هل التميز في الشهادات، هل التميز في الغنى ، هل التميز في المناصب، هل التميز في الجمال،هل التميز في الشهرة، هل التميز في العمل، نعم التميز في كل ماذكرت، ولكن المرأة التي عرفتها منذ عرفت النساء متميزة بأهم من كل ماذكرت إنها _ رحمها الله _ مدرسة في الأخلاق الرفيعة، منذ عرفتها وهي مبتلاه بأنواع شتى من البلاء المرض أبرزها، وصابرة على هذا البلاء صبر يضرب به المثل، تعلمت عن خلق الصبر وغيره من الأخلاق الرفيعة في المدرسة ، وعرفت أناس صابرون في الكتب ، لكن رأيت بأم عيني مثالا حيا طول حياتي للصبر ، إنها مدرسة أمي الغالية وكان آخر بلاء بليت به أنها ماتت مبطونة ، والمبطون شهيد ، تعلمت من مدرسة صالحة الحب والعطاء والوفاء ، الحب للزوج ، الحب للأبناء ، الحب للأخوان ، الحب للأصدقاء ، لم أر في حياتي زوجة تحب زوجها وتحرص على أن تموت وهوعنها راض مثلها ، لم أر أم في حياتي تحب أبناءها وتعمل كل شئ لأجل صلاحهم ونجاحهم وسعادتهم مثلها ، لم أر أختا تحب أخوتها وتبذل ما استطاعت لأجل برهم مثلها ، لم أر في حياتي صديقة وفية لصديقاتها وتكثر من ذكرهن مثلها . عرفتها _غفر الله لها _ أمية لاتقرأ ولاتكتب ولكنها حريصة جدا على مستقبل أبناءها العلمي وتوفير كل السبل والأسباب لنجاحهم ، وكانت دائما تشجعني كلما ضعفت همتي وخارت قواي ، وتضرب لي مثلا بمخلوق ضعيف وهوالنملة ، وتقول لي : يا بنتي انظري إلى النملة تصعد الحائط وتسقط ثم تصعد وتسقط ولاتزال حتى تواصل الصعود ، حينما دخلت الجامعة كنت متشائمة منها ، وكانت تقول : يابنتي لاتتشأمي عسى أن يكون خيرا . كانت صادقة جدا لاتحب الكذب ؛ لذلك كانت تصدق كل مايقال لها ، عرفتها _رحمها الله _محبة للخير والصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى ، وفي آخر عمرها دخلت مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم فكانت تقرأه وتتعتع فيه وهو عليها شاق فلها أجران ، ورغم تلك المشقة لم تنقطع عن تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، وكانت أكثر ماتقرأه بعد صلاة الفجر وتقول ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) عهدتها تستمع إلى الحديث النبوي الشريف من التلفاز ومن بعض المشايخ الأفاضل في الأشرطة الإسلامية ، من أجمل لحظات عمري تلك التي أجلس معها نتلو أذكار الصباح والمساء ، كان أكثر حديث يطربها وتهتز له الحديث عن الماضي ، لديها حنين عجيب جدا إلى الماضي رغم قساوته ، لم تكن في حياتي أم كباقي الأمهات بل تمثل لي أشخاصا متعددين كانت أما وأختا وصديقة ومعلمة وربما مما يبعث على الضحك أنني في بعض الأحيان أشعر أنها ابنتي وأنا مسئوله عنها كانت كل شئ في حياتي . ربما تتهمني عزيزي القارئ بأنني أكتب عن أمي وكل إنسان معجب ويحب أمه لكن الذين يعرفون صالحة وقلبها النابض دائما بالحب والوفاء والعطاء والصلاح لايساورهم شك بأنني لا ألام في ذلك ، هي تستحق أن يكتب عنها مقالات كثيرة وكتب عديدة فهي مدرسة حقيقة ونموذجيةلاتتاجر بعطائها وإنما تبذله طيبه النفس . وقفة :أمي ..رأيت فيك من الخلال مايضيق به المقال ففيك عظمة الإنسان فأنت نهر العطاء ونبض الوفاء ولا تظني ياأمي أني بالحبر أصف حبي لأن حب الناس كلهم لايعدل نصف حبي لك أنت الحب كله وعد أعدك ياأمي أن أبقى وفيه حتى الموت