مرتجى محجوب من دون الخوض في روافد اليسار المتعددة و المختلفة احيانا بصفة جذرية ,و كما يقال "اليسار يسارات" و رغم الظروف الاقتصادية و الاجتماعية المتدهورة و حالة الاحتقان و السخط و الغضب المتزايد لدى شرائح واسعة من المجتمع التونسي, مما يمثل ارضية مناسبة و ملائمة لصعود و نجاح التيارات السياسية المدافعة اساسا عن العدالة الاجتماعية و عن "قفة الزوالي", فلم تتمكن قوى اليسار التونسي مجتمعة , من كسب ود الناخبين, و في نتائج الانتخابات البلدية الاخيرة, اكبر دليل . صحيح ما لعبه المال السياسي و الاعلام الموالي ,من دور في ترجيح كفة الاحزاب الغنية و المقتدرة ماديا ,لكني لا اعتقد انه العامل الجوهري المبرر لخسارة اليسار التونسي في كل المحطات الانتخابية منذ الثورة و فشله في اقناع و استقطاب شريحة واسعة من الناخبين, و الدليل ,النجاح الحديث لعديد المستقلين الغير مسنودين و لا مدعومين ماديا و لا اعلاميا . كما لا اتصور ,ان تكون الشعارات او المقولات من قبيل يساري و شيوعي ملحد و معادي للدين, هي من اثنت عديد الناخبين التونسيين عن التصويت لليسار مهما كان, رغم اختصار الغالبية العظمى من اليساريين, للدين في علاقة فردية بين المؤمن و خالقه لا غير, و اقرارهم بذلك علنا و هم بالطبع احرار فيما يعتقدون و يفعلون . فيما يفسر بعض اليساريون في خلواتهم ,ضعف نتائجهم الانتخابية ,بنقص الوعي السياسي و المحدودية الثقافية لغالبية التونسيين, مما يجعلهم غير قادرين على استيعاب و فهم الفكر و الايديولوجية اليسارية ,و هو ما يتطلب في رايهم ,التركيز على العمل على المدى المتوسط و البعيد في جوانبه المعرفية و الثقافية ,حتى يحصدوا مستقبلا ثمار ما سيزرعوه ,و هو لعمري ,رب عذر اقبح من ذنب ,اذ كيف استعصى عليك و انت المفكر اليساري "العظيم" و "المثقف العضوي" , من ان تبسط خطابك ,ليصبح مستساغا لدى عامة التونسيين ,و ان تجعل من ذلك خيارا استراتيجيا لعملك السياسي ,علما و ان التبسيط لا يعني ابدا بساطة المضمون او السقوط في الشعبوية ,بل بساطة الشكل بما هو لغة مكتوبة او منطوقة ,و ما يمكن ان تحدثه من اختراق و تاثير بالغين لدى شرائح واسعة من المجتمع ,الذي نعلم جميعا نسب القراءة و المطالعة فيه . فقليلا من التواضع ايها اليساريون, و لا باس ان قمتم بمراجعة انفسكم قبل محاسبة او القاء اللوم على الاخرين ,و بحثتم عميقا في اسباب الخيبات الانتخابية المتتالية و لا تستثنوا في ذلك تقييم ادائكم في المعارضة شكلا و مضمونا ,و لو ان 8 سنين لا تمثل شيئا في تاريخ الشعوب ...