هي ديغولية الهوى... وهي احدى أهم نقاط ارتكاز «الشيراكية» في حكومة ساركوزي... هي من أكثر الوزراء السابقين والحاليين حملا للشهادات وقد جابت كل الوزارات حتى أنها كانت أول سيدة في الدول الغربية الكبرى تتربع على عرش وزارة الدفاع... هي ميشال اليو ماري التي أصبحت نهاية الاسبوع الماضي أول امرأة تمسك وزارة الخارجية الفرنسية. ولدت «السيدة الوزير» كما تصر أن تُسمّى في العاشر من سبتمبر 1946 في فيلنوف لوراو احدى ضواحي العاصمة باريس، وقد ساهمت نشأتها في دخولها الى عالم العمل السياسي، فبعد تحصلها على دكتوراه دولة في القانون والعمل كأستاذة جامعية، تبعت خطى والدها برنار ماري فقادتها الى مجلس النواب الفرنسي وحصلت على مقعد فيه للمرة الاولى سنة 1986 لتمثل البيرينيه. تنتمي ماري الى التيار الديغولي التاريخي، عرفت بحذرها وصمتها الكبيرين حتى أن صحفيا فرنسيا وضع كتابا ضمنه سيرتها واختار له عنوان «الصامتة الكبرى». كانت ميشال تعتبر من أكبر الأوفياء للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وأحد أعمدة الحزب اليميني القديم الذي أصبح يحمل تسمية «الاتحاد من أجل حركة شعبية» برئاسة نيكولا ساركوزي. ومع وصولها الى وزارة الخارجية تكون ميشال قد جالت كل الوزارات السيادية وقد بدأت بوزارة الدفاع التي أمسكتها من عام 2002 الى عام 2007، أي طيلة فترة ولاية الرئيس السابق جاك شيراك ولقبت ب «السيدة المجندة» وبعد انتخاب ساركوزي رئيسا منحت وزارة الداخلية حتى جوان 2009. لتنتقل بعمل التعديل الوزاري الاول لخلافة رشيدة داتي على رأس وزارة العدل التي توترت علاقتها بالرئيس ففقدت منصبها. وتشكل اليوم ماري وزوجها باتريك أولييه ظاهرة جديدة في الجمهورية الخامسة حيث وبينما شغلت هي وزارة الخارجية عين هو وزير دولة لشؤون البرلمان، واعتبر ذلك انعكاسا واضحا لقوة المرأة ومتانة موقعها داخل حكومة فرنسوا فيون. منذ أيام فقط ورثت آليو ماري التي تفضل الاحتفاظ بلقب زوجها السابق، وزارة تعيش حالة أزمة جرّاء الميل الكبير للرئيس الفرنسي ومعاونيه للتدخل في كل شاردة وواردة في السياسة الخارجية للبلاد. كما سترث ميشال معاناة كوشنير من التوجهات الأمنية وسياسة التشدد إزاء ملف الغجر وسيلا من الانتقادات الأوروبية لقاء تلك السياسة، لكن خبرة المرأة في الشؤون الدولية خاصة التي اكتسبتها في وزارة الدفاع قد تسعفها امام إرث كوشنير، فقد زارت خلال خمس سنوات المناطق الاكثر حساسية في العالم. وبالنسبة الى العالم العربي الذي وجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع سليل العمل الانساني كوشنير، فإن المرأة تحظى بسمعة جيدة سواء في دول الخليج او المشرق او المغرب، ورغم توتر العلاقات الفرنسية الجزائرية الا أن ميشال وبصفتها وزيرة للعدل لقيت ترحيبا حارا لدى زيارتها للعاصمة الجزائرية وربما يدل ذلك على نفوذها الديبلوماسي. وكان للموقف الفرنسي من الحرب على أفغانستان وغزو العراق بالغ الاثر على وزيرة الدفاع ميشال حينها. فقد زارت الكثير من الدول العربية، وكان حضورها جليا خاصة إبان العدوان الصهيوني على لبنان في صيف 2006. ختاما نحن اليوم أمام صراع كبير محوره امرأة لا تؤمن بالتأنيث طوعت أحد أقوى الجيوش في العالم ليقبلها على رأسه ودعمت مواقف شيراك وخاصة على صعيد السياسة الدولية والتي كانت أغلبها معارضة للمشاريع الامريكية. وها هي اليوم تواجه ارثا مثقلا بالجراح الديبلوماسية سواء على الصعيد الاوروبي او الدولي، إرث كالقصر مشيد على حافة نزوات الايليزيه فلمن ستكون الغلبة؟ للإرث الديغولي والتربية «الشيراكية» أم «للشطحات» الديبلوماسية والأمنية «الساركوزية».