بقلم: مهدي الزغديدي كيفما اليوم كيفما اليوم 9 سبتمبر 1791 تقرّر إطلاق اسم الرئيس جورج واشنطن رسميًا على العاصمة الأمريكية. بعد حرب الاستقلال الّتي انتهت عام 1783، تأسست دولة جديدة وهي عبارة على اتحاد فيديرالي من 13 ولاية شكّلت الولاياتالمتحدة الأمريكيّة. تمّ الاختيار أوّلا على فيلاديلفيا لتكون العاصمة المؤقّتة للبلاد في انتظار التوافق على عاصمة دائمة. وشكلوا مجلسا برلمانيا سمي الكنغرس لكتابة الدستور، الذي دخل حيّز التنفيذ سنة 1789 (انظر التعليق الأوّل). لم تستطع الولايات بداية التوافق على مكان العاصمة، فقد كانت كلّ ولاية تطمع أن تحضى بشرف احتضان العاصمة المركزيّة التي كان يتوقّع أن تصبح مركزا تجاريّا وصناعيّا. وفي عام 1790 توصل وزير المالية ألكسندر هاملتون إلى حل: فقد اقترح أن تُنشأ العاصمة في أرض تملكها حكومة فيدرالية بدلاً من أن تملكها ولاية من الولايات، بحيث تخرج العاصمة الجديدة من سيطرة أي ولاية وتتحوّل إلى أرض فيدراليّة تحكمها السلطات الفيدراليّة المركزيّة. وقد قرّرت ولايتا ميريلاند وفرجينيا التبرع بأراضيهما على طول نهر بوتوماك الفاصل بينهما.ثم طلب الكنغرس من الرئيس جورج واشنطن، قائد حرب الإستقلال وأوّل رئيس أمريكي، الذي كان قد نشأ وترعرع في منطقة بوتوماك أن يختار الموقع بالضبط. تمّ الإتفاق على حدود العاصمة في 16 جويلية 1790. وفي نهار كيفما اليوم 9 سبتمبر 1791 تقرّر تسمية المدينة الجديدة واشنطن تيمّنا بالرئيس جورج واشنطن وأضيف اليها حرفي "دي سي" (ديسترك أوف كولمبيا) أي مقاطعة كولمبيا للتفريق بينها وبين ولاية واشنطن في شمال البلاد. وفي عام 1800 انتقلت الحكومة الفيدرالية من مقرها المؤقت في فيلادلفيا إلى واشنطن دي سي. وفي عام 1846 تم إرجاع الجزء الذي أخذ من فرجينيا إليها. وكانت قد اندلعت حرب عام 1812 بين المملكة المتحدة وأيرلندا وكندا من جهة، وبين الولاياتالمتحدة من جهة أخرى استمرت نحو أربع سنوات، وقام الجنود البريطانيون بحرق مبنى الكابتول والبيت الأبيض وبعض المباني الحكومية الأخرى عام 1814 لكن الولاياتالمتحدة أعادت بناءها وأكملته في 1819. كان الهنود الحمر أوّل من سكن منطقة واشنطن. ثم أخذ المسنعمرون البِيض بالقدوم نحو المنطقة في نهاية القرن 17، وأقاموا بعض المزارع والحقول. وبعد أن تم الاختيار على المنطقة لتكون عاصمة الولاياتالمتحدة الأمريكيّة، عين الرئيس الأميركي جورج واشنطن المهندس الفرنسي بيير شارل لانفان لعمل خطة لخريطة المدينة الطبيعية، وكان مبنى الكابتول (الكنغرس) مركزا للمدينة. تمتد بعض الشوارع الواسعة من الكابيتول إلى كل الاتجاهات. وتنقسم المدينة الفدرالية إلى أربع أجزاء وأقسام جغرافياً غير متكافئة المساحة: شمال غربي (ش غ)، وشمال شرقي (ش ش)، وجنوب شرقي (ج ش)، وجنوب غربي (ج غ). ونظرا لأنّ طبيعة واشنطن دي سي تختلف عن بقيّة مدن الولايات، فتُحكم العاصمة من قبل رئيس البلدية والمجلس البلدي المؤلف من 13 عضواً. ومع ذلك، فإن للكونغرس السلطة العليا على المدينة الفديراليّة ويمكنه إلغاء القوانين المحلية. ولذلك لدى السكان صلاحيات أقل من الحكم الذاتي عن باقي سكان ولايات أمريكية. لا تتمتع المقاطعة بأي تمثيل في مبني الكونغرس الفيدرالي، الموجود في واشنطن نفسها، والذي يتحكّم في قوانينها، غير أن هناك مندوب واحد من مقاطعة كولومبيا في الكونغرس، له حق التشاور وليس التصويت. كما لم يكن لدى المقيمين في العاصمة الحق في التصويت في الانتخابات الرئاسية قبل التصديق على التعديل الثالث والعشرون لدستور الولاياتالمتحدة في عام 1961. تزايد سكان العاصمة واشنطن إبان الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد والتي استمرت من 1861 إلى سنة 1865. كما تزايد سكانها مرة أخرى إبان الحرب العالمية الأولى. وأدت الحرب العالمية الثانية إلى نمو وتطور العاصمة واشنطن بشكل أكبر. وسعى سكان واشنطن لجعل مدينتهم ولاية قائمة بذاتها خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، لكن الكونغرس رفض ذلك. ويبلغ عدد متساكني واشنطن قرابة 650 ألف ساكن في مساحة 177 كم2. وتحد ولاية ميريلاند واشنطن من الشمال والشرق والجنوب. وتقع فرجينيا على نهر بوتوماك نحو الغرب والجنوب. ويعتمد اقتصاد واشنطن على نشاطات الحكومة الفيدرالية. ويزيد العاملون في القطاع الفيدرالي كثيرًا عن أولئك الذين يعملون في أي من المؤسسات الخاصة. وتنتشر أنشطة قطاع الخدمات أكثر من أي نشاط آخر كالشركات التي تعمل في المجال القانوني، وفي المحاسبة، والمنظمات التي تعمل في أبحاث الشؤون العامة وشركات الاتصالات. ويكاد ينحصر النشاط الصناعي في شركات الطباعة ودور النشر. وبحكم ازدحام مراكز القرار فيها، والتي تأثر على كلّ البلاد، بل حتى على العالم، فان واشطن تعتبر أهم مركز اتصالي في أمريكا، اذ توفد الكثير من الصحف العالمية الرئيسية والمجلات وشبكات الإذاعات والتلفاز بعض المراسلين الدائمين في المدينة. كما يوج في واشنطن صحيفتان يوميتان شهيرتان، هما واشنطن بوست وواشنطن تايمز. كما تزدهر فيها السياحة، اذ تضمّ المدينة جميع أفرع السياسة الأمريكية الثلاث الرئيسية للحكومة الفدرالية للولايات المتحدة (البيت الأبيض وبقيّة الوزارات والمؤسسّات الفيدراليّة، والكنغرس، والمحكمة العليا)، بالإضافة للعديد من المعالم والمتاحف الأثرية في البلاد. وتحتضن العاصمة 176 بعثة وسفارة أجنبية، بالإضافة للمقر الرئيسي للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة البلدان الأمريكية. كما يقع بها أيضا مقرات العديد من المؤسسات الأخرى مثل النقابات العمالية ، والمنظمات الغير هادفة للربح، وجماعات الضغط السياسي، والجمعيات المهنية.