«اثيوبيا في نسختها التونسية» هو النعت الذي يطلقه البعض على منطقة الكرمة الصفراء -هي منطقة نائية تقع على بعد 28كلم من معتمدية فرنانة من ولاية جندوبة وعلى بعد3كلم من التراب الجزائري – مدينة النسيان, أهلها يموتون في كل لحظة ولا تربطهم بالحياة غير انفاس قضت أن يوجدوا رغم كل شيء ...بالرغم من «الدمار» ... المكان جميل ورائع لكنه يخفي قبحا كبيرا صنعته سنوات الجمر المتواصلة التي أتت على طموح كل شباب الجهة ودفنت أحلامهم دون رجعة ... لم يكن الاكتئاب الذي ابتلع أملهم متأتيا من فراغ بل كل شيء في هذه الربوع يشير الى مآس وكل مأساة تنسينا سابقتها .... المساكن وحدها وجع حيث تنعدم فيها كل مقومات العيش الكريم وابسط المرافق الضرورية فالبناءات كلها مغطاة بالزنك وبأغصان الأشجار تغمرها مياه الأمطار في فصل الشتاء لتحول حياة ساكنيها إلى جحيم يزيد في بؤسهم. وحتى المساكن التي بنيت بمواد حجرية فهي تتميز بالرطوبة الكبيرة ولا يختلف حالها عن البقية. ملامح البؤس ترتسم على وجوه اغلب المتساكنين الذين لا يجدون في اغلب الفترات ما يسدون به رمقهم ما عدا بعض الأشياء البسيطة التي لا تسمن ولاتغني من جوع يدر بها عليهم بعض أصحاب القلوب الرحيمة الذين يتعاطفون معهم غير أن تدخلاتهم لا تكفي لانتشال أهالي المنطقة بأكملها من الخصاصة والحرمان خاصة عند تهاطل الأمطار إذ تعزل المنطقة بالكامل ويبقى السكان عرضة للجوع والعطش على مدار أيام ولا احد يلتفت إلى أناتهم... عطش وظلام وما يزيد الوضع سوءا هو أن المنطقة تفتقر للماء الصالح للشراب. فأهلها يشربون من برك مياه الأمطار أو بعض الأعين التي تكسوها الأعشاب الطفيلية التي باتت مرتعا لمختلف الحشرات والزواحف وهو ما يهدد حياتهم بسبب المضاعفات التي قد تترتب عن استعمال هذه المياه الملوثة. لكن ما خفي كان أعظم. وللمعاناة وجه آخر لان المنطقة تغرق في الظلام الدامس في الليل لغياب الإنارة العمومية –أي الطرقات -لان المرفق الوحيد المتوفر هو الإنارة المنزلية وما يحز في نفوس أهاليها أن السلط المعنية تتجاهل حاجيات هذه المنطقة التي لم تنعم قط بزيارة أي مسؤول حتى أن البعض منهم تساءل هل أنهم من أبناء تونس ام أنهم يحملون الجنسية التونسية بالاعتبار؟ دون أن يتمتعوا بأي حقوق فمن يغيثهم إذ انعدمت أمامهم السبل ؟من يرفع عنهم ضيمهم؟ أليس هذا من الاختصاص المطلق للدولة ؟احد محاورينا يدعى رضا أكد أن أملهم في الإحاطة والرعاية بدأ يتلاشى لانعدام أية بادرة من السلط المحلية أو الجهوية إلى درجة أن الفقر والجوع باتا رفيقي أهالي الكرمة الصفراء وأشار محدثنا إلى انه من الأجدى إطلاق تسمية منطقة النسيان عليها لا الكرمة الصفراء. نموذج متكرر .... والمصاب واحد النموذج متكرر وهذه عجوز في عقدها السابع تعيش في كوخ سقفه من أغصان الأشجار هي وعائلتها المتكونة من ثمانية أفراد لا تجد ما تسد به رمقهم بسبب انعدام أي مورد رزق قار لها يكفل لها حياة كريمة وحتى المنحة التي تمنحها الدولة للمعوزين لاتنتفع بها رغم أحقيتها بذلك لانها لم تجد من يبلغ صوتها وعجزها فهي تعيش من بعض الأعمال الفلاحية الشاقة التي تدر عليها مبلغا ماليا بسيطا لايكفي حتى ثمن رغيف الخبز وبطبيعة الحال يكون ذلك بصفة موسمية. ماعدا ذلك فلها حسب تصريحها «رب كريم يرحم عجزها». نفس هذه الوضعية تتكرر تقريبا مع كل اهالي المنطقة بما في ذلك شبابها الذي يعاني البطالة حتى أن اغلبهم اضطر للنزوح إلى تونس والمدن المجاورة بحثا عن أي عمل يساعدون به أسرهم المعوزة التي أنهكها الفقر. فضلا عن الفقر تفتقد المنطقة رغم كثافتها السكانية إلى كل الخدمات فلا مركز صحي ولا مستوصف محلي فمن يصاب بتوعك صحي عليه قطع أكثر من 22كلم تقريبا وهو ليس بالأمر الهين عند نزول الأمطار أو تساقط الثلوج إذ كما أسلفنا ذكره سابقا تنقطع الطرقات مما يعني أن المريض الذي يعاني من وضع صحي حرج قد يهلك قبل العلاج لان الوصول إلى المستشفى ليس أمرا سهلا. اما الانتحار ...او طلب اللجوء إلى الجزائر بعد أن انسدت كل الآفاق وتلاشى كل أمل في هذا المكان الغارق في الضياع افادنا الشاب عبد العزيز الخزري صاحب مشروع ومقاول شاب انه قاب قوسين او ادنى من الانتحار على خطى الشاب الذي احرق نفسه مؤخرا أمام المسرح البلدي بالعاصمة خاصة أمام انسداد السبل أمام مشروعه وقال انه تعب كثيرا للحصول على شهادة في الكفاءة في البناء وعلى رخصة مقاول حتى يتسنى له المشاركة في الصفقات العمومية الصادرة عن إدارة التجهيز والاسكان وديوان تنمية الغابات والمراعي بالشمال الغربي بعين دراهم ...حيث طلب الحصول على قرض بنكي واتصل بكل البنوك وفي كل مرة يعود بخفي حنين ...اتصل كذلك بالعديد من الجمعيات وهناك من عرض مساعدته بشرط الانتماء الحزبي .... وقد أعلمنا العديد من شباب المنطقة أنهم أمام خيارين احلاهما مر فإمها الانتحار إمّا طلب اللجوء إلى الجزائر ...فالأعوام متشابهة وكلها سوداء حالكة وسنة التداول لا تخرج عن دائرة عام «بوبراك» وعام الشر فهل أن الصبح قريب ؟