لم نكن ننتظر تصريح النائبة في البرلمان الأوروبي إبفا جولي لنعلم أن تونس تهرول نحو الخط الأحمر للمديونية .فقد بلغت ديون الدولة 20 مليار اورو و لازلنا نسمع بين الفينة و الأخرى عن قروض جديدة .الأمر أصبح جديا للغاية سيما و أن البلاد تشكو تباطئا كبيرا في الإنتاج و اضطرابات سياسية و اجتماعية و اقتصادية متواصلة في ظل غياب حلول جدية تخرجها من بوتقة الخطر.فرغم مرور سنتين على أحداث 14 جانفي مازلنا ننتظر خارطة طريق واقعية و جدية للنهوض بالإقتصاد الوطني عوض الإقتراض لتسديد الأجور أو تغطية النفقات العمومية.في هذه الورقة سنتطرق إلى تحليل واقع المديونية في بلادنا و ذلك بعد الرجوع إلى أهل الإختصاص سيما و أن الأمر دقيق للغاية . إذن تحصلت تونس على المبلغ السالف ذكره من قروض حصلت عليها في إطار التعاون المتعدد الأطراف بمبلغ يناهز تقريبا 8,7 مليار دينار و ديون أخرى ثنائية تساوي تقريبا 4,8 مليار دينار و ديون على السوق الدولية تساوي 5,8 مليار دينار .و تجدر الإشارة أن السنتين الأخيرتين شهدتا نموا مفرطا لدين تونس عادل تقريبا 15 بالمائة .حيث تحصلت بلادنا سنة 2012 على موارد مالية بين قروض و هبات تساوي 5 مليار دينار من التعاون الأوروبي و التعاون الإقليمي و ما إلى ذلك من قروض رقاعية . و يمثل الإتحاد الأوروبي و البنك العالمي و السوق المالية الدولية الركيزة الأساسية للتداين التونسي و في بداية 2013 بدا التفاوض حول أداة تعديل هيكلي بقيمة 2,7 مليار دينار و قرض من البنك العالمي يناهز 500 مليون دينار أي أن الديون التي تتفاوض عليها تونس في الشهر الأول من السنة الجارية تعادل قيمة 90 بالمائة من الديون التي تفاوضت عليها طيلة سنة 2012 . هذا و تتميز ديون تونس بقصر مدة تسديدها إذ لا يتجاوز المعدل 5 سنوات كما أنها مسعرة بنسبة فوائد قارة في حدود 79 بالمائة غير أن الخطير في التعامل مع التداين الخارجي هو أن التسديدات الكبرى ستبدأ سنة 2017 و في المقابل أقدمت الحكومة التونسية مؤخرا بتداين وصفه الخبراء الماليين بالمشط. و أمام هذا الوضع الحرج توجه السلطات النقدية باستمرار رسالة طمأنة مفادها أن هذه الديون لا تتجاوز إجمالا 46 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بما معناه أننا لو نبلغ بعد حاجز 60 بالمائة الذي يعتبر مثيرا للخوف.لكن الواقع و اعتماد المعايير الدولية لا يدعو للطمأنة باعتبار أن الدين التونسي غير سيادي بما انه لا يسدد بالدينار مع العلم أن مخزون الديون يمثل تقريبا ضعف مداخيل الدولة و مائة بالمائة من حجم مداخيل التصدير و تقريبا 90 بالمائة من حجم المخزون من العملة الصعبة و الذهب.مما يعني ان المقارنة بين تونس و اليابان مثلا و التي يمثل قائم ديونها 140 بالمائة من ناتجها الداخلي الخام ليس له أي معنى و بالتالي فإن إمكانية وجود تونس في السنوات القادمة في حالة العجز على تسديد ديونها وارد جدا خصوصا أمام ارتفاع قيمة العملات الأجنبية التي تسدد بها كالأورو الذي يمكن أن يؤدي إلى صعوبات مزدوجة الأولى على مستوى التسديد و الثانية على مستوى قيمة عملة التسديد الأمر الذي يعرفه الخبراء الماليون بمصطلح " كرولينغ باغ ". من ناحية أخرى يِؤكد الخبراء الماليون أن هوامش القروض الخارجية التونسية في ارتفاع مطّرد و هي اليوم في معدل 5,8 بالمائة و لذلك و نظرا لإمكانية تواصل ارتفاع أسعار الفائدة غير القارة بالسوق الآجلة للديون بأوروبا فإنه من المحتمل تضخم الدين التونسي في إطار ما يسمى باستيراد تضخم المديونية . كل هذه المعطيات تدعو إلى التفكير جديا و بسرعة في دفع عجلة الإستهلاك و عدم التعويل المفرط على المديونية خصوصا و أن تونس اليوم مصنفة كأخطر بلد في ما يتعلق بالإقراض في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط وهي كذلك في المرتبة 85 من أصل 100 دولة على هذا المستوى. و أمام صعوبة الوضع السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي الذي تعيشه تونس فإن الأزمة يمكن أن تتفاقم خصوصا و ان بعض وكالات التصنيف قد لوحت بإمكانية التخفيض في الترقيم الإئتماني لتونس مع ما يمكن أن ينجر عنه من صعوبات في الإقتراض و التسديد. أما في ما يتعلق بالديون السابقة ل 14 جانفي فقد كانت تناهز 41 مليار دولار أرجع منها 20 مليار دولار.و قد اقترحت العديد من الهيئات المالية العلمية و 100 عضو بالبرلمان الأوروبي و البرلمان البلجيكي و عدة أطراف في العالم تدقيق هذه الديون لكن وزارة المالية رفضت ربما خوفا من ردود فعل المقرضين في المستقبل .مع العلم ان ألمانيا حولت ديونها الى استثمارات في مشاريع حيوية تقدر ب 60 مليون أورو.