لا أذكر أنني صفقت قط لياسر عرفات طوال أكثر من عشرين سنة، ولكن بودي لو أفتديه في محنته الحالية وهو رهينة في قبضة الكلب المستولد من خنزير أرييل شارون، وكم أحسست بالخجل وأنا أرى أولئك الأوروبيين الذين اقتحموا سجنه يوم الأحد الماضي، تعبيرا عن التضامن معه، وكم أحسست بالضعف والهوان، وأنا أرى العواصم الأوروبية تضج بتظاهرات التعاطف معه، بينما يعتبر مثل ذلك التعاطف من الكبائر في معظم العواصم العربية، فحكومة الدولة الفريدة من نوعها، كونها نتيجة علاقة سحاقية بين دول استعمارية وعصبة إجرامية، تريد إذلالنا جميعا في شخص عرفات، الذي صفقت له برئتيّ مرارا خلال الأيام الماضية وهو يحتفظ برباطة جأشه.. لا تساوم يا عرفات ولا تجعلهم ينتزعون منك قرارا بلجم أبناء شعبك المقهور المسحوق.. انس حكاية التضامن العربي والبطيخ العربي، فلن يحك جلدك سوى ظفر فلسطيني، فالانتفاضة الأولى أرغمت إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير "الإرهابية"، والانتفاضة الثانية ستقودكم إلى دولة مستقلة بلا كفيل أو وصي!! لا تراهن على دعم عربي لأنه يمر عبر بوابة واشنطن التي تريد بك وبنا سوءا، فالأمريكان الرسميون منافقون ومراؤون والقيم عندهم مختلة، يريدون منك أن تفرمل الانتفاضة، حتى يتصدقوا عليك بشاحن لهاتفك الجوال وجلسة أنس مع الجنرال أنتوني زيني الذي هو في التحليل الأخير رمز لكل ما هو "شين"، ويريد أن يقدم لك بضعة أمتار مربعة في ذات أرض يباب من أرض وطنك كي تسكت عن ضياع باقيه. هل تعرف يا أبا عمار أن كل القنوات الفضائية الغربية تغطي صمودك على مدار الساعة بينما أكثر من 98% من الفضائيات العربية منغمسة في فجورها وعهرها وسخفها وضحالتها وركاكتها.. تحاور المطربات وتتلفز المباريات وتسلسل التفاهات!! هذا قدر شعبك فحارب وأنت مدرك أن ظهرك لا يسنده سوى كتائب الأقصى والجهاد وحماس، بل إن بعض العرب "سيم سيم" مثل واشنطن في موقفهم منك ويتمنون خروج جنازة فلسطين كي يرتاحوا من القضية التي يعتبرونها هباب الطين! لا تناشد أحدا سوى أبناء شعبك على الرغم من أن هناك الملايين من العرب والمسلمين المستعدين للموت لتكتب لفلسطين الحياة فإنهم لا يملكون من أمور أنفسهم شيئا بل يا ويل من يبدي منهم حماسا لقضية تاجر بها السماسرة ومزيفو النقود والتاريخ على مدار التاريخ. ولكن وقبل كل شيء تذكر أن إسرائيل وأمريكا عورتان في لباس واحد، ولا تخش مناطحة أمريكا على الرغم من أنه ما من "دولة" على وجه الأرض تستطيع اليوم أن تقهر أمريكا إلا أن الشواهد كثيرة على قدرة شعوب أكثر بؤسا من الفلسطينيين في قهر أمريكا، فالحكومات قابلة للهزيمة ولكن الشعوب صاحبة القضية لا تنهزم قط إذا عقدت العزم على النصر فالحق أبلج والباطل لجلج.