«اكبس السّنطورة» هكذا كان يردّد أجدادنا.. وقد ترجموها حرفيا من لغة «فولتير» وذلك كلّما داهمهم موسم الحرث أو الحصاد.. أو فاجأهم شتاء قارس أو قحط وجفاف.. أو حلّ بهم وباء أو هاجمهم الجراد الذي لا يبقي على شيء.. واستعدادات الأسرة تكون معنوية ومادية من ألفها إلى يائها لكل من يرنو ويبتغي النجاح بالمرور من غصرات الامتحانات وإلاّ سقط في أوّل حاجز يؤشر لاختبار ما وتكون الخيبة والفشل باعتبار أنه «في الامتحان.. يكرم المرء أو يهان».. وعلى قدر الاستعدادات والعمل.. يكون الحصاد.. وهي قاعدة سار عليها الإنسان في كل مجالات حياته. ولأن كل العائلات التونسية تقريبا ترتبط كليا بالحراك المدرسي والمشهد التعليمي، بل إنّ أكثرنا صار يعدّل عقارب ساعته على إيقاع أيام ابنه التلميذ أو الطالب مهما كان عمره ومستواه التعليمي.. من السنة التحضيرية وصولا إلى أعلى مراتب التعليم العالي.. فإن وجودنا هذه الأيّام في «طمبك» الامتحانات يجعلنا نتلظّى بلهيب الاختبارات.. نحسّ بما يحسّ به فلذات أكبادنا من غصرات حتى أن عجائزنا شمّرن على ساعدهن باشتغلن على عادات الماضي الجميل يكتبن التمائم و«يبخّرن» في لهيب الكانون ويصببن الماء خلف أحفادهن كلما ساروا إلى مدارسهم ثم لا ينقطعن عن الدعاء لهم عند كل صلاة فجرا وعشاء. في البيوت لا وقت للحواسيب.. ولا للقنوات التلفزية لأن الجميع على أهبة اختبارات الثلاثي الثاني لتلاميذ المدارس الابتدائية ثم فروض الاسبوع المفتوح فالمغلق لتلاميذ المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية.. والامتحان الثاني كما يعرف لدى العائلات له وزنه ومؤشراته ومعياره.. وكل طرف ينظر له حسب قياسه ومقاسه ارتباطا بمعدل امتحانات الثلاثي الأول.. فئة من التلاميذ تميزت في بداية السنة الدراسية وترنو إلى دعمه بمعدّل ثان على قدر إمكانياتها ونسق عطائها من باب أنّ «الكبير.. يظل دوما كبيرا».. تلاميذ تحصّلوا على معدّلات متوسّطة لا غير يسمّونهم عادة في فضاءات المدارس «جماعة 10 الحاكم» وفي ذهنهم تحسين معدلاتهم ادخارا لوقت الحساب في امتحانات النقلة.. وعدد آخر من تلاميذنا من تحصّلوا على معدّلات دون ال10 من 20 يريدون العودة بالامتحان الثاني إلى ما يضمن لهم على الأقل «10 الحاكم» وبعدها «يعمل ربّي دليل» وهذا من شيم من نام نومة الأرنب في سباقها مع السلحفاة طالما نحن من نوادر الحيوان نتعلم ونتعظ. امتحانات الثلاثي الثاني انطلقت لتؤشر بأنها فرصة إمّا من أجل الإقلاع والتأكيد على الامتياز.. وإمّا للالتحاق بالرّكب وتعويض ما فات.. وإمّا للعودة من بعيد ومحاولة التصالح مع حكمة بسيطة في تركيبتها اللغوية ولكنها تكتنز معاني من معدن الزمرد والياقوت.. ألا وهي.. «من عمل وجَدَ.. ومن زرع حصد».