رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاة غاضبون: "مستقلّون ... أولا نكون"
نشر في التونسية يوم 29 - 03 - 2013

نفّذ أمس القضاة إضرابا اعتبروه فرصة للتوعية ودق ناقوس الخطر حول مسار استقلال القضاء وقد كان هذا الإضراب ناجحا بكل المقاييس وعبر عن وحدة هذا الهيكل ورغبة أطرافه في الارتقاء بالقضاء وتخليصه من كل الشوائب وهي مسؤولية تاريخية في هذا الظرف الانتقالي. وقد جاء الإضراب على خلفية مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي والذي احدث ردود فعل متباينة لدى القضاة الذين اعتبروه لايرتقي إلى طموحاتهم في تكريس استقلالية القضاء أهم مطلب لهم بعد الثورة .
لمعرفة حقيقة الجدل الذي أثاره هذا الموضوع اتصلت «التونسية» بعدد من القضاة فكان لها معهم النقل التالي:
اعتبر القاضي حسن الحجي أن مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث هيئة وقتية نص عليه الفصل 22من القانون المنظم للسلط والذي نص على إحداث هيئة وقتية مستقلة تشرف على القضاء العدلي وتعوض المجلس الأعلى للقضاء. هذه الهيئة الوقتية تتكون من خمسة قضاة معينين بالصفة وهم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب (رئيسا) وكيل الدولة العام لمحكمة التعقيب (عضوا) المتفقد العام بوزارة العدل (عضوا) ورئيس المحكمة العقارية (عضوا) وأربعة قضاة منتخبين عن الرتبة الأولى: ثلاثة قضاة منتخبون عن الرتبة الثانية وثلاثة قضاة منتخبون عن الرتبة الثالثة, ناشط حقوقي عن المجتمع المدني يعينه رئيس الحكومة وعضو عن الهيئة الوطنية للمحامين يقترحه مكتب الهيئة الوطنية للمحامين وأحد الأساتذة الجامعيين يعينه رئيس الجمهورية وعضوين من المجلس الوطني التأسيسي. هذه التركيبة أثارت مؤاخذات لدى القضاة على اعتبار أن هذا المقترح مخالف للفصل 22من القانون المنظم للسلط العمومية كما انه مخالف للمعايير الدولية لاستقلال القضاء التي تقتضي ألاّ ينتمي أعضاء المجالس العليا للقضاء لإحدى السلطتين التشريعية والتنفيذية وألاّ يكونوا معينين من قبلهما بما في ذلك من خطر تسييس المجالس فضلا على أن كلمة ناشط من المجتمع المدني كلمة مطلقة وغير واضحة المعالم حيث يمكن أن تشمل عديد الأطراف مثال رابطات حماية الثورة هي كذلك من نشطاء المجتمع المدني كما انه من بين المآخذ على هذا القانون التداخل بين السلط ذلك أن تشريك أطراف تحكمها الانتماءات الحزبية والتجاذبات السياسية في الإشراف على القضاء وإدارة شؤون القضاة يؤدي إلى ارتهان الطرف المعين لجهات حزبية وهو ما يتعارض مع استقلالية السلطة القضائية وحياد أعضائها والأخطر تعطيل تكوين وتركيز هذه الهيئة وتجارب تعطيل تركيز الهيئات عديدة نسوق منها على سبيل الذكر الهيئة التعديلية للقطاع السمعي البصري التي تعطل تركيزها بسبب الخلافات الشديدة حول تعيين أعضائها.في نفس السياق يضيف القاضي حسن الحجي أن إسناد مهمة اختيار أعضاء اللجنة التي ستشرف على الانتخابات إلى مكتب المجلس الوطني التأسيسي يتعارض مع استقلال السلطة القضائية الذي يفترض عدم منح صلاحية التعيين او اختيار اللجنة التي ستشرف على انتخاب القضاة إلى أيّة سلطة أخرى وأنّ النيّة تتجه نحو تعويض صيغة تعيين أعضاء اللجنة بإقرار مبدإ انتخابهم الحرّ والسري إضافة إلى ذلك فانه من اوكد الضمانات لاستقلال القضاء أن تعهد مهمة تسمية وترقية القضاة ونقلتهم إلى هذه الهيئة على أن تدرس هذه الأخيرة طلبات التعيين والنقل بالاعتماد على المعايير الدولية لاستقلال القضاء غير أن ما ورد بالفصل 12 وتحديدا في ما يتعلق بنقلة القاضي مراعاة لما تقتضيه مصلحة العمل ليست من المعايير الدولية لاستقلال القضاء ويتجه حذفها بل يجب التأكيد على عدم نقلة القاضي كمبدإ لا يقبل الاستثناء الا في حالات ضيقة جدا ومنصوص عليها تنصيصا صريحا حتى لا يتحول الاستثناء إلى مبدإ.
القاضية روضة قرافي نائبة رئيسة جمعية القضاة التونسيين نبهت إلى خطورة إعطاء صلاحية نقلة القاضي وترقيته وإسناد المسؤوليات القضائية إلى السياسيين لان القرارات عوض أن تتخذ بناء على مقاييس الجدارة والكفاءة ستتخذ على اساس الولاء وهي ترى أن طموح القاضي في النقلة والترقية طموح مشروع لكن يجب إيجاد اطر تشريعية حتى يمارس هذا الطموح في نطاق سليم .
كما ترى أن مسالة استقلالية القضاء تطرح مشكلة التدخل غير المباشرللسلطة التنفيذية والسياسية في مسار القضاء وهو الأخطر والمقصود التدخل الذي يتم عبر السيطرة على مجلس القضاء وهو ما يعني السيطرة على إدارة المحاكم والنيابة العمومية وبالتالي سياسة توزيع الملفات على الدوائر القضائية حسب المصلحة السياسية... فتسييس الهيئة يمنع تحقيق استقلالية إدارة العدالة التي هي عمق استقلال القضاء وجوهره ,فطرح مسالة حيادية السلطة القضائية يعني بالضرورة أن تكون هياكلها مستقلة تحت إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يكون من وظيفته كذلك سلطة تأديب القضاة - تركيبته متكونة أساسا من قضاة اغلبهم قضاة منتخبون – ومن المفارقات اليوم هو أن التفقدية العامة –سلطة التأديب – بقيت من الاختصاصات الحصرية والاقصائية لوزير العدل بمعنى تواصل لغة «العصا والجزرة».
تجويع القضاة كان من بين النقاط الهامة للتصدي لمشروع الهيئة الوقتية للقضاء العدلي حيث أثارت جمعية القضاة هذا الملف الذي أهمله المشروع. وترى القاضية كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة أن الجمعية أصدرت بيانا نددت فيه منذ تاريخ أول إعفاء بعدم قانونيته وهي تستغرب من سر إرجاع تسعة قضاة إلى مهامهم متسائلة: على أي اساس أعفتهم وعلى أي اساس أرجعتهم؟ كما ندّدت بالصمت الذي تتوخاه وزارة العدل في ما يخص هذا الملف ورفضها تقديم الأسباب التي استندت اليها عند اتخاذها قرار الإعفاء.
قاض آخر من الذين تم إعفاؤهم اعتبر ان آلية الإعفاء في حد ذاتها فيها مس من مبدإ استقلالية القضاء وهي غير قانونية وتواصل آثارها يطرح نقاط استفهام كبيرة خاصة وان القرار سياسي بامتياز فالقانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 نص في الفصل 44 منه على ما يلي: إن إنهاء مباشرة العمل بصفة باتّة المفضية إلى التشطيب من الإطار ومع مراعاة ما اقتضاه الفصل 47من هذا القانون إلى فقدان صفة قاض تكون بأحد الأسباب الآتية:
أولا: الاستقالة المقبولة بصفة قانونيّة
ثانيا: الإحالة على التقاعد أو قبول مطلب التخلّي عن الوظيفة إن كان القاضي لا يستحقّ جراية تقاعد.
ثالثا: الإعفاء
رابعا: العزل.
من هذا المنطلق هناك ثلاث حالات عادية لإنهاء مباشرة العمل لا علاقة لها بالأخطاء التأديبية وهي الاستقالة والإحالة على التقاعد والإعفاء وبالتالي لا يمكن الحديث عن إعفاء مقترن بالفساد بدليل ان الفصل 46 نص على انه وفي صورة الإعفاء ينتفع من يهمّه الأمر بغرامة إعفاء تساوي مرتّب شهر كامل عن كل عام قضي في العمل ولا يمكن أن يتجاوز مقدار هذه الغرامة مرتب ستة أشهر ، فكيف ينتفع من ثبت فساده بغرامة ويكافأ على فساده ؟
في الحقيقة هذه الآلية وجدت لإنهاء مباشرة القضاة الذين أصابهم قصور عن العمل سواء كان هذا القصور جسديا او عقليا او للقضاة الذين انهوا تربصهم وتبينت عدم كفاءتهم وكان ذلك قبل إحداث المعهد الأعلى للقضاء حيث ينتدب القاضي مباشرة اثر مناظرة بخطة قاض نائب ولا يرسم الا بعد تقديم تقرير تربصه وقد يدوم ذلك ستة اعوام.أما الآلية الرابعة وهي العزل فهي منظمة بأحكام الباب السابع المتعلق بالتأديب والتي يمثل فيها القاضي أمام مجلس تأديب محدد التركيبة عندما يرتكب عملا من شأنه أن يخلّ بواجبات الوظيفة أو الشرف أو الكرامة يتكون منه خطأ موجب للتأديب وتتراوح العقوبات بين التوبيخ والعزل ويحق للقاضي ان يكلف محاميا للدفاع عنه.
اذا الفساد لا يمكن معالجته الا في هذا الإطار وليس من حق وزير العدل مكافأة الفاسدين ان ثبت فسادهم بإعفاء وغرامة وانه لمن الغريب ان يصرح السيد الوزير السابق انه كان أعطى فرصة للقضاة المعفيين للاستقامة ولما تمادوا تولى إعفاءهم فبأي حق يعطي هذه الفرصة ومن أين له بهذه السلطة التقديرية التي تسمح له بتنظيف الفاسدين ؟
اليوم القضاة المعفيون لم يتم ترسيمهم في جدول المحاماة وقد تم تقديم قضية في الغرض إلى محكمة الاستئناف وقد طلبت من وزارة العدل تمكينها من ملفات هؤلاء القضاة لكن إلى اليوم لم تتصل بشيء وهو ما عطل امكانية استصدار حكم. نفس الأمر بالنسبة للمحكمة الإدارية وهو ما اعتبره مظلمة ما بعد الثورة ...
خطوة نحو تقزيم القضاء
في نفس الإطار يعتبر القاضي مراد قميزة أن الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي هي من أهم الهيئات التي كان على المجلس التأسيسي الإسراع ببعثها لأنها الضامن لاستقلال القضاء والنأي به عن التجاذبات السياسيّة التي تعصف بالبلاد وعن الضبابيّة التي خيّمت على مصداقيّة القرارات القضائيّة جرّاء الجمود والبطء والتردّد الذي اتسم به المرفق القضائي في ظلّ عدم وجود رغبة سياسيّة صادقة في التعامل بشفافيّة مع كلّ الملفات والقضايا العالقة والحارقة وذلك منذ 14 جانفي ومع كل الحكومات المتعاقبة.
ولئن وجدت أعذار للحكومات السابقة فإنّ الحكومة المنبثقة عن المجلس التأسيسي المنتخب وصاحب السلطة الأصلية لا يمكن أن نجد لها الأعذار في تعطيل سير مرفق العدالة بطريقة شفافة ووفق معايير تضمن استقلاله ونجاعته وقد اتّضح كيف تعطّل بعث الهيئة لإصرار كتل الترويكا في المجلس على عدم التنصيص على اسقلاليتها في مشهد ومداخلات لا تبعث على الارتياح إطلاقا لأنها تتعارض مع المبادئ العامة للأنظمة الديمقراطيّة ومع كل المواثيق الدوليّة المحددة لمعايير استقلال القضاء وكان نتيجة ذلك أن تفرّد وزير العدل بتقرير مصير القضاة في مسارهم المهني وفي القرارات التأديبيّة مما انعكس سلبا على العمل القضائي بتداخل سلطة الوزير مع سلطة القضاء بشكل سافر أحيانا ومستتر أحيانا أخرى.
واليوم وبعد مرور اكثر من ستة أشهر على إسقاط مشروع القانون الأول الذي كان تأخر كثيرا بدوره نجد المجلس يستعدّ لمناقشة صيغة المشروع بعد تعديله وكان من المتوقّع على الأقل تجاوز كل نقاط التعثر لكن يبدو أن الإرادة مازالت متجهة في تقزيم السلطة القضائيّة والعمل على جعلها جهازا تابعا للمسرح السياسي المستمر على انظار كل التونسيين. وحول هذا المشروع يسوق محدثنا الملحوظات التالية:
اولا أنّه تمّ التّوافق على أن الهيئة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري ولكن الاختلاف ظل قائما داخل اللجنة على مسألة تمتيعها بالشخصية المعنوية من عدمها، فما المقصود بتمتيع الهيئة بالاستقلال المالي والإداري الذي هو من مميزات الشخصيّة المعنويّة وعدم الاعتراف لها بهذه الشخصيّة الا إذا كان القصد دائما وهذا المرجح أن تظل الهيئة تابعة لوزارة العدل وبالتالي للسلطة التنفيذيّة فينتفي أي معنى للاستقلال المالي والإداري. وهذا النوع من المناورات واللعب على الألفاظ الفضفاضة او النقائص لا يظنّه –محدثنا- الا معطلا لاستقلال القضاء ولنجاعته.أما في خصوص تركيبة الهيئة فإنّ الصيغة المقترحة بالفصل 6 من المشروع تنص على أن الهيئة تتركب من 20 عضوا خمسة قضاة معينين بالصفة و10 قضاة منتخبين وخمسة أعضاء من غير القضاة منهم عضوين من المجلس التّأسيسي من لجنة القضاء العدلي التأسيسية وعضو من الهيئة الوطنيّة للمحامين وأحد الأساتذة الجامعيين يقترحه رئيس الجمهوريّة وناشط حقوقي من المجتمع المدني يعيّنه رئيس الحكومة وهذا طبعا غير معقول ولا يمكن قبوله في هيئة وقتيّة تعنى أساسا حسب صيغة المشروع بالمسار المهني للقضاة من حيث التسمية والترقية والنقلة والتّأديب.إذا كيف يسمح لسياسيين تابعين لأحزاب بالمجلس التأسيسي بالتدخل في الشأن القضائي وكيف يقبل أن يتولى رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية تعيين أعضاء من غير القضاة ووفق أي معيار يتمّ هذا التعيين؟ وكيف لهيئة مهنيّة أخرى أن تكون حاضرة في الإشراف على المسار المهني للقضاة ؟
هذا الامرخطير للغاية خاصة ونحن في هذه المرحلة الانتقاليّة الحساسة اذ بعد أن كان القضاء يعاني من ضغط السلطة التنفيذية فإننا اليوم ندفع به زيادة على ذلك إلى ضغط الأحزاب السياسية والألوان الايديولوجية والهيئات المهنية ولا يفهم حسب ايّ منطق يجد القاضي نفسه عرضة لتقييمات مزاجيّة من أطراف غير قضائيّة داخل هيئته ولا نجده عضوا في هيئات أخرى لغير القضاة يقرر المسار المهني لأعضائها ؟ ولا يفهم من هذا طبعا نرجسية للقضاة او تكبّرا وإنما هي قراءة واقعيّة لما يمكن أن يؤول إليه حال القضاء والقضاة والعدالة بصفة عامة والآثار السلبيّة التي ستنعكس على حقوق المواطن.فالرفض ليس رفضا مطلقا وإنما رفض فقط في ما يتعلق بالمسار المهني للقاضي اذ يمكن في مرحلة لاحقة بعد أن تستقر المؤسسات الدستورية أن يكون هناك مجلس أعلى للسلطة القضائيّة يضمّ طيفا واسعا من كل الأطراف المعنيّة بمرفق العدالة ولكن لا ينظرون الا في المسائل التي تعنى بتطوير ذلك المرفق.
أما المسار المهني للقضاة فيظلّ شأنا خاصا تعنى به هيئة داخل المجلس مكونة من قضاة فحسب ولا يتصور أحد من الأطراف المعنيّة بشأن العدالة رفض هذا المبدإ أو الاعتراض عليه.وزيادة على هذه التركيبة المختلة والغريبة في ما يخص المسار المهني للقضاة نجد تركيبة أخرى اكثر غرابة للهيئة عند النظر في الملفات التأديبيّة، اذ زيادة على القضاة المعينين بصفتهم وهم أربعة منهم المتفقّد العام الذي يحضر بصفة مقرر لا يصوّت نجد ما سمّي ناشطا حقوقيا مسمى من قبل رئيس الحكومة المسيّس ولا وجود لأي معيار في تعيينه ومن هنا تأتي خطورة التعيينات التي تجرى بمعيار الولاء السياسي ولو غير معلن. وفي كلّ الحالات فإنّ تأديب القاضي يظلّ من مشمولات القضاة دون غيرهم، ولينظروا في الوظائف والمهن الأخرى إن كان يوجد بمجالسهم غير المنتمين لتلك المهنة ولا يفهم من هذا الا إصرارا على إبقاء القاضي تحت وصاية ورحمة السلطة التنفيذيّة بصفة مقنعة لا تزيد عن تزيين الوضع السابق بحلّة جديدة أكثر إشراقا في الظاهر ولكن مضمونها لم يتغيّر.
كما نصّ الفصل 20 من مشروع القانون على أن النقل والتعيينات المتخذة بمذكرات من وزير العدل منذ 14 جانفي تعرض على الهيئة وجوبا وقد تعددت الاقتراحات في خصوص هذا الفصل فبعضهم يقترح حذفه وبعضهم يقترح اضافة الاعفاءات التي قام بها وزير العدل في حق بعض القضاة وبعضهم يرفض هذه الاضافة ولا يفهم لماذا هذا الاختلاف؟ فإن كانت هذه الهيئة هي عنوان الشرعيّة والمصداقيّة طبقا لقانون التنظيم المؤقت للسلط العموميّة فإنّه يكون من الواجب عليها مراجعة كل ما قامت به وزارة العدل في عزف منفرد من وزيرها وما كان صالحا ومطابقا للقانون أبقت عليه وما كان دون ذلك عدلت عنه وراجعته وهنا لا يجب أن يتوقف الأمر على القرارات الانفرادية لوزير العدل وإنما كذلك على قرارات المجلس الأعلى للقضاء الذي أحياه وزير العدل لإضفاء شرعيّة وهميّة على قرارات اتخذها هو وبطانته الضيقة في مكاتب مغلقة.
في الأخير يقول محدثنا في رسالة لاعضاء مجلسنا التأسيسي الميامين لا تخافوا من القضاء فهو ليس غولا ولن يتغوّل على احد لأنّه محكوم بسلطة القانون ويعمل ضمن مؤسسات ولا يشرّع بل أنتم من تشرّعون وتسنّون القوانين ولا تخيبوا ظننا هذه المرّة ولا تحاولوا إسقاط القانون مجددا فالبلاد تحتاج إلى قضائها وتحتاج إلى استقرار وضمان للحقوق وحماية للحرّيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.