أثار عزل الرئيس المصري محمد مرسي من قبل القوات المسلّحة المصريّة، عقب احتجاجات عارمة شهدتها البلاد منذ أيّام، ردود أفعال مختلفة لدى كلّ المهتمّين بالشأن السياسي، ففي الوقت الذي اعتبره البعض سقوطا ل«الإسلام السياسي» الذي لا يختلف كثيرا عن الأنظمة الدكتاتوريّة لاعتماده منطق القوّة والتغوّل في تسيير شؤون الدولة وتهميشه لمطالب الثورة الأساسية، على حدّ قولهم، رأى آخرون أنّ عواقب ذلك ستكون وخيمة على المنطقة بأكملها وانّها ستنسحب على حكم «النهضة» في تونس باعتبارها حركة إسلاميّة ولوجود نقاط تشابه كثيرة بين البلدين. «التونسيّة» تطرّقت إلى الموضوع وتقصّت آراء سياسيين حول ما حدث في مصر وإمكانية تأثير ذلك على تونس فكانت الآراء التالية: اعتبر المولدي الفاهم عضو المكتب السياسي في «الحزب الجمهوري» أنّ ما جدّ في مصر يعدّ مآلا طبيعيا ناتجا عن جملة من الإخفاقات في إنجاز مطالب الثورة مؤكّدا انّ سحب البساط من الإخوان كان لتصحيح المسار وأثبت انّ الشرعيّة الشعبيّة أقوى من شرعيّة الصناديق وانّ الشعب المصري هو صاحب القرار. الشرعيّة الشعبيّة أقوى من شرعيّة الصناديق وأضاف الفاهم أنّ إمضاء عريضة «تمرّد» من قبل 22 مليون مصري إضافة إلى خروجهم إلى الشارع يوضح انّ ما تمّ لم يكن إنقلابا عسكريّا كما يتداول البعض بل كان تدخّلا فرضته المخاطر التي باتت تهدّد البلاد وحالة الإحتقان الشديد الذي غصّت به الشوارع المصريّة مشيرا إلى انّ الجيش المصري عمل على مشاركة أطراف من مختلف الأطياف آملا أن يواصل الجيش المصري ما تعهّد به من إنجازات ووعود لفائدة المصريين. وأكّد الفاهم أنّ الشعب المصري الذي رفض حكم الإخوان سيقول كلمته في الصندوق وأنّ ما جرى سيكون عبرة يعتبر بها كلّ حكام مصر القادمين وحكّام الدول العربيّة كذلك موضّحا انّ دور مصر القومي والعروبي قزّم منذ عهد السادات ومبارك وانّ انتفاضته أكّدت تحرّره مضيفا انّ الوضع في تونس لا يختلف عن نظيره في مصر خاصّة بتفاقم عدّة مظاهر بعد الثورة كالفساد المالي والإداري إضافة إلى المشاكل التنمويّة والجهويّة ليدعو إلى ضرورة الإسراع بالمصادقة على الدستور وتحديد موعد الإنتخابات ومعالجة غيرهما من أمهات القضايا العالقة في إطار التوافق لتجنب السيناريو المصري مؤكّدا انّ حدوث هذا السيناريو غير مستبعد في تونس متمنّيا حصول ذلك في إطار هادئ وسلمي في صورة ما إذا حصل. «بداية النهاية» من جانبه قال زهير المغزاوي عن «حركة الشعب» إنّ ما حصل في مصر يؤكّد بداية نهاية جماعة الإخوان التي حاولت التغوّل على مصر وعلى ثورتها مضيفا انّ هذه الجماعة لم تفهم معنى شرعيّة الصندوق التي اعتبرها غير كافية للحكم قائلا: «هذه الجماعة لم تفهم أنّ شرعيّة الصندوق لا تكفي وحدها للحكم وانّ الشرعيّة الثوريّة أقوى بكثير» موضّحا انّ اعتقادهم الخاطئ ألّب عليهم الجماهير التي نزلت إلى الشارع لرفض حكمهم وتغوّلهم. وأضاف المغزواي أنّ بداية نهاية الإخوان انطلقت بانتصار الجيش السوري في «القصير» وإنهاءه لمشروع «إخواني إستعماري» وتأسيسه لمشروع عربي نهضوي تحريري ديمقراطي جديد. وعن امكانيّة حدوث السيناريو المصري في تونس لم يستبعد المغزاوي ذلك لكنّه أشار إلى انّ النخب السياسيّة لم تكن في مستوى الثورة التونسيّة وعملت على إفراغ الشارع التونسي من الثوريين خلافا لما هو موجود في مصر مضيفا انّ هذه النخب التي توافقت مع هيئة ابن عاشور والإخوان المسلمين جعلت الساحة التونسيّة خالية من القيادات الوطنيّة مشيرا إلى أنه كان بإمكان تونس النهج على المنوال المصري منذ أحداث القصبة 3 ومنذ جنازة الشهيد شكري بلعيد لكن تخاذل تلك النخب حال دون ذلك ليشير إلى انّ نزول الجماهير وحدها الى الشارع غير كاف لإحداث التغيير بل لا بدّ من قيادات توجّهه قائلا: «الحشد وحده لا يكفي بل لا بدّ من قيادات تتوجّه به نحو تحقيق أهدافه لكن في تونس لا توجد قيادات وطنيّة مثل حمدين الصباحي». وانتقد المغزاوي دور المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي معتبرا إياها معارضة كرتونيّة تضفي شرعيّة على أعمال من تعتبرهم عملاء وتتفاوض وتتحاور معهم ليضيف أنّ مصير تونس ومصر مرتبط وانّ المرحلة لا تدار إلاّ بالتوافق والحوار والحديث في المسائل الجدّية مثل كيفيّة تحقيق أهداف الثورة. «التغيير وارد» من جهته استبعد زياد الأخضر عن «الجبهة الشعبيّة» إعادة السيناريو المصريّ بحذافره في تونس لكنّه أكّد إمكانيّة حدوث سيناريو شبيه به نظرا لوجود حالة احتقان شديدة في صفوف التونسيين إضافة إلى وجود نقاط تشابه عديدة وارتباطات وثيقة بين البلدين انطلقت منذ سقوط نظام بن علي واستلهام الشعب المصري لثورته من تحرّك الشعب التونسي ليكون لهما المسار نفسه بتكليف حزبين ينخرطان في النظام الدولي للإخوان بإدارة شؤون البلدين. و اكّد الأخضر أنّ قواسم وصعوبات مشتركة يعيشها البلدان كفرض دستور بالقوّة لا يستجيب لمعايير الدساتير الديمقراطية إضافة إلى إغراق الدولة ومفاصلها بتعيينات حزبيّة للسيطرة عليها مشيرا إلى أنّ الحكومتين استندتا إلى منطق الغلبة والتغوّل لإدارة المرحلة. و أوضح الأخضر أنّ النموذج المصري ساهم في بلورة إئتلاف واسع من القوى المدنيّة والسياسيّة التي صعدت للإحتجاج في تجمعات مليونيّة لإسقاط حكم المرشد مشيرا الى انّ الجيش انحاز إلى المحتجين داعيا إياه إلى حماية المرحلة الراهنة لكي لا يتمّ الالتفاف عليها. «لا نجاح دون شرعية أدائيّة» أمّا الطيّب البكّوش عن «نداء تونس» فقد أشار إلى انّ ما حصل في مصر يعدّ حدثا هامّا للشعب المصري وللمنطقة العربيّة ككلّ لطرحه قضيّة جوهريّة مفادها انّ الشرعيّة الإنتخابيّة لا تكفي إذا لم تستند إلى شرعيّة أدائيّة موضّحا انّ نظام الحكم في مصر فقد هذه الشرعيّة لفشله في تحقيق أهداف الثورة التي جاءت به. واستبعد البكّوش عودة المؤسّسة العسكريّة إلى الحكم الذي كان بيدها لأنّ الأوضاع قد تغيّرت مشيرا إلى أنّ تمركز المؤسسة العسكريّة في مصر منذ سنة 1952 يجعل منها اليوم قوّة توازن قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها عند انحرافها كما حدث مع الإخوان. وأكّد البكّوش أنّ الوضع في تونس مختلف عمّا هو في مصر لأنّ المؤسّسة العسكريّة التونسيّة لم تكن في الحكم وكانت دائما خارج السياسة لاعتبارها مؤسسة جمهوريّة لكنّه أشار إلى انّ كلّ شيء وارد لأنّ الشرعيّة مفقودة بتجاوز المدّة المحدّدة شأنها شأن شرعيّة الأداء بعد فشل «الترويكا» في إدارة المرحلة الأولى ممّا استوجب إستقالة الحكومة مضيفا انّ الحكومة الحاليّة لا تختلف عن سابقتها من حيث منهج الحكم داعيا للإتعاض بما حصل في مصر. «أحلام وأوهام» من جهته قال عبد الحميد الجلاصي عن حزب حركة «النّهضة» إنّه من المؤسف أن يتمّ العودة إلى الإنقلابات العسكريّة التي ذكّرته بأحداث الشيلي سنة 1972 وأحداث فينيزويلا في السنوات الأخيرة منتقدا تأييد جزء من الطبقة التي تدّعي الديمقراطيّة ،على حدّ تعبيره، لذلك والإتفاق على إلغاء الشرعيّة لعودة الجيش والتعميق من صعوبات مرحلة الانتقال الديمقراطي مضيفا انّ الانقلاب في مصر له مؤشّرات كبيرة أهمها إغلاق القنوات التلفزيّة الموالية للإخوان والاعتقالات السياسيّة ممّا يوحي بوجود تدابير مرتّبة منذ مدّة. وأشار الجلاصي إلى انّ الثورة في تونس أفرزت عهدا لدى الجميع مفاده أنّه لا يمكن الرجوع إلى الماضي منتقدا خروج بعض الشباب التونسي إلى الشارع ورفع الشعارات المصريّة معتبرا إياهم ناشئة لم تتخلّ عن الصراعات الطبقيّة تريد إسقاط ما حدث في مصر على تونس مؤكّدا انّ ذلك مجرّد أحلام وأوهام. وأضاف الجلاصي انّ التجربة في تونس مختلفة عن التجربة المصريّة بوجود إئتلاف من الأحزاب في الحكم ذات مرجعيات مختلفة جعلها صمّام أمان أمام المغامرين والذين يحنّون إلى الحكم الانقلابي والتشويش على الحكم.