بقلم: شكري بن عيسى (*) لم يكن ليصدر بيان القسام بتلك التفاصيل وتلك السرعة، لولا ان الة الكذب والدعاية الرخيصة والتشويه انطلقت مباشرة على الخط؛ كتائب القسام في العادة ردودها شحيحة ومقتضبة، لان الردود الحقيقية تات مزلزلة في الميدان ولا تفصح عن نفسها قبل موعدها، وتباغت العدو في مضجعه وتتركه يبحث عن اي كلمة قبل ذلك ليستشف منها شيئا "ينير"، ولذلك عادة ما تذبحه بصمتها لان صمتها يعني الرد المزلزل العاصف الوشيك. الكتائب العسكرية لحماس حز في نفسها ان تترك احد قياداتها العظام وحيدا، تنهشه الضباع من عديد الاحداب والاصواب، من اعلام ساقط (في جزء نافذ) لا ضوابط ولا مرجعية يحملها في المهنية ولا المبادىء والقيم، انطلق من اللحظة الاولى على خط النعوت المهينة المصغّرة للبطل العظيم، فكانت مصطلحات "ميكانيكي" و"القتل" و"جريمة حق عام" وغيرها من المصطلحات المسمومة، التي لا تبحث الا في الازدراء والحط من الاعتبار. حتى ان زوجة الشهيد البطل خالت كما صرحت ان زوجها ربما ارتكب خطأً ما كلفه حياته، في نفس الوقت الذي تركت فيه الحكومة الجميع في الظلام، وفتحت الباب للتأويلات العبثية، ولذلك جاء البيان التفصيلي ليبين ويحسم ويخرس كل الالسن الدنيئة، ولكن اساسا ليقول القول الفصل ويرفع تونس الى اعلى المراتب بما حققه ابنها من منجز عظيم. لم يتأخر البيان كثيرا فالزوجة احتارت في امرها، والشعب وجب ان يعرف حقيقة الامر ولا يتأخر، وكانت بالفعل الفرحة صارخة والانتشاء عظيما والاعتزاز كبيرا من اغلب افراد الشعب، فقد اعلن البيان الصادر بعد يومين على عملية الاغتيال الجبانة الغادرة، ان كتائب القسام تزف شهيدها شهيد فلسطين وشهيد تونس وشهيد الامة العربية والاسلامية، معتبرة ان تونس "طليعة الربيع العربي" و"حاضنة الثورة والمقاومة الفلسطينية"، مقدمة محمد الزواري بانه "قائد قسامي" و"مهندس" و"طيار"، وليس كما وصفه من افتقدوا الضوابط القوم ب"الميكانيكي" للحط من اعتباره. وبوأته (كتائب القسام) بذلك اعلى الرتب القيادية والخبراتية، مفيدة في البيان العسكري المرصّع بشعارها بانه احد القادة، الذين "اشرفوا على مشروع طائرات ابابيل"، التي كان لها دور الحسم في معركة العصف المأكول عام 2014، في اختراق معجزة القبة الحديدية الصهيونية، وجعلها محل اشادة في كل الاوساط، وما افصحت عنه ان الشهيد البطل التحق بالمقاومة منذ قرابة العشر سنوات، وابلى البلاء الحسن مجاهدا في صفوف القسام نيابة عن الامة، وكان أمر مساهمة المهندس الطيار التونسي النابغة في تطوير القدرات القتالية لطيران المقاومة حدثا فارقا في التاريخ الوطني في نفس مرتبة ثورة الحرية والكرامة او اعلى. ان بيانا بهذه الكلمات المرصعة بالعزة والفخر والاباء، لا يمكن الا ان يرفع تونس وشهيدها الى اعلى درجات الشرف، ويعلي اعتبار شعبها الذي انجب القائد البطل اسمى المراتب، ولا يمكن الا ان يكون شوكة في حلق كل عتاة التهكم والحط من قيم الرموز التاريخية، ويقطع الطريق على من يريد ان يعزل تونس عن التحامها بالقضية المصيرية، وقد وضع شعبها على الدوام واقفا مع فلسطين وشعبها ومقاومتها. لم يألمنا الاغتيال الغادر للمهندس الطيار محمد الزواري، فقد ارتقى الى عليين شهيدا مسجلا في تاريخ وطنه انصع الصفحات، وهو النابغة والاكاديمي الذي سخر طاقاته من اجل تحرير فلسطين الغالية، وانتقم في حرب العصف المأكول من العدوان الاسرائيلي في 1984 على حمام الشط، والاغتيالات الصهيونية التي طالت الزعامات الفلسطينية على ارضنا، وترك لنا مئات الطلبة والشباب الذين تتلمذوا في مدرسته الريادية، وبيان القسام وعد بالرد على العدو ونعرف ان وعود المقاومة لا تخلف، لكن المؤلم هو بقاء الحكومة في وضع المتفرج ولم تتفاعل مع البيان، ولم تكرم شهيدها ولم تكشف عن الاخلالات الامنية والاستخباراتية المسجلة، خاصة وان الاختراق ظهر كبيرا وبيان القسام دق ناقوس الخطر، في خصوص بقاء ايادي عملاء العدو الذين يلعبون في المنطقة ويمارسون ادوارا قذرة دون ان تقطع، وبطعم المذلة تلقينا تصريح المعلق العسكري للقناة العاشرة الصهيونية، بان تونس "بلغة الاستخبارات دولة الهدف اللين"، كما نقلت اليوم بعض التقارير الاخبارية. لم تقدر الاصوات المشككة في بطولة شهيد العروبة والاسلام، في طمس انجازه البطولي وسلبه شهادته، وتجريد تونس من نصرها المظفر والتحام دماء خيرة ابنائها بدماء اخوتنا الفلسطينيين، واليوم بات لزاما على الحكومة تكريم شهيد القضية الفلسطينية، وكشف ملابسات الجريمة النكراء ومعاقبة الجناة وابراز واوجه الاخلالات، وفي الحد الادنى اطلاق الاجراءات القضائية والقانونية في المحاكم والمنظمات الدولية من اجل ملاحقة الاجرام الصهيوني، والتسريع بتبني مشروع القانون الداعي لتجريم التطبيع، الذي نتمنى على الاحزاب التي ترفع اليوم اسم الشهيد، ان تصادق عليه حتى نضع حدا للاختراقات الصهيونية المنتشرة داخل اراضينا، والتي اخرها بعد تنفيذ عملية الاغتيال النكراء، فيديو يظهر مراسل القناة العاشرة الاسرائيلية في صفاقس يتحدث من امام منزل الشهيد!!؟؟ (*) قانوني وناشط حقوقي