يوم الخميس 14 جوان 2012 تاريخ سيتذكره المصريون جيدا، هو ليس اليوم الذي قامت فيه ثورتهم ولا اليوم الذي انتهى فيه حكم آخر فراعنة مصر محمد حسني مبارك -كما يوصف- بل هو اليوم الذي صدر فيه قرار المحكمة الدستورية العليا بإلغاء كل ما تحقق أو توهم المصريون أنّه تحقق بعد الثورة. «قانون العزل السياسي» هو قانون غير دستوري حسب قرار المحكمة، ما يعني أنّ من حق أي كان من الساسة ورجال «البلاط» في عهد مبارك أن يترشح لأي منصب سياسي بعد الثورة. أما القرار الثاني فكان أكثر صدى وتأثيرا فهو قرار حلّ البرلمان المصري المنتخب على أساس أنّه «يفتقد إلى المساواة ومَعيب دستوريا». هكذا انتهت قصة التغيير المقنّع في مصر، وهكذا نظمت الانتخابات الرئاسية التي وصفت بالتاريخية دون برلمان ودون دستور. الفاعل الأبرز والمتهم الرئيس كان المجلس العسكري المصري الذي يبدو ?حسب محللين- أنّه تمكن من خلال هذه الخطوة أن يحكم سيطرة أذرعه الأخطبوطية على كلّ الأفواه المطالبة بالمدنية. إعداد: أروى الكعلي -- المحلل التونسي عبد المجيد العبدلي : الإخوان سهلوا مهمة الجيش تساءل المحلل السياسي عبد المجيد العبدلي في اتصالنا معه حول للتطورات الأخيرة في مصر خاصة منها قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون «العزل السياسي»، وبعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات البرلمانية الذي جرت على أساسه انتخابات مجلس الشعب «البرلمان»، عن أبعاد توقيت إصدار هذه الأحكام قبيل سويعات من الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة وأيام من موعد 2 جويلية الذي من المفترض أن يسلم المجلس العسكري خلاله مقاليد الحكم لسلطة مدنية. واعتبر العبدلي أنّ المساس من السلطة التشريعية في هذا التوقيت بالذات أمر في غاية الخطورة، إلا أنّه أكّد أنّ المجلس العسكري استفاد من أخطاء الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم الإخوان حتى يتمكن من السيطرة على الوضع السياسي بهذا الشكل. فمواقف الإخوان هي التي سمحت له بأن يحظى بهذه المكانة. وبخصوص مصالح القوى الكبرى في مصر، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة، يشير العبدلي إلى أنّ أول نقطة ركزت عليها واشنطن عند تولي العسكر الحكم كانت اتفاقية السلام مع إسرائيل وما إذا كان المجلس سيحافظ عليها أم لا. ويضيف المحلل السياسي أنّ من مصلحة الغرب أن يشوش المجلس العسكري على الثورة المصرية. ---- المفكر المصري فهمي هويدي : السيناريوهات المرجحة رأى الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي في تحليل لأحكام المحكمة الدستورية العليا في مصر على موقع جريدة الشروق المصرية تحت عنوان «سيناريوهات ما بعد الانقلاب» أنّ الحكم الذي من المفترض أن يستغرق عدة سنوات اتخذته المحكمة في أسبوعين. ويتساءل «هذا الانقلاب الناعم إذا لم يكن مرتبا من قبل الدولة العميقة، فهل يصدق عاقل أنها مجرد مصادفات؟» ويرصد الكاتب المصري السيناريوهات المحتملة في البلاد وهي السيناريو الجزائري والروماني والأوكراني معتبرا أنّه رغم تشابه الخلفيات فإن السيناريو الجزائرى الدامي مستبعد ، «ليس فقط لأن الإخوان هجروا العنف منذ عدة عقود، ولكن لأن الجماعة المقاتلة فى مصر راجعت موقفها وانتقدته وتجاوزته» ويتابع الكاتب أنّ « الباب لا يزال مفتوحا على مصراعيه أمام الاحتمالين الأخيرين، الرومانى والأوكراني اللذين يطل منهما الماضى بقوة.» ويتمثل السيناريو الرومانى في تمكن كوادر الحزب الشيوعى من استعادة السيطرة على الحكم مرة ثانية بعد سقوط الرئيس شاوشيسكو. أما في أوكرانيا اختارت الجماهير فى أول انتخابات حرة جرت فى عام 2010 العودة إلى النظام القديم. ------ المحلل الأمريكي ستيفين كوك : عرش مبارك اهتز ولم يسقط ! «لم يرحل حسني مبارك بعد» هكذا يستهل المحلل الأمريكي ستيفين كوك المختص في الشأن المصري مقاله التحليلي في مجلة «فوريين بوليسي»، معتبرا أنّه بالرغم من أن المصريين توجهوا إلى مكاتب الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد إلا أنّ مبارك القابع وراء القضبان في حالة صحية متدهورة، مازال هو ومؤسساته حاضرا مثل أشباح غير مرغوب فيها، من أجل التملص من تحول مصر إلى الديمقراطية. ويتحدث الكاتب بنفس متشائم عن تلاشي الوعد الثوري الذي قاده ميدان التحرير، مضيفا أنّ مصر تغيرت ولكنّها لن تكون على الأرجح على الشاكلة التي ينتظرها النشطاء. كما أنّ انضمام الإخوان كان بطيئا للثورة، وإيمانهم بالديمقراطية برأيه موضع تساؤل. ويضيف كوك مبارك ترك إرثا كبيرا في مصر خلال 29 سنة و3 أشهر و28 يوما و6 ساعات من حكم مصر. وحتى بالرغم من أنه يقبع وراء القضبان فإنّ إرثه مازال بشكل ما محفوظا، كما فشلت الثورة في القضاء على النظام القديم. وحتى الحكم الذي صدر بحقه زاد من الجو العام المحبط في مصر. فالعديد من المصريين كانوا يتمنون إعدام مبارك ليس بسبب الجرائم التي ارتكبها فقط ولكن أيضا بسبب سنوات القمع والفساد التي قبع خلالها على قلوب المصريين. ---- إقبال متوسط على مراكز الاقتراع و«توجه نحو المجهول» توجه المصريون أمس وأول أمس إلى مكاتب الاقتراع لاختيار أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد. جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التي يواجه فيها محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة أحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وسط أجواء مشحونة بين المجلس العسكري والفاعلين السياسيين خاصة الإسلاميين الذين رفضوا قرار طنطاوي بحل البرلمان. وتشير مصادر مصرية إلى أنّ الاقبال يعد محدود ا نسبيا، إذ يبدو ان دعوات المقاطعة نجحت في ابعاد كثير من الناخبين وخاصة من فئة الشباب عن صناديق الاقتراع. ستة عشر شهرا مهدورة ويقول المحلل المصري حسن نافعة في صحيفة «المصري اليوم» تحت عنوان «مصر تزحف نحو المجهول» أنّه «لو كان من الممكن اختزال المرحلة الانتقالية لإدارة التحول الديمقراطى فى اختيار رئيس منتخب تسلم له جميع السلطات، لما احتاج الأمر لستة عشر شهرا كاملة، ويتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاكتفاء بإجراء انتخابات رئاسية لم يكن الإعداد لها ليستغرق أكثر من شهرين أو ثلاثة بعد تنحى الرئيس المخلوع.» ----- المشير .. و ملابس الامبراطور العسكرية ابتسم الحظ لمحمد حسين طنطاوي في مناسبات عدة، لعلّ أبرزها عندما تمكن من أن يتباهي بزيه العسكري أول مرة، زي لا يخترقه أي رصاص بل يحمي صاحبه ويضمن له نفوذا لا محدودا. بفضل بزته العسكرية تربع امبراطورا جديدا على عرش مصر، بعد أن دفع بالرئيس «الصديق» إلى المحاكمة وتعهّد بتسليم مقاليد السلطة إلى مدنيّين. حارب المشير عام 1956 و1967 و1973 ضدّ إسرائيل واليوم يقود معركة أكثر شراسة ضدّ الجميع من أجل أن يحمي مصالح مؤسسته العسكرية. وقبل أن يتولى رئاستها عام 1995، كان وزيرا للدفاع والإنتاج العسكري منذ 1991 تحت حكم مبارك. المشير «كاريزماتيكي ولطيف» حسب ما وصفته إحدى الوثائق التي سربها موقع «ويكيليكس» عام 2008 عن مصدر دبلوماسي أمريكي، ولكنه اعتبر ايضا «متقدما في السن .. مقاوما للتغيير». وبالرغم من ذلك كان ينظر إليه على أنّه أحد المرشحين الأوفر حظا للرئاسة لكنّ سنه المتقدمة وحالته الصحية مثلت عوائق أمام ذلك. ولكن لما يحتاج المشير للرئاسة إن كان يحتل منصبا أكثر نفوذا في هذه المرحلة. ربما لم تكن اسرة الطنطاوي النوبية المتواضعة تدرك أنّ ابنها سيتقلد يوما منصب أعلى سلطة عسكرية في البلاد عندما يعيّن رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن من المؤّكد أنّها لم تكن تتوقع أن يتحوّل محمد حسين إلى قائد للمرحلة الانتقالية بعد ثورة شعبية تقلب نظام البلاد، لم يتنبأ بها حتى علماء الفلك لدى الفراعنة. لكنّ كلّ ذلك حدث فعلا.. ويحدث .. لن يخلع كرسي الحكم في مصر ملابسه العسكرية حتى بالرغم من أنّها كملابس الامبراطور الجديدة تعري مطامع العسكر في الحكم ومصالحه الاقتصادية التي لن يمضي حتى تضمن.