التونسية (تونس) أثار القرار المعلن من قبل رئيس الحكومة بتاريخ 27 اوت المنقضي بتصنيف «أنصار الشريعة» تنظيما إرهابيا جدلا كبيرا في الاوساط الحقوقية والاعلامية والسياسية وفي سياق المساهمة في انارة العام حول عدد من المسائل المرتبطة بهذا التصنيف وبالوثائق التي نشرت في الندوة الصحفية لوزارة الداخلية يوم 28 أوت الفارط والاعترافات التي وقع بثها على القناة الأولى يوم 30 أوت التقت «التونسية» السيدة روضة القرافي نائبة رئيسة جمعية القضاة فكان لنا معها هذا الحوار حول كل هذه القضايا. ماذا يعني تصنيف تنظيم «أنصار الشريعة» كمنظمة ارهابية ؟ يجب أن نشير أولا حتى نضع التصنيف في إطاره الدولي الى أن الأممالمتحدة كانت أول من استعمل تقنية التصنيف للأشخاص أو الجماعات باعتبارها ارهابية منذ 1999 عندما اتخذ مجلس الأمن القرارعدد 1267 بتسليط عقوبات على افغانستان تحت نظام «طالبان» بسبب إيوائها ودعمها لعناصر من تنظيم «القاعدة» . وقد أحدث مجلس الأمن بهذه المناسبة لجنة لتنفيذ تلك العقوبات وللقيام بتحيين قائمة الاشخاص والتنظيمات التي يجب ان تطالها العقوبات لارتباطها بتنظيم «القاعدة» ودعمها له بناء على تصنيفه كتنظيم ارهابي وطبق مقاييس محددة من قبل اللجنة . كما تبنى الاتحاد الاوروبي العمل بهذه التقنية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 اذ قرر وضع اجراءات وتدابير خاصة به ضد الأشخاص والجماعات الضالعة في الاعمال الارهابية تفعيلا لقرار مجلس الأمن عدد 1373 لسنة 2001 فأحدث الاتحاد الاوروبي وفي سياق احداث 11 سبتمبر فريقا يختص بالنظر في مطالب ادراج الأشخاص والمجموعات على قائمة التصنيف كأشخاص أو مجموعات إرهابية وطبق المقاييس التي يضعها. كما أقرت الولاياتالمتحدة هذه التقنية بعد احداث 11 سبتمبر أيضا طبق القانون الامريكي لمكافحة الارهاب المسمى «باتريوت أكت « patriot act الصادرفي 26 أكتوبر2001 وحسب معايير محددة بالقانون المذكور لاعتبار أي شخص من الاشخاص من الارهابيين أو تصنيف مجموعة من المجموعات باعتبارها تنظيما إرهابيا. كما انه وطبق هذا القانون فإن قرار التصنيف هو من صلاحيات وزير الخارجية بعد استشارة وزير العدل ويتم نشر القرار بالمجلة القانونية الرسمية للولايات المتحدة . وما تجدر الاشارة اليه في هذا السياق هو أن المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب قد امتنعت عن الخوض في مسالة التصنيف لدواع تتعلق قطعا بحساسية المسالة لارتباطها بالحريات والحقوق الأساسية ومحاذيرها وتعقيداتها . اما بالنسبة لتونس فإنه ليس هناك أي تشريع ينص على هذه التقنية أو ينظمها او يسند اختصاصا باتخاذ القرار فيها لجهة تنفيذية كرئيس الحكومة أو وزير العدل أو وزير الخارجية ومع ذلك فإنه على افتراض أنه بامكان السلطة التنفيذية أن تستند للقيام بهذا التنصيف الى اختصاصها العام في حفظ الأمن في حالات الخطر الداهم وأوضاع التهديد القصوى للأمن الداخلي كالتهديد الارهابي لتبرير اتخاذ مثل هذا القرار فانه يبقى قرارا سياسيا في إدارة ملف الارهاب. أما من حيث طبيعته القانونية فهو قرار إداري سيكون من آثاره اعطاء الاجهزة التنفيذية كأجهزة الشرطة والضابطة العدلية مجالا واسعا في المراقبة وتفتيش المشتبه فيهم وفي الايقافات والمداهمات. وبالنسبة للنيابة العمومية التي ترأسها السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل والتي تطبق تعليماته حسب مجلة الاجراءات الجزائية فانه من المتوقع ان صدور هذا القرار عن الحكومة سيؤدي الى توسيع دائرة اثارة الدعوى العمومية طبقا لقانون الارهاب لسنة 2003 في نطاق الجرائم الارهابية ضد كل من يشتبه في انتمائهم الى تنظيم «أنصار الشريعة» وضد من يشتبه في ضلوعهم في التخطيط لعمليات ارهابية في اطار التنظيم المذكور. الا انه بالنسبة للقضاء الجالس أي قضاة التحقيق وقضاة الهيئات الحكمية الجنائية فان هذا القرار الإداري ليس له أيّة صبغة الزامية قانونية. هل يلغي هذا التصنيف كما يعتقد البعض دور القضاء أو يتدخل في صلاحياته؟ يتعين هنا رفع الالتباسات التي وقعت فيها بعض التحاليل المتصلة بصدور هذا القرار القائلة بان هذا القرار يلغي دور القضاء ويحلّ محله. إن ما يجب التأكيد عليه في هذا السياق هو أن دور القضاء يبقى قائما بالكامل اذ انه لقضاة التحقيق وقضاة الدوائر الجنائية والجناحية القول الفصل في جمع الأدلة وتكييف الوقائع وإنزال حكم القانون عليها في اعتبارها او عدم اعتبارها من الجرئم الارهابية .وإن القضاء الجالس هو الذي ستكون له الرقابة على الحقوق والحريات من كل التجاوزات والحسم في صحة الاحالات والايقافات ومعاينة سوء المعاملة أو التعذيب اللذين يمكن ان يتعرض لهما المظنون فيهم وكذلك في تسليط العقوبات المستوجبة في حال ثبوت التهم المنسوبة الى المتهمين. وان هذه المسؤولية مسؤولية جسيمة في هذه الظروف الاستثنائية التي يجب الا يتأثر فيها القضاء بشحن الرأي العام وتجييش العواطف في ظل الازمة السياسية والامنية التي تمر بها البلاد . وهو اختبار عسير للقضاء في هذه المرحلة الانتقالية في حماية الحقوق والحريات وانفاذ حكم القانون في نطاق الحياد والاستقلالية . إلا أن ما نلاحظه بكثيرمن الانشغال وما نعتبره من النتائج المباشرة لقرار التصنيف هو حصول حالة من الانفلات على مستوى الاعلام القضائي انطلق مع الندوة الصحفية التي عقدها السيد وزير الداخلية وما تخللها من عرض لصور المشتبه فيهم ولعمليات التنصت ولاعترافات المظنون فيهم وكلها من المستندات الاتهامية الخاضعة لسرية التحقيق. فاذا كان مبدأ علنية المحاكمات في الجلسات الحكمية هو ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة للمظنون فيهم كما أنه يحقق قدرا من رقابة المجتمع على القضاء والقضاة في صور من صور المشاركة المجتمعية في ادارة العدالة فان مبدأ سرية الابحاث في طور التحقيقات هو مبدأ تكفله كل المواثيق الدولية والانظمة القضائية باعتباره على علاقة مباشرة بقرينة البراءة لان مرحلة التحقيق هي مرحلة جمع الادلة والبحث عن الحقيقة لاثبات الادانة او لاثبات البرءاة Le juge d'instruction instruit à charge et à décharge وإن مبدأ سرية التحقيق هو ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة التي تقتضي أن يمثل كل شخص أمام هيئات تحقيق او هيئات قضائية لا يقع توجيهها تحت ضغط الرأي العام وشحن السياسيين والإعلاميين والمثقفين المهددين وأنصارهم وأهالي الضحايا كما وقع في الندوة الصحفية ليوم 28 أوت وهو ما يدفع الى تكوين قناعة اتهامية موجهة ضد الاشخاص قبل النظر في ملفاتهم من طرف القضاء ولأن ذلك مضرّ بالعدالة نفسها وبسلامة عملية البحث عن الحقيقة الكاملة لمقاومة الارهاب. فاذا أخذنا مثالا على ذلك الاعترافات التي بثتها القناة الوطنية الاولى للتلفزة التونسية فإنه من المعروف أن الاعترافات في المادة الجزائية ليست أدلة إدانة بشكل آلي لأنها يمكن ان تكون متناقضة ومتباينة مع بقية معطيات الملف كما يمكن أن تكون اعترافات غير صحيحة نتيجة اتفاقات بين المشتبه فيهم ليتحمل أحدهم أو مجموعة منهم مسؤولية اقتراف الجريمة لحماية مجرمين خارج السجن خاصة في ظل وجود تسريبات لمحاضر التحقيق عثر عليها حسب ما أفادت به وزارة الداخلية ذاتها لدى بعض الموقوفين. ولكل ذلك فإن نشر أعمال التحقيق قد مثّل خرقا فادحا لسرية التحقيقات وفي نفس السياق تندرج الاعترافات التي بثتها القناة الوطنية الأولى لمجموعة من المظنون فيهم مساء 30 أوت والتي تمثل كذلك تعديا على سرية التحقيقات بما تقتضيه من عدم السماح بحضور إجراءات التحقيق لغير أطراف الدعوى ومحاميهم وحظر نشرالمعطيات المرتبطة بالتحقيق. لكن التلفزة حصلت على اذن قضائي فما رأيكم في ذلك؟ إن أغرب ما في الأمر هو حصول التلفزة التونسية حسب ما ذكرتما على إذن قضائي لبث الاعترافات المعروضة على الجمهور إذ يفترض في حاكم التحقيق وهو المؤتمن على سرية الأبحاث أن يحمي تلك السرية حماية منه لقرينة البراءة. ونريد أن نوضح في هذا الصدد أن الفصل 61 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر يحجّر نشر وثائق التحقيق قبل تلاوتها في جلسة علنية ويعاقب مرتكب ذلك بخطية تتراوح بين ألف وألفي دينار ولا يوجد في القانون ما يسمح لحاكم التحقيق قبل ختم البحث وتوجيه التهمة باعطاء أذون في نشر معطيات ذات علاقة بالتحقيقات والإذن الوحيد الذي يسمح به القانون المذكور هو الذي تسلمه المحكمة لنشر كل أو بعض من الظروف المحيطة بالمحاكمات المتعلقة بالجرائم أو الجنح المنصوص عليها بالفصول من 201 إلى 240 من المجلة الجزائية وذلك بطريقة النقل كالهواتف الجوالة أو التصوير الشمسي أو التسجيل السمعي أو السمعي البصري أو بأية وسيلة أخرى.وبذلك يكون هذا النص مطابقا للضمانات الدولية للمحاكمة العادلة التي تستوجب سرية التحقيقات في الاطوار الاولية للابحاث ولا يسمح برفعها الا في طور المحاكمة حيث تكون الجلسات فيها علنية.. وبالإضافة الى ذلك لا بد من الإشارة أيضا الى أن حقوق الإنسان كحق التعبير والتنقل تقبل استثناءات وتقييدات في الحالات الاستثنائية كحالة تهديد الأمن العام أو المساس بالنظام العام ولكن يشترط في تلك الاستثناءت ان تكون بمقتضى قانون إلا أن القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية قد استثنت من مجموعة حقوق الانسان القابلة لبعض التقييدات مجموعة من الحقوق التي لا تقبل اي استثناء حتى في الحالات شديدة التاكد وفي أوضاع التهديد القصوى كحالة الحرب أو النزاعات المسلحة ومن بين هذه الحقوق الحق في المحاكمة العادلة التي تعتبر قرينة البراءة إحدى مكوناتها الجوهرية التي تكفلها سرية التحقيقات في اطوار البحث الاولية Droits non susceptibles de dérogation انه من الأكيد ان الحق في الحصول على المعلومة اللازمة حتى يستطيع المجتمع تنظيم حياته وممارسة نوع من الرقابة على السلطة والمشاركة في الحكم هو حق اجتماعي حيوي لعامة الناس الا أن هذا الحق لا يمكن ان يمس بأية حال من الأحوال الحق في المحاكمة العادلة وفي قرينة البراءة وفي حق الدفاع. وإن ما شاهدنها من سوء تعاط مع المعلومة القضائية في الآونة الاخيرة يطرح بحدة مسألة الاعلام القضائي ويتطلب حتما من الهيئة العليا المستقلة للاعلام السمعي والبصري والهياكل القضائية التدخل حتى تكون الرسالة الاعلامية ضمن الضوابط القانونية ولتعزيز الثقافة الحقوقية لدى الإعلاميين والأمنيين والقضاة والمسؤولين السياسيين او الاداريين الناطقين باسم السلطة التنفيذية. كما يجب التفكير دون تأخير في تعيين المحاكم لقضاة أكفاء يكونون مكلفين بالتواصل مع الإعلام وإنارة الرأي العام وتمكينه من المعلومة القضائية دون المساس بسرية التحقيقات المضرّ لا فقط بالأشخاص ولكن كذلك بسير العدالة المنوط بعهدتها الكشف عن الحقيقة الكاملة والفعلية وليس الحقيقة الموجهة للتوظيف السياسي فذلك لا يخدم قطعا قضية مقاومة الارهاب والقضاء عليه .فحذار اذن من خطورة التوظيف السياسي لملف مكافحة الارهاب.