في أمريكا اللاتينية لا ينفصل الواقع كثيراً عن الخيال، ولهذا لا يعد غريباً أن تتشابه قصة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مع قصص الأطفال التي تروي حكاية فقير معوز أصبح ملكاً بفضل خاتم سحري وجده في جوف سمكة اصطادها. لكن مادورو (50 عاماً) لم يكن صياداً وإن كان فقيراً... بل معدماً. كان مجرد شخص اقتاده سوء الحال وضيق ذات اليد لأن يصبح سائق حافلة عوضاً عن إكمال تعليمه الأكاديمي، فالجامعات في سبعينيات القرن الماضي في كاراكاس كانت حكراً على الأغنياء فقط. "حقده" الطبقي وغياب العدالة في بلاده التي تعد من أغنى دول العالم في النفط، جذبته إلى أفكار كارل ماركس، وقادته إلى العمل النقابي الذي كان من المحرمات في فنزويلا في تلك الحقبة، وسرعان ما أوغل مادورو في المحظورات ليؤسس مع رفاقه "حركة الجمهورية الخامسة" التي شكلت ضغطاً كبيراً على الحكومة ودفعتها للافراج عن المعتقلين السياسيين اليساريين، الذين كان من بينهم صديقه ورفيق دربه ومعلمه الرئيس الراحل هوغو تشافيز. لم ينس تشافيز نضال رفيقه وفضله، وربما لذلك أحاطه بدائرته ووهجه الخاص، ما كفل له الفوز في الانتخابات البرلمانية، ومنها إلى عضوية الجمعة الوطنية التي أصبح رئيسها، ليشغل بعدها منصب وزير الخارجية عام 2006، ويتقرب أكثر من تشافيز بوظيفة مستشار خاص في 2012. لم تكد تمضي أشهر قلائل على إعادة تنصيب تشافيز رئيساً، حتى أطل على شاشة التلفزيون الوطني معلناً عن عودة السرطان إلى جسده، ليبدأ بعدها رحلة علاج في كوبا ، يعود بعدها لكاراكاس مودعاً وموصياً بمادورو خليفة له. وإن كان موت تشافيز أحدث بلبلة سياسية في فنزويلا، فإنه ضمن لمادورو دعاية سياسية مجانية، فمرة يتعهد بتحنيط جسده أسوة بلينين وماوتسي تونغ، وأخرى يقسم أنه رآه في الحلم برفقة القديسين، ومرة يتهم الولاياتالمتحدة بتسميمه للتخلص من تأثيره الذي ضرب جذوراً له في الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية. لكن الدعاية الأقوى بلا شك، كانت وصية تشافيز بانتخابه، وفي بلد لاتيني كفنزويلا للموت فيه سلطته وخرافاته كان لابد من تحقيق أمنية المتوفي الأخيره... وهكذا أصبح مادورو رئيساً... وتحولت الوصية إلى خاتم سحري قاده إلى السلطة. كثيرون يتشككون في أن ينجح مادورو بمحاكاة نموذج سلفه في كسب قلوب الرأي العام، خاصة أنه نجح بفارق ضئيل بنسبة 2%على منافسه إنريك كابريلس، لكن آخرين يرون أن هذه الشكوك مردود عليها، فثقة تشافيز الرهيبة برفيقه لم تأت من فراغ، إذ ربما وجد فيه سائق الحافلة الجيد والمحترف أيضاً... الذي قد يستطيع أن يقود البلاد من زحام التكهنات والتقلبات والتغيرات العاصفة.