفتها الظروف بحياة أقل شقاء، وبكثير من الوجع ردّ «إنها في السجن، حكم عليها بثلاث سنوات ونصف»... في ما يلي حوار«التونسية» مع محمد العبودي المغربي الذي يحمل الجنسية الأسترالية والمقيم بفنلندا... أثار انتباهي أن الصحافة المغربية لا تعرف عنك الكثير، فمن يكون محمد العبودي؟ أنت محق في ما تقوله، أنا ابن وزّان حيث صوّرت فيلمي «نساء بدون هوية»، جدّي كان من فقهاء المنطقة وشقيقه كان قاضيا، أما أبي فكان معلما ، ، درست سيميولوجيا المسرح في المغرب بجامعة محمد بن عبد الله بفاس ، غادرت المغرب سنة 1997 في نهاية حكم الحسن الثاني، حين سافرت كان همي الأساسي أن أعود إلى المجتمع المغربي وأضع إصبعي على جزء من معاناته، درست في فرنسا دون أن اتمم ما شرعت فيه، انتقلت إلى فنلندا لمواصلة الدراسة ولكني واجهت صعوبة التواصل باللغة الفنلندية، وظلت تلك الحرقة داخلي لمواصلة دراستي وهو ما قمت به في أستراليا وهناك تخصصت في التلفزيون والسينما في إختصاص الإخراج الروائي. من هناك عدت إلى فرنسا، كنت أظن أني سأكون قريبا من المغرب، كان كل همي أن أشتغل في وطني، ولكني اكتشفت أن المسافة مازالت بعيدة بين الواقع وما أحلم به ، آنذاك اقترحت علي زوجتي الفنلندية العودة إلى فنلندا وهو ما كان وتحصلت على شغل في التلفزيون ومكثت هناك سبع سنوات، أخرجت ما يوازي 35 فيلما وثائقيا قصيرا للتلفزيون الفنلندي، اكتشفت بعد ذلك أن العمل روتيني ، كان هدفي إنجاز فيلم في المغرب ولكن ذلك لم يكن يهمهم، أنجزت فيلما وثائقيا طويلا عن ملاكم فنلندي اعتنق الإسلام، نجح الفيلم جماهيريا ، فبادرت باقتراح موضوع فيلمي الثاني «نساء بدون هوية». هناك من اعتبر «نساء بدون هوية» إساءة للمغرب وتشويها لصورته؟ حين عرضت الفيلم على الفنلنديين رفضوه بشكل قاطع ، وبطريقة مباشرة قيل لي لماذا سنمول فيلما مغربيا من أموال متأتية من دافعي الضرائب ؟ ما هي مصلحتنا؟ حتى المنتج الذي كان معي تراجع وقال لي لن أعمل معك ، شعر بأنه تلقى إساءة برفض مشروع الفيلم خاصة وأن السيدة التي توجهنا إليها وهي مسؤولة على التمويل تحدثت بنبرة قاسية وجارحة، قلت له لست الأخير، أنا متعود على الرفض، في الخامسة والنصف صباحا من يوم الغد ، إستيقظ من نومه وبعث لي رسالة إلكترونية قال لي فيها إنه غير رأيه وبأنه سيقف معي وسينتج الفيلم وسيبذل قصارى جهده من أجل أن يرى الفيلم النور. ما الذي غير رأيه؟ سألته أنا نفسي هذا السؤال في أكثر من مناسبة ولكنه لم يجبني يوما، الغريب أن هذا المنتج خلف السيدة التي رفضت تمويل الفيلم وتعاملت معنا بقسوة. هل واجهت صعوبات اثناء تصوير الفيلم؟ أكثر مما تتصور. من أي نوع؟ من كل الأنواع، كنا نأتي من فنلندا أنا وفريق التصوير ونظل في انتظار رخصة التصوير من وزارة الاتصال ساعة قبل الموعد المتفق عليه ، تخيل أننا نبقى على أعصابنا في أكثر من مرة. وبطلة فيلمك هل كنت تعرفها سابقا؟ لا، رغم أنها من مسقط رأسي وزان ، تعرفت عليها هي وثلاث بنات يعشن نفس الظروف ، صوّرت قصصهنّ لكن في النهاية وجدت أنه من الأفضل أن نشتغل على قصة واحدة هي قصة «هند» القصة كانت متسلسلة بشكل طبيعي وتصاعدي. هل كان ذلك بفضل عبقرية المخرج أم طبيعة القصة؟ كان ذلك بفضل عبقرية المخرج لأن الفيلم الوثائقي يصنعه الله، أما الروائي فالفضل فيه للمخرج. انا لم ادرس الفيلم الوثائقي أبدا ولكني وجدت نفسي في عالم الوثائقيات ولكني لا أحبذ الأسلوب التقليدي في معالجة الفيلم التسجيلي. لا تظهر صورتك في الفيلم خلافا لكثير من مخرجي الوثائقيات؟ ولماذا تريدها أن تظهر؟ أنا اكتفيت بقلبي الذي كان ينبض في الفيلم. وعائلة هند؟ كيف تعاملت معك؟ أمام الكاميرا بلطف كبير ولكن لو بقيت هند مع عائلتها ربما كان مصيرها الموت على يدي خالها أو شقيقها. هل شاهد أبواك الفيلم؟ «لا موش ممكن نوريهم الفيلم». أليس غريبا أن تكون العودة إلى المغرب هاجسا لك ولا ترشح فيلمك لأي مهرجان مغربيّ؟ بصراحة، أنا لست متأكدا من ردة فعل الجمهور إزاء ما سيراه في الفيلم ، علينا أن نتحلى بالجرأة في قراءتنا للفيلم، ما قدمته هو وجه آخر من وجوه المغرب وإنكار المشكل لا يعني تجاوزه ....ما زاد من مخاوفي هو موقف السفيرة المغربية في فنلندا التي لامتني على الفيلم بعد أن كتبت عنه الصحافة بعد عرضه في مهرجان لوكارنو، يبدو أنها كانت ضحية الضغوطات لذلك لم أفكر في أنه يمكن عرض الفيلم في المغرب لأنه حتى خلال التصوير كانت عيون الأمن لصيقة لنا. مغرب محمد السادس ليس مغرب الحسن الثاني؟ هذا صحيح، لكني لم أتغير، نفس الحمولة التي خرجت بها سنة 1997 عدت بها ، الخوف الذي لازمنا منذ أيام الجامعة مازال كامنا فينا. إلى اليوم؟ إلى حد ما هل طلب منك حذف بعض المشاهد من الفيلم لبرمجته في المهرجان الوطني للفيلم؟ أبدا، ولو طلب مني ما كنت لأقبل. كيف وصلت إلى المهرجان؟ الفضل في ذلك للناقد المغربي محمد باكريم الذي التقيته في مهرجان دبي وهو الذي دفعني إلى طلب المشاركة في المهرجان ...وأنا أعترف له بهذا ...ووجدت حرارة من المركز السينمائي المغربي وأنا أشكرهم على ذلك. من يتحمل مسؤولية مصير «هند» ونظيراتها؟ المسؤولية جماعية بدءا بالأسرة والعقلية السائدة في المجتمع المغربي، كما أن الجهل سائد بين فئات واسعة ومشكل التعليم مشكل حقيقي في المغرب، علينا أن نطمح إلى ثقافة جيدة تعطي الفرد صورة كاملة «تخليه يسأل وينقد ...». هناك سؤال أتمنى أن تتقبله مني ويتعلق بالصورة السائدة عن المرأة المغربية وبكونها يسيرة المنال، فكيف تعلق على انطباع مماثل انطلاقا من تجربتك في «نساء بدون هوية»؟ أنا لا ألومك على سؤالك، انطباعك ليس خطأ كله، ولكن المرأة في النهاية ضحية، كلنا نتحمل المسؤولية وعلينا على الأقل التحلي بشيء من الشجاعة لنعترف بعيوبنا، حين تكون العائلة وفيرة العدد وتعيش ظروفا قاسية وأحيانا لا إنسانية ويغيب التعليم عن أفرادها، ماالذي يمكن للبنت أن تفعله؟ وحين تأتي بالمال من أي مصدر كان فلا أحد يسأل لأنه حين يكون المرء جائعا فإنه لا يفكر. هل ستواصل عملك في الوثائقي؟ هناك عروض كثيرة في فنلندا لأنجز فيلما روائيا ولكني أرتاح أكثر في الوثائقي، وفيلمي القادم عن الديكتاتوريات بعد الربيع العربي، بمعنى كيف تأثرت العائلة العربية بعقود الديكتاتورية؟ وهل بسقوط الديكتاتوريات ستتخلص هذه العائلات من الفكر القديم المهيمن؟ هل طويت صفحة «هند»؟ لا يمكن لي أبدا أن اطوي الملف ، هي الآن في السجن وطفلاها في مستشفى بوزان ، لا نعرف حتى في أي سجن هي وأخشى أن يكون سجنها حدث بسبب الفيلم ، أنا فعلا منزعج لما حدث لها وآمل أن تكون خضعت لمحاكمة عادلة . لقد فتح الفيلم الباب أمام مبادرات فنلندية للعمل المشترك مع جمعيات في المغرب للعمل على توفير ظروف حياة كريمة لنساء دون سند. هل تعتقد أن المغرب في حاجة إلى أن يتغير؟ يتغير إلى أين؟ أن تهب عليه رياح ربيع العربي؟ إن كانت نفس الرياح التي هبت على تونس ومصر فعلينا أن نتأنى قليلا.