بقلم: شكري بن عيسى (*) يبدو أن حكومة الشاهد لم تندفع فقط في ضرب المقدرة الشرائية للشعب، بعد الاجراءات المتواصلة التضخّميّة وآخرها في قانون المالية لسنة 2018، بل تعدّت ذلك (عمدا في احيان وتهاونا في أخرى) الى ضرب الحقوق الأساسية لعديد الفئات في عديد الجهات، بقتل مباشر أو غير مباشر أصبح شهريا وحتى اسبوعيا للتونسيين، وآخرها مآساة البنتين بالمبيت المدرسي بتالة، وبضرب للمصالح الوطنية العليا بتشويه صورة وسمعة البلد، وآخرها تصنيف تونس في القائمة "السوداء" لغسيل الأموال وتمويل الارهاب، وما ينجر عنها من ضرب للاستثمار والتنمية والتشغيل.. جرائم في حق الوطن تزداد وتتصاعد والنزيف يتفاقم دون رقيب ولا حسيب. غير بعيد في أكتوبر المنقضي قارب يحمل تونسيين "حارقين" في اتجاه ايطاليا، يقع اغراقه حسب الشهادات المتواترة للناجين وحسب تقارير المراكز الحقوقية، والموتى (الغرقى) كانوا بالعشرات وفيهم من ظل مفقودا للحظة، والسهام توجّه للجيش الوطني الذي لاحق "الشقف" قصد منعه من التقدّم، والى حدّ الان لا معطيات على تحديد المسؤوليات، ولا محاسبة ولا استقالات ولا اقالات، برغم التقصير الثابت بين الداخلية والدفاع، واليوم فقط مقتل عسكري اثناء سقوط طائرة عسكرية خلال اقلاعها ببوفيشة، ولا محاسبة لحد اللحظة ويبدو أن وزير الدفاع يتمتّع بحصانة عالية من قرطاج. هذا الأسبوع كارثة أخرى وصفها كاتب عام نقابة التعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي في برنامج "75 دقيقة" بجريمة الدولة كاملة المعالم، بفقدان البنتين سرور الهيشري ورحمة السعدي في حريق معهد 25 جويلية بتالة بطريقة مريعة جدا تألّم لها كل الشعب، والتقصير بات جليا بعد كشف النقابة لمحضر جلسة مع الوزارة ينبه لمخاطر جلية بالمعهد بقيت دون متابعة، في منطقة تالة المنكوبة سابقا وحاضرا، ولا استقالات ولا اقالات ولا محاسبة ولا مسؤوليات برغم حالة الطوارىء التي اعلنها كل الاحرار، وأمس الثلاثاء وفاة عاملة فلاحة في نصر الله اثر انقلاب شاحنة، وقبل اسبوع هلاك تلميذة الباكالوريا هويدا حاجي بعد سقوطها من صندوق خلفي صحبة عاملات فلاحيات، في حادثة أليمة اهتز لها كل الشعب خاصة وان البنت اليتيمة كانت بصدد مساعدة امها لتوفير قوت العائلة، ومحرقة النقل العشوائي بحوادثه القاتلة يستمر ولا محاسبات ولا اقالات ولا استقالات. اليوم فضيحة مجلجلة بتوقيف نقل أداء اليمين للنائب ياسين العياري فضائيا على القناة الوطنية، والعالم كله يتابع الأمر في تحويل للمرفق العمومي على الارجح الى تصفية للحسابات والانتقام، في حادثة لم يسبق لها مثيلا خاصة وأن نقل الجلسات العامة دأبت عليه الفضائية الوطنية منذ انطلاق اشغال المجلس التاسيسي وبعد مجلس نواب الشعب، يأتي ذلك في اطار أمني صار مناهضا لحرية التعبير وللحق في المعارضة والنقد للسلطة، وصلت فيه نقابة الصحفيين الى اعلى درجات الاستنفار تحذيرا من انهيار عميق في حرية التعبير، ولم تكن اقالة بعبورة مدير القناة الوطنية سوى كبش فداء للتغطية على ما هو أعمق بعد تحويل المرفق العمومي لخدمة الحزب الحاكم. اليوم كذلك ينزل علينا كالصاعقة قرار البرلمان الاوروبي بتصنيف تونس في القائمة السوداء للبلدان عالية المخاطر في تبييض الاموال وتمويل الارهاب، تصنيف خطير جدا يضر بصورة تونس واعتبارها، ويضرب في العمق منظومتها الاقتصادية والمالية والسياسية، اذ سيخضع كل التعاملات مع تونس في نطاق التمويل او الاستثمار او التجارة الى رقابة شديدة، وسيجعل كل المتعاملين مع بلدنا موضع شبهات عميقة، والاضرار بالفعل جسيمة جدا لبلد في حاجة شديدة للتنمية والتشغيل، يعاني من أزمة أمنية واجتماعية وتتعمق الازمة بهذا التصنيف، والامر ياتي بعد اشهر فقط من تصنيف سابق لتونس في "قائمة الملاذات الضريبية الامنة"، وما تبعه من اضرار عميقة للاقتصاد المتداعي. اقتصاد اليوم تحت القصف في ظل تضخّم مرعب، بعد التعويم الوحشي للدينار، مع تعمّق لكل من العجز التجاري وعجز الميزانية وتدهور لاحتياطي العملة وصل الى ادنى مستوى منذ 15 سنة (84 يوم توريد)، والشعب بات مهددا في حياة افراده، ومضروبا في قوته وعيشه الكريم، ومستهدفا في التنمية وفي التشغيل، ومع ذلك لا اعتراف بالعجز ولا بالفشل ولا بمجرد الاخفاق، لحكومة تتعامل باهمال وتفتقد للجدية وتفتقد للكفاءة، في بريطانيا مجرد تاخر وزير بخمس دقائق انجر عنه استقالة فورية، وفي تونس كوارث وجرائم ارتقت بتعددها وحجمها الى جرائم دولة ومع ذلك لا استقالة ولا اقالة ولا محاسبة، فقط مجرد اقالة لبعبورة لذر الرماد على العيون وتقديم كبش فداء، وبعده اقالة للعياري لرمي كامل الفشل عليه والتملص من كل مسؤولية!! (*) قانوني وناشط حقوقي