منذ تعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 06 اوت الفارط من طرف رئيس المجلس الدكتور مصطفى بن جعفر تتوالى ردود الأفعال بين معارض ومؤيد لهذا الإجراء كما اختلفت التحاليل القانونية والسياسية عن مدى مشروعية هذا القرار وقد بلغ الإحتقان مداه داخل شق من النواب غير المنسحبين والذين اعربوا عن اعتزامهم القيام بإجراءات من أجل سحب الثقة من رئيس المجلس وفق تمشيات متنوعة فمنهم من دعا لعقد جلسة عامة وتطبيق مقتضيات الفصل 26 من النظام الداخلي للمجلس بينما ذهب شق آخر حد التفكير في رفع قضية لدى المحكمة الإدارية من أجل إبطال قرار رئيس مصطفى بن جعفر بتعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه اللحظة بالذات وقبيل سويعات من الخطاب المرتقب للسيد بن جعفر ما مدى قانونية وفاعلية هذا الإجراء وذاك بعد وصول المهلة التي منحها النواب الغير المنسحبون إلى نهايتها بحلول تاريخ أمس الثلاثاء 03 سبتمبر الجاري. الجواب جاء من عند الدكتور عياض بن عاشور، احد المرجعيات الوطنية في القانون الدستوري والرئيس السابق للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، والتي أشرفت تقريبا على كامل المرحلة الانتقالية السابقة لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي. الدكتور عياض بن عاشور، قال في تصريحات موثقة لراديو "م ف م" أن الدكتور مصطفى بن جعفر لا يمكن اعتباره متغيبا ولا يمكن اعتبار منصبه في حالة شغور وبالتالي فإن الفصل 26 لا يمكن تطبيقه في الحالة الراهنة التي عليها المجلس التأسيسي. حيث ذكر بما جاء في هذا الفصل والذي يقول حرفيا: "في صورة غياب رئيس المجلس الوطني التأسيسي أو في صورة الشغور المؤقت في حالة توليه سد الشغور في منصب رئيس الجمهورية ينوبه وجوبا نائبه الأول وعند الغياب نائبه الثاني" بن عاشور أوضح كذلك أن المحكمة الإدارية ليس من اختصاصها النظر في قرار رئيس المجلس التأسيسي الخاص بتعليق أشغال المجلس على اعتبار أن هذا القرار هو ليس بقرار إداري بل قرار دستوري منبثق عن سلطة أصلية وليس بقرار صادر عن السلطة التنفيذية أو مقرر إداري. مذكرا ان اختصاص المحكمة الإدارية يقتصر على النظر في القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية والقرارات الصادرة عن السلطة التشريعية ذات الصبغة الإدارية على غرار قرار رئيس المجلس التأسيسي المتعلق بضبط أجور ومنح النواب... أما بقية القرارات الصادرة عن المجلس فهي قرارات لها إما صبغة دستورية أو سياسية وبالتالي هي ليست محل نظر المحكمة الإدارية. بن عاشور أبرز في جانب آخر أن القانون المؤقت المنظم للسلط العمومية أو ما اصطلح على تسميته بالدستور الصغير لم يجعل أي رقابة على أعمال المجلس التأسيسي وبالتالي ليس هناك هيكل له السلطة اليوم بمراقبة مقررات المجلس وهو ما اعتبره بن عاشور خرقا واضحا لأعراف الممارسة الديمقراطية في العالم وتكريسا صارخا لمبدأ "المجلس سيد نفسه" وعليه فإنه لا يوجد وفق المنظومة القانونية المتوفرة حاليا أي إجراء قانوني بإمكانه كسر قرار السيد مصطفى بن جعفر القاضي بتعليق أشغال المجلس وهو إجراء يدخل ضمن صلاحياته القانونية... ودعا الدكتور بن عاشور في سياق كلامه إلى ضرورة التوافق من أجل الوصول إلى مخرج من المأزق القانوني والسياسي الذي تعيشه البلاد منذ مدة.