لم تستسغ اغلب النخب السياسية إعلان الباجي قائد السبسي ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية المُقبلة حيث وصفها البعض بخطوة استباقية تهدف الى إرباك حركة «النهضة» ومحاولة إحراجها باعتبارها تدعم مشروع قانون «تحصين الثورة»، فيما اعتبر البعض «قنبلة» السبسي «إعلان حرب» خاصة أن هذا التحرك مفاجئ وصاعق في توقيته وأسبابه ويأتي في الوقت الذي يستعد فيه المجلس الوطني التأسيسي لمناقشة مشروع قانون «تحصين الثورة» وتحديد ملامح المشهد السياسي القادم. كما جاء قرار السبسي أيضاً في الوقت الذي لم يتم فيه بعد حسم مسألة السن القصوى بالنسبة للمترشحين للانتخابات الرئاسية في الدستور التونسي الجديد، حيث هناك توجه بأن يكون السن الأقصى للمترشح 75 عاما، بحيث لن يكون بمقدور السبسي الترشح. وكان السبسي قد اعلن أن «السن ليس مشكلتي، كما أن الاقصاء هو مشكلتهم هم»، وذلك في إشارة إلى قانون «تحصين الثورة»، ومسألة تحديد السن. فكيف تنظر الطبقة السياسية إلى قرار السبسي؟ «التونسية» طرحت الموضوع على نخبة من رموز السياسة وحصلت على أجوبة. اعتبر»عبد الحميد الجلاصي» القيادي في حركة «النهضة» ان اعلان «السبسي» امر ايجابي من حيث المبدأ باعتبار ان الحزب الحاكم يبارك تعدد الترشحات لكل المواقع والمسؤوليات في الدولة. وقال «الجلاصي» انه من حق كل التونسيين التنافس على خدمة البلاد ، مؤكدا في السياق ذاته على ضرورة احترام الضوابط المتمثلة في القوانين التي ستنظم العملية الانتخابية من خلال الدستور والقانون الانتخابي ثم من خلال الارادة الشعبية في مرحلة ثانية. وعن امكانية التحالف قال «الجلاصي» ان «حركة النهضة تبحث عن التحالف مع القوى الوطنية الثورية الوسطية والديمقراطية». جزء من الماضي من جانبه قال «علي الجلولي» عضو القيادة الوطنية لحزب العمال أن اعلان «السبسي» عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، وبقطع النظر عن الحق في الترشح، أقرب الى «بالون اختبار» مرتبط بتوازنات داخلية داخل «نداء تونس» وأيضا داخل «الاتحاد من أجل تونس». وأضاف الجلولي انه «بقطع النظر عن اصدار الدستور وقانون «التحصين» اللذين سيحرمان السبسي من الترشح، فان ما شد انتباه الرأي العام هو حديثه عن العلاقة الممكنة مع حركة «النهضة» التي يمكن أن تكون علاقة تعاون وتكامل». ويعتقد «الجلولي» أن الباجي نطق بالحقيقة التي أصدح بها سابقا حين قال ان حزبه هو حزب معاضدة وليس معارضة، مؤكدا في الان ذاته ان العلاقة بين «النداء» و«النهضة» ليست علاقة تناقض بل هي اختلاف جزئي يهم بعض الجوانب المدنية والسياسية، مشيرا الى ان السياسة الخارجية مثلا هي نفسها لكليهما من جهة اعتمادهما على التبعية للغرب ودول البترودولار وللدوائر الامبريالية الناهبة، التي تلعب دورا في تنظيم تبادل الادوار بين النهضة والنداء (التجمع )من أجل سدّ الباب أمام القوى الثورية والوطنية. وأضاف الجلولي «كلاهما يضمن مصالحه فيما عدا ذلك وأساسا ما يهم الخيارات الاقتصادية والاجتماعية فهي نفسها من جهة احتكامهما لليبرالية الجديدة القائمة على الخوصصة والمديونية ومراجعة صندوق التعويض وتحرير الاسعار والعملة واللاعدالة الجبائية، وبالتالي اعتماد اقتصاد لا وطني ولا شعبي لا يخدم الطبقات والفئات الكادحة والجهات المحرومة، بل يكون في خدمة أقلية طبقية طفيلية. وبين الجلولي ان وضع تونس اليوم تحت حكم «النهضة» يشكو من تواصل خيارات حزب الدستور بالخضوع الى ارادة الصناديق والدوائر المالية النهّابة على حساب الجماهير التي كان نصيبها مزيدا من الفقر والحرمان والبطالة والتهميش والغلاء وتدهور المقدرة الشرائية والمعيشة عموما». واعتبر الجلولي أن مصلحة الشعب لن تكون مع «النهضة» ولا مع «النداء»، بل مع الخيارات الوطنية الشعبية التي ترفع لواءها اليوم الجبهة الشعبية المنحازة توجها وبدائل لجماهير الشعب المفقّر، مضيفا ان السبسي هو جزء من الماضي البغيض الذي ثار ضده الشعب ويريد نسيانه، و«النهضة» هي جزء من الحاضر الاليم الذي يريد الشعب الخلاص منه، و«الجبهة الشعبية» هي المستقبل لانها ببساطة منحازة بإطلاق للشعب وللثورة ولاستحقاقاتها المؤجّلة. مناورة في الوقت الضائع أما «زهيرالمغزاوي» القيادي في «حركة الشعب» فقد قال ان اعلان «الباجي قائد السبسي» عن ترشحه للرئاسة هو استفزاز ومناورة في الوقت الضائع ومحاولة لاستغلال فشل الترويكا ووضع الشعب بين خيارين احلاهما مر، خيار ثار عليه شباب تونس وآخر يحاول الانقلاب على الثورة. وأضاف «المغزاوي» «انه من مفارقات الثورة ان يعلن رجل الثمانين، الذي شارك في مختلف حقب الاستبداد الذي مورس على الشعب، الترشح للرئاسة وتزعم ثورة اشعلها الشباب» قائلا «اعتقد ان هذا الاعلان لا يستحق كل هذه الضجة الاعلامية من حوله». واعتبر «المغزاوي» ان هذا الاعلان هو مجرد اضغاث احلام تراود «السبسي» وظاهرة مرضية لرجل يقف على مشارف التسعين، مؤكدا في الان ذاته ان لا احد يستطيع ان يحول دون خيار الشعب في استكمال اهداف ثورته باستئصال النظام القديم وضرب الاستبداد الناشئ على حدّ تعبيره. ويرى «المغزاوي» ان اعلان الترشح هو رسالة ل «نداء تونس» الذي تشقه الصراعات بين اللوبي المالي واللوبي الثقافي على حد تعبيره. وعن امكانية تحالف «نداء تونس» مع حركة «النهضة» بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات المقبلة حسب ما صرح به «السبسي»، قال «المغزاوي» كلاهما يمثل نفس الخيار الاقتصادي الليبرالي المتوحش الذي كان ينتهجه نظام بن علي. اعلان سابق لأوانه من جهته، قال «محمد الحامدي» رئيس الكتلة الديمقراطية انه من حق كل مواطن الترشح لرئاسة الجمهورية بقطع النظر عن عمره او جنسه او انتمائه الحزبي معتبرا ان هذا الاعلان ليس بالحدث الكبير الذي يستحق زوبعة اعلامية لأنه بكل بساطة مسألة متوقعة باعتبار انه من حق اي كان من قيادات حركة نداء تونس سواء كان «السبسي» او غيره الترشح لرئاسة الجمهورية شأنه شأن قياديي الاحزاب الاخرى. وأضاف «الحامدي» ان هذا الاعلان كان سابقا لأوانه باعتبار ان الخلاف حول طبيعة النظام السياسي والقانون الانتخابي وشروط الترشح للرئاسة لم تحسم بعد في الدستور الجديد. «الحامدي» قال ايضا ان تونس اليوم تشكو من عدم التوافق بين واقع سياسي تحكمه نخبة شارفت على الشيخوخة وبين واقع ديمغرافي شبابي متحمس»، مشددا على ضرورة اقحام وجوه شبابية جديدة في الساحة السياسية وفسح المجال للحراك السياسي الشبابي. و ابدى «الحامدي» مخاوف من ان الاختلاف بين حركة «النهضة» و«نداء تونس» يكمن في مسألة من يريد البقاء في السلطة ومن يريد العودة اليها. حسم الصراعات داخل الائتلاف وأكد رجل القانون الدستوري «قيس سعيد» ان تصريح «الباجي قائد السبسي» حول ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة لا يتجاوز مرحلة الاعلان، مضيفا ان مسالة الترشح بصفة فعلية تبقى رهينة توفر الشروط التي سينص عليها الدستور. وقال «سعيد» ان «السبسي» قد يكون بهذا الاعلان حسم الامر على مستوى التنظيم السياسي الذي ينتمي اليه وكذلك الصراعات التي بدأت تظهر بوادرها داخل الائتلاف الذي تم تشكيله من قبل مجموعة من الاحزاب تحت مسمى «الاتحاد من أجل تونس». وبين «سعيد» ان مسألة الاعلان عن الترشح للرئاسة تمثل موقفا ولكن تبقى في النهاية رهينة توفر الشروط القانونية لا سيما انه لا يمكن اليوم الحديث عن دستور جديد بل مشروع دستور. وأشار «سعيد» الى ان النقاش سيبقى مفتوحا في المجلس الوطني التأسيسي وسيأخذ حيزا من الزمن حول الشروط التي يجب توفرها بالنسبة للانتخابات الرئاسية. المعمرّون في الارض في المقابل، اعتبر «عبد الرؤوف العيادي» رئيس «حركة وفاء» ان اعلان «الباجي قائد السبسي» ترشحه للرئاسة يبشر بعودة حكم المعمرين قائلا «عشنا نظام الاستعمار زمن فرنسا ثم حلفاؤها ومن بعدهم حكم المعمرين في الارض». وأشار «العيادي» الى ان حركة «نداء تونس» تريد ان تعيد الاموات وان «السبسي» يسبح في التاريخ ويلعب لعبة القرون، مضيفا ان الشعب سيضع حدّا لعقل هذا الرجل وتخميناته عاجلا أم آجلا. وعن امكانية تحالف «نداء تونس» مع حركة «النهضة» بعد الانتخابات المقبلة كما جاء على لسان «السبسي»، بيّن «العيادي» ان هذا التصريح هو من قبيل التمويه لتسليط الضوء على القضية لتأخذ في ظاهرها على محمل الجد في محاولة لإقناع الرأي العام بالبحث عن المصلحة العامة للبلاد. جيهان لغماري وعائشة السعفي