استقبلت بلادنا عيد الفطر وسط أجواء من القلق والترقب حيث سجلت التجاذبات السياسية حضورا لافتا في مشهد الاحتفالات بهذه المناسبة في اغلب المدن والولايات. وانقسمت ساحات الصلاة بين مؤيد للحكومة الحالية والمجلس التاسيسي وبين معارض لهما, في الوقت الذي يبحث فيه غالبية التونسيين عن مخرج لما هم فيه من انقسام واختلاف، ليستعيدوا تضامنهم ووحدة مواقفهم وتلاحم وتماسك صفوفهم، وليتمكنوا من مواجهة الاخطار المحدقة ببلادنا وفي مقدمتها الارهاب الذي تسلّل إلى جبل الشعانبي وراح ضحيته عدد من الشهداء من امنيين وعسكريين . و بينما كان التونسيين يحتفلون بالعيد كل على طريقته الخاصة كان هناك من فرض عليه الواجب الحرمان من الاستمتاع بعطلة العيد رفقة العائلة والاقارب والجيران تلبية لنداء الوطن اذ أجبرتهم ظروف المهنة والوضع الراهن الذي ترزح تحته بلادنا على التواجد في مكان العمل على غرار الامنيين والعسكريين واعوان النقل والاطباء الذين سخروا كامل وقتهم من اجل خدمة الوطن والمواطن كل من مكانه . الوطن فوق كل اعتبار وفي هذا الاطار اوضح احد الأمنيين كان يرابط مع وحدته بإحدى الساحات العامة يوم عيد الفطر انه تحول الى مكان العمل تلبية لنداء الواجب في ظل المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا مضيفا انه أجّل الاحتفال بالعيد لاعتبارات عديدة منها ان الوطن يناشد جميع ابنائه بمختلف انتماءاتهم الحزبية والفكرية التكاتف ورص الصفوف للوقوف في وجه التهديدات الامنية التي اصبحت ضيفا غير مرحب به نظرا لما تتركه من انطباعات سلبية في نفسية التونسي الذي لم يعتد على التعايش مع مثل هذه الاحداث التي طفت على سطح الساحة الوطنية . وأشار محدثنا انه يسعى صحبة زملائه للاحتفال بالعيد على طريقتهم الخاصة في اماكن عملهم من اجل عيون الشعب التونسي وتوفير الحماية والاستقرار للجميع , مضيفا ان الامنيون في خدمة المواطن في كل مكان وزمان وانهم لا يفرقون بين ابناء الشعب الواحد على اساس انتماءات حزبية كما يشاع, قائلا : «نحن رجال امن ولسنا رجال سياسة , مهمتنا الوحيدة توفير الامن والسهر على خدمة الجميع ونقف على نفس المسافة من جميع التيارات السياسية ...». لن نحتفل بالعيد إلاّ بعد اقتلاع الإرهاب من أرضنا ومن جانبهم اكد عدد من العسكريين الذين رفضوا الافصاح عن اسمائهم ان تتبّع العمليات الارهابية في جبل الشعانبي أفرح الشعب التونسي كفرحته بالعيد, مؤكدين انهم لن يحتفلوا بالعيد الا بعد اقتلاع الارهاب واستئصال هذا الورم السرطاني من ارضنا, كما توجهوا بتحية اكبار واجلال الى زملائهم المرابطين بجبل الشعانبي لاقتفاء اثر المجموعات الارهابية. و في سياق آخر عبر العسكريون عن بالغ فخرهم واعتزازهم بابناء وطنهم الذين لا يفوتون فرصة الا واظهروا مساندة كبيرة والتفاف حول القوات العسكرية , مؤكدين ان الدعم الشعبي لا يزيدهم الا شحنة معنوية وعزيمة اكبر على مواجهة صناع الموت بالشعانبي, مشيرين الى انهم فداء لهذا الوطن الغالي, وردد البعض منهم : «لن نسمح لأي كان بالمساس بشبر من تراب وطننا , نحن حراس القلعة وجنود ندافع عن وطننا الى آخر رمق ...». دوريات أمنية عسكرية مشتركة بينما يستمتع جل التونسيين بعطلة عيد الفطر المبارك وسط عائلاتهم وذويهم , يسهر رجال تونس من عسكريين وامنيين على ضبط الامن في كل المدن التونسية دون استثناء لضمان قضاء عطلة مريحة وآمنة, من خلال دوريات امنية وعسكرية مشتركة في احياء وانهج تونس الكبرى . في وطني يموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحقون الحياة و قدر عدد من المواطنين الذين التقتهم «التونسية» خاصة المعتصمين في ساحة «باردو» المجهودات التي تقوم بها الوحدات الامنية والعسكرية لملاحقة الجريمة والارهاب, وبادر البعض منهم بالمعايدة وبإلقاء التحية على الجنود ورجال الامن الموجودين على عين المكان وقدموا حلوى العيد لحماة الوطن, وراى البعض الاخر ان الوقت غير مناسب للاحتفال بعيد الفطر احتراماً للأرواح الطاهرة التي أسقطها الارهاب الأعمى في بلادنا, معربين عن تضامنهم الكامل مع عائلات الجنود والامنيين الذين راحوا ضحية الإرهاب في سبيل هذا الوطن , وردد البعض منهم: «في وطني يموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحقون الحياة ...». SMS يعوض «لمّة» الدار و من جهة اخرى قضى عدد من الاعوان التابعين لوزارة النقل وتحديدا سائقي المترو الخفيف والحافلات عطلة العيد في اماكن عملهم وتسخير كامل اوقاتهم لخدمة المواطن , وفي هذا الاطار أكد «محمد» سائق مترو انه اضطر لقضاء عطلته في العمل لتمكين المواطنين من التنقل وزيارة اقاربهم واتاحة الفرصة لسكان الاحياء البعيدة لمعايدة أسرهم القاطنة وسط العاصمة ولتجنيب ضعاف الحال و«الزاوولة» استخدام سيارات «التاكسي» المكلفة. من جهته أوضح «سالم» سائق حافلة عمومية ان عددا من زملائه كتب عليهم العمل اثناء العطلة نظرا لكثافة الرحلات المتجهة نحو المدن الداخلية . كما فتحت بعض الاقسام من المستشفيات والصيدليات والعيادات الخاصة ابوابها امام المرضى لتقديم الإسعافات الأولية لمستحقيها , وكرس العاملون بها كافة اوقاتهم لخدمة الزبائن تاركين وراءهم عائلاتهم وذويهم خلال هذه المناسبة المباركة. وفي هذا الصدد علقت «صفاء» عاملة بأحد المستشفيات ان العمل اجبرها على عدم مشاركة عائلتها فرحة العيد مضيفة انها اقتصرت على بعث رسائل نصية «SMS» الى اصدقائها لتهنئتهم بالعيد .