غابت حركة «النهضة» عن العرض الخاص لفيلم النوري بوزيد «ما نموتش» في سهرة الثلاثاء26 مارس بقاعة الحمراء بزفير المرسى على الرغم من توجيه الدعوة لعدد من أعضائها، فقد تمت دعوة كل من الشيخ عبد الفتاح مورو وسمير ديلو والعجمي الوريمي وسعاد عبد الرحيم التي ولئن لم تحضر فقد إتصلت هاتفيا معبرة عن شكرها لدعوتها لحضور العرض الخاص بالفيلم. في المقابل لبى الطيب البكوش أمين عام «نداء تونس» الدعوة وقد حل صحبة زوجته وكان لافتا للإنتباه أنه كان بمرافقة حارس شخصي من ذوي العضلات المفتولة. وحضر إياد الدهماني من «الجمهوري» ومحافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي الذي كان مصحوبا بعدد من اصدقائه الأجانب... وعلى الرغم من أن حضور عرض فيلم ما ليس واجبا سياسيا يحاسب عليه رجل السياسة فإن تغيب كل المدعوين على قلتهم من حركة «النهضة» يمكن ان يؤول باعتباره يعكس موقفا من النوري بوزيد صاحب السوابق بالنسبة للمتعاطفين مع الحزب الإسلامي كما يمكن للغلاة أن يفسروا تغيب النهضويين على أنه موقف مبدئي من السينما . ولاشك في أن مواقف النوري بوزيد لا تلقى هوى في أوساط الإسلاميين فقد إتهمه بعضهم بأنه تم توظيفه من طرف نظام بن علي ليقوم بغسيل ادمغة السجناء من الإسلاميين من خلال عرض عدد من افلامه في السجون والتحاور مع المساجين. أما النوري فيرد التهمة بالقول إنه إستجاب لمطلب المساجين انفسهم الذين رغبوا في حضوره هو وعدد من الفنانين من بينهم الأمين النهدي وبانه لم يبارك حبسهم وإن كان على تباين معهم في تفكيرهم ورؤاهم ... ثم جاءت حادثة «بسيكو أم» الذي هدد النوري بوزيد بالإسم في إحدى أغنياته خلال اجتماع جماهيري ل «النهضة» فهلّل الحاضرون وكبّروا وهو ما دعا النوري بوزيد إلى إتهام الحركة الإسلامية بشكل مباشر بإستهدافه. ثالثة الأثافي كانت الإعتداء عليه بآلة حادة قريبا من المركب الجامعي ولم تكن «النهضة» بعيدة عن دائرة الإتهام .... ولم يخف بوزيد خلال الحملة الإنتخابية السابقة ل23 أكتوبر دعمه للقطب الحداثي-المنشق حديثا عن «المسار» في واحدة من طلعات اليسار التونسي المتفنن طيلة تاريخه في تدمير نفسه بنفسه- وحضر إجتماعه الضخم في قصر الرياضة بالمنزه ولم يفوت الفرصة لنقد الإسلاميين ومشروعهم السياسي والمجتمعي، وتكرست القطيعة بين احد رموز اليسار التونسي والحزب اليميني الأقوى في الساحة السياسية. وعلى الرغم من إنسلاخ بوزيد السياسي عن اليسار فإنه لم يحدث اي تقارب بينه وبين «النهضة» خاصة بعد تصريحه المثير في قناة «التونسية» بانه قريب بالعقل والقلب من «نداء تونس» وهي هدية لم ينتظرها حتى كبار «نداء تونس» انفسهم من رجل له شرعيته النضالية مهما قيل عنه وفيه. فالنوري بوزيد هو أشهر السينمائيين التونسيين دوليا وأفلامه المثيرة للجدل تحوز الإعجاب حيثما عرضت وحتى الذين لم يشاهدوا أيّا منها يعرفون مواقفه. بإختصار فإن إسمه أشهر من نار على علم كما يقول المثل العربي...إتهم بالتطبيع في مهرجان دمشق السينمائي قبل سنوات بتواطؤ من بعض أبناء بلده وهاجمته الصحافة السورية والمصرية بضراوة في تلك الأيام ولكنه لم يتراجع قيد أنملة وهاهو يرفض عرض «ما نموتش» في مهرجان حيفا المحتلة وسانده في موقفه المنتج عبد العزيز بن ملوكة فكانت النتيجة إنسحاب الموزّع الفرنسي.وحين تم تكريم النوري بوزيد من طرف وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران بأرفع الأوسمة الفرنسية قبل سنتين بحث اعداؤه عن اسوإ تأويل ممكن فقرنوا توسيمه بذكرى إعلان قيام دولة إسرائيل؟ تحدث النوري بوزيد بدل المرة مرات عن تشبعه بالثقافة الإسلامية وبعشقه لأجواء شهر الصيام الفضيل وبأنه إبن مدينة صفاقس العتيقة يعرف حجارة انهجها وزواياها ومساجدها وبأنه لم ينبّت يوما عن تربته وبأنه لا يمكن ان يكون عدوا لثقافته وحضارته وبانه ممتلئ بالنص الديني المؤسس من قرآن وحديث... كل هذا لم يشفع له فهو علماني وذلك يعني في منظومة خصومه أنه «كافر» وبأنه «متفرنس» وبانه ضد العروبة وضد فلسطين ... وغيرها من الإستنتاجات الميكانيكية التي تعد افضل تجسيد للمثل الفرنسي «من يريد التخلص من كلب جاره يتهمه بالكلب. نعود لعرض يوم الثلاثاء الماضي بقاعة «الزفير» بالمرسى لنسأل ماذا لو حضر احد اعضاء «النهضة»؟ ألن تكون رسالة إيجابية للمثقفين المحترزين من المشروع الإسلامي ولعموم التونسيين؟ ماذا كانت الحركة الحاكمة اليوم ستخسر لو حضر أحد قادتها؟ أما حركة «نداء تونس» فقد إنقضت على الفرصة حتى ان النوري بوزيد في حديث جانبي مع امين عام الحركة الطيب البكوش قال «لو كنت لأنضم لنداء تونس فسأكون في أقصى اليسار» فرد عليه القيادي النقابي السابق بإبتسامته المعهودة «مرحبا بك سي النوري فنداء تونس مفتوح لكل التيارات والأفكار» وهو بالمناسبة محق في ذلك ف «النداء» الّف بين من يصعب لقاؤهم حتى في افلام الخيال العلمي، بين إبراهيم القصاص والفاضل الجزيري وبين خميس قسيلة وفوزي اللومي وبين نبيل معلول والمختار التليلي ... ومن «رموز النظام البائد» كما يشتهي الثوريون الجدد القول، حضر وزير الثقافة السابق عبد الرؤوف الباسطي الذي يعترف له الكثيرون بمنجزه للمسرح التونسي كاتبا متميزا ووزيرا دافع عن القطاع السينمائي وحقق له بعض المكاسب في نهاية حكم بن علي وهو الوزير الذي إعتذر للمسرحيين بعد حادثة المسرح البلدي الشهيرة بتاريخ 12 جانفي أي يومين قبل هروب «الزين»، ولا يمكن أبدا إختزال مسيرة الباسطي الذي بدا عليه الإعياء في تلك الأشرطة التي كانت تعد بعناية كل 7 نوفمبر وتبث في قناة 7 و21 ويعاد بثها إذاعيا من الغد من باب تذكير المؤمنين بنعم ولي النعم، فللرجل إنجازات من العيب أن تحجب. وحضر أيضا كمال الحاج ساسي كاتب الدولة والسفير السابق وهو معروف بعلاقاته مع الوسط الثقافي منذ السبعينات وقد كان الباسطي والحاج ساسي محل ترحاب المنتج عبد العزيز بن ملوكة والمخرج النوري بوزيد والموزع الحبيب بلهادي وعدد من الحاضرين من العاملين في قطاعات الإعلام والفنون. وحين صعد النوري بوزيد إلى الركح رفقة بطلتي الفيلم سهير بن عمارة ونور مزيو في غياب لطفي العبدلي –قيل إنه في جزيرة مالطا- تحدث بعفوية لافتة موجها حديثه للحاضرين من رجال السياسة» مهما إختلفتم في السياسة فإن السينما تجمعنا جميعا»... يُعرض الفيلم منذ 25 مارس في قاعات العاصمة وسيوزع قريبا داخل البلاد في سوسةوصفاقس ومدنين وقفصة ونابل... لا احد يعلم اين سيعرض الفيلم في كل هذه البقاع؟ إنها حرب الموزع الحبيب بلهادي يخوضها في مشهد سينمائي مخيف، إنحسار في عدد القاعات بدءا بالعاصمة نفسها فقاعة الكابيتول باتت محلا لبيع ملابس ماركة عالمية بشارع بورقيبة اما جوهرة الساحل سوسة فباتت بقاعة يتيمة بعد إغلاق مركب النجمة و ركون المسرح البلدي إلى بيروقراطيته المقيتة وفي صفاقس قاعة تعمل بالمناسبة. كذلك الشأن بالنسبة لبنزرت... بطبيعة الحال لن نتحدث عن قابس وقفصة ومدنين وسليانة وجندوبة وقصور الساف والمهدية والمكنين والوردانين وقصر هلال ومساكن والقيروان وشنني وماجل بلعباس... فبعضها كانت بها قاعات منذ عهد فرنسا وبعضها لم يعرف أبناؤها يوما شاشة عدا تلك العروض الحائطية حين كانت وزارة الثقافة عندنا تعمل على تحقيق فرحة الشعب في ظل «المجاهد الأكبر»... صحيح ان اولويات حكومة الثورة ليست سينمائية بالضرورة ولكن محاربة التطرف وفكر التكفير تقتضي في ما تقتضي تشييد قاعات السينما وبناء المسارح حتى لا يسود الجهل والظلام ....وما يحدث هذه الأيام يغني عن كل كلام....