أبو مازن كل عام وأنتم بخير و هذه الخضراء تنتقل ديمقراطيا نحو مصاف الدول المتقدمة أين تشاع الحرية و يحتكم الناس إلى المدنيّة دون ترك الهويّة، فيجمعهم ودّها و يزداد نموّها و تتخطى أعتاب الفوضى بعد أن تصفد شياطين الإنس اذا ما أطلقت شياطين الجن. العيد فرحة أو لا يكون مهما كان الجراح ومهما كانت آلام الأمة فقد احتفل المسلمون في فجر الهجرة بالعيدين و المسجد الحرام تحت حكم الوثنية حتى جاءت حجة الوداع فحررته. فرغم الآلام العابرة كأزمات الكامور و تطبيق الدستور و تدحرج الدينار و سطوة القمار و رغم الآلام المستديمة كجرح فلسطين وضياع حكم العرب والمسلمين و استئساد سفهاء العربان و ظلم الصهاينة و أهل الصولجان فانّ الخير ينبثق من قلوب الضعاف و الزهر ينبت بعد الجفاف. ورد ذكر العيد في القرآن الكريم مرة وحيدة وهي في سورة المائدة، قال تعالى " قال عيسى ابن مريم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين". فعلمنا أنّ العيد ترجمان لإحساس بقدوم خير عميم و فرح قد ينسينا الظلم والضيم. وقياسا على ذلك استن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عيد الفطر تعبيرا عن الفرح بعد النصر في معركة بدر وانتهاء الصيام وعيد الأضحى تعبيرا عن الفرح بعد تصديق رؤيا سيدنا إبراهيم عليه السلام وفداء نجله بالذبح العظيم. فالعيد لا يكون الا مكافأة مستحقة لنصر تحقق على العدو الإنس أو الجن، أو يأتي ابتهاجا لفيض الاهي من الرحمات والبركات . و العيد في معناه الديني شكر لله تعالى على تمام العبادة قال تعالى "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " أمّا السيرة النبوية فقد حوَت حديثا نبويا شريفا دونته كتب الحديث اذ قدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المدينةَ و لَهُمْ يومَانِ يلعبُونَ فيهِمَا فقال " قدْ أبدلَكم اللهُ تعالَى بِهِمَا خيرًا مِنْهُمَا يومَ الفطرِ ويومَ الأَضْحَى". وعن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنهما، دخل عليها و عندها جاريتان في أيام منى تغنيان و تضربان ، و النبي متغشّ بثوبه فانتهرهما، فكشف النبي عن وجهه . و قال " دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد" لقد اعتنوا الشعراء قديما وحديثا بالعيد فخصّوا مثل هذه المناسبات بأبيات رائعة حين نظموا القصائد فوصفوا العيد في أبهى مظاهره بأطيب الكلمات. قال ابن الرومي: ولما انقضى شهر الصيام بفضله * تجلَّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه * يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ أمّا البحتري فقد خلّد شعرا نظّمه على بحر الطويل: مضى الشهر محمودًا ولو قال مخبرًا * لأثنى بما أوليت أيامه الشهر عصمت بتقوى الله والورع الذي * أتيت فلا لغو لديك ولا هجر وقدمت سعيًا صالحًا لك ذخره * وكل الذي قدمت من صالح ذر وحال عليك الحول بالقطر مقبلًا * فباليمن والإقبال قابلك الفطر ولقد أنشد الشاعر الصعلوك تأبط شرًا متغنيا بالعيد فقال: يا عِيدُ مالَكَ من شَوْقٍ وإِيراقِ * ومَرِّ طَيْفٍ علَى الأَهوالِ طَرَّاقِ يَسْرِي علَى الأَيْنِ والحيَّاتِ مُحْتَفِيًا * نفسي فِداؤُكَ مِن سارٍ علَى ساقِ أمّا ابن المعتز فقد مدح هلال العيد قائلا: أهلاً بفِطْرٍ قد أنافَ هلالُه * فالآنَ اغْدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ * قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَر وحديثا قال أمير الشعراء أحمد شوقي في التهنئة بالعيد: مولايَ ، عيدُ الفطرِ صُبحُ سُعودِه * في مصرَ أسفر عن سنا بشراكا فاستقبلِ الآمالَ فيه بشائراً * وأشائراً تجالى على علياكا وتلقَّ أَعيادَ الزمان مُنيرةً * فهناؤُه ما كان فيه هَناكا أيامكَ الغرُّ السعيدةُ كلها * عيدٌ ، فعيدُ العالمين بَقاكا وقال شاعر الأحاسيس الجياشة جبران خليل جبران أبياتا خالدة حين قال: هلّ الهلال فحيوا طالع العيد * حيوا البشير بتحقيق المواعيد يا أيها الرمز تستجلي العقول به * لحكمة الله معنى غير محدود كأن حسنك هذا وهو رائعنا * حسن لبكر من الأقمار مولود لله في الخلق آيات وأعجبها * تجديد روعتها في كل تجديد فكل عام وأنتم بخير ثانية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك و أعاده الله علينا وعلى وطننا الحبيب و على الامة الاسلامية جمعاء بالخير واليمن والبركات.