هنالك مواقف فكرية وسياسية لا تأخذ حقها تتزامن مع التحشيد العسكري الأمريكي الهائل استعداداً لحرب ستقع ولا شك يوم الثلاثاء 18 مارس الجاري... إلاَّ في حال برز استثناء لقول القائلين إن زمن المعجزات انتهى، وحدثت في اللحظة الأخيرة الصحوة التي هي "المعجزة الاستثناء" فلا تقع الحرب. وفي حال حدوث هذه "الصحوة - المعجزة" فإنها ستكون مثل اللحظة التي تسبق تنفيذ حكم بالإعدام شنقاً أو بالرصاص عندما يتم اتصال عاجل فحواه أوقفوا التنفيذ على الفور لأن هنالك مفاجأة تستوجب ذلك. بعض هذه المواقف صدر قبل استفحال الأزمة الراهنة الأمريكية - الأوروبية ببضعة أشهر، وجاء التصعيد في الأزمة على نحو ما هو ظاهر في تباين الآراء بين إدارة الرئيس بوش الابن والرئيس الفرنسي جاك شيراك والذي بات بمثابة صراع حقيقي يؤكد صوابية هذه المواقف، ومن بينها التحليل الموضوعي الذي أورده روبرت كيجان وهو مفكر أمريكي محسوب على خط النهج السياسي لإدارة الرئيس بوش في مقال خلاصته"إن الوقت قد حان للتخلي عن الوهم القائل إن الأوروبيين والأمريكان يشاركون في رؤية مشتركة للعالم، أو حتى إنهم يعيشون في العالم نفسه...". ولو أن كواسر الإدارة الأمريكية اهتموا بمثل هذا التنظير الجدي لكانوا وضعوا حداً لاندفاعهم في اعتبار أوروبا عربة في القاطرة الأمريكية وهو ما تَسبَّب في نشوء الصراع الذي سيستمر على الأرجح طويلاً مع الرئيس شيراك ومع بقية رؤساء فرنسا من بعد وهو سيجعل حكام بقية الدول الأوروبية بمن فيهم بريطانيا أكثر تفهماً للاعتراضات الشيراكية على الأساليب التكساسية. وما التداعيات التي تعيشها بريطانيا متمثلة بمسيرة المليونين اللندنية ثم بموقف الكنيسة والانقسام الخطير داخل "حزب العمال" احتجاجا على مفاهيم رئيس الحكومة طوني بلير، سوى تأكيد على التفهم البريطاني للاعتراضات الشيراكية. من المواقف تحليل آخر لمفكر وحكيم أمريكي في الثمانين من العمر هو نورمان ميلر أورده في سياق مقالة نشرتها صحيفة "هيرالد تريبيون" يوم الثلاثاء 11 مارس الجاري، أي في اليوم الذي كان سلاح الجو الأمريكي يعلن متباهياً أنه ألقى قنبلة وزنها نحو عشرة آلاف كيلوجرام على ساحة رماية في شمال غرب فلوريدا في أول اختبار حي للسلاح الجديد الذي يطلَق عليه اسم "أم القنابل"والتي على الأرجح سيتم استخدامها على العراق لإسقاط نظامه الذي يتباهى بانتصاره في "أم المعارك". و"أم القنابل" هذه تزيد قوتها بنسبة 40% عن أقوى قنبلة حالياً من وزن 6750 كيلو جراماً التي استخدمت في قصف كهوف "تورا بورا" في أفغانستان عام 2001م. وعلى رغم صوابية رؤية المفكر الثمانيني التي نسجل غداً نقاطها الرئيسية، إلاَّ أن كواسر الإدارة الأمريكية الذين لم يقتنعوا أن أمريكا أمريكا وأوروبا أوروبا وقد يفترقان، استمروا باندفاعهم نحو الخيار الحربي يرون أن "أم القنابل " أصدق أنباء من الحكماء سواء كان هؤلاء من نوعية نورمان ميلر... أو من نوعية شيخنا الجليل عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري. ... وللكلام بقية.