حياة بن يادم "موقفي واضح وموقف حركة النهضة واضح، ولن أخضع لموقف أي حزب حتى وإن كان موقف حزب حركة النهضة الذي كلفني، ورئيس الحركة راشد الغنوشي يعرف ذلك جيدا، وما أقتنع به سيكون". هذا جزء مما صرّح به يوم 28 نوفمبر 2019، رئيس الحكومة المكلّف حول اقتراب تشكيل الحكومة القادمة و الأطراف السياسية الدّاعمة لها. يصرّ الجملي على عدم إقصاء أي طرف في التشاور حول تشكيل الحكومة المقبلة، بما في ذلك قلب تونس، إلّا الأطراف التي تقرر عدم رغبتها في التشاور، في ظل رفض كل من النهضة و ائتلاف الكرامة و التيار لوجود قلب تونس في تشكيل الحكومة القادمة. يجد الجملي نفسه أمام رفض حركة الشعب و المطالب التعجيزية للتيار الراغب في وضع قدما في القصبة و قدما في المعارضة في باردو، سوى التوجه لقلب تونس ليوفر الحزام السياسي اللازم. لكنه يصطدم بمعارضة الحزب الاول النهضة لعدم تشريك قلب تونس، و الذي لم يراجع موقفه من الحزب المذكور. في حين انقلبت مواقف التيار و الشعب 180 درجة و ذلك بتكوين كتلة "تقنية " تضم وجوها "الرحوي والتبيني و الحاجي" مما يجعل العنوان الحقيقي للكتلة "النهضة هي العدوّ الأول". أمام رطوبة مناخ المفاوضات، يجد الجملي نفسه مختنقا باللّاءات و بالشروط التعجيزية، و للخروج من هذا المناخ الرّطب، و سّع مفاوضاته و لم يقتصر على الاحزاب الرئيسية المكونة للبرلمان، لتصبح مشاوراته محل تندّر من الجميع، و وصل به الحدّ استدعاء وجوه استئصالية مستفزة للحزب الذي كلّفه. لكل ما سبق يجد الجملي نفسه أمام سيناريوهات صعبة المنال: السيناريو الأول، إما الأحزاب الرافضة أو جزء منها لوجود قلب تونس في الحكومة قد تراجعت عن رفضها للحزب المذكور، و بذلك تنجح حكومة الجملي المشكّلة من قلب تونس في امتحان منح الثقة في البرلمان. السيناريو الثاني، الالتجاء إلى تشريك قلب تونس تحت يافطة "الكفاءات المستقلة"، في ظل غضّ النظر من طرف التيار و ائتلاف الكرامة، لتنجح حكومة الجملي في المرور من قبة البرلمان إلى القصبة. السيناريو الثالث، إصراره على تشريك قلب تونس في الحكومة المقبلة، في ظل عدم مراجعة بقية الأحزاب لمواقفها و خاصة النهضة ، لتسقط في امتحان الثقة تحت قبة باردو. و ترجع من جديد في جولة دستورية ثانية انطلاقا من قرطاج. يتّضح و أن الجملي و على الرغم من استقلاليته، فإنه محكم برسالة التكليف المعدّة سلفا وراء الكواليس، و المضمّنة لرسائل مشفّرة ظاهرها الاستقلالية و باطنها منهجية تشكيل الحكومة، التي يجب اتباعها للحصول على المباركة و الضوء الأخضر من طرف رئيس حركة النهضة. و مكبّلا أيضا بالشروط التعجيزية للأحزاب الثانوية الفائزة في الانتخابات، و بقية الأطراف من منظمات و ممثلي المجتمع المدني. في ظل هذا الوضع المعقّد يجنح الجملي لقناعته "ما أقتنع به سيكون"، ليكون أساسا لتشكيل حكومته المرتقبة، و تبقى هذه القناعة غامضة إلى غاية يوم الامتحان، حيث تعرض الحكومة على البرلمان. انقشاع غموض قناعة الجملي، ليست بالضرورة نجاح حكومته و الارتقاء الى قصر القصبة. لأن نجاح الحكومة المكلّفة للمرور إلى القصبة ليس بقناعة الجملي بقدر ما هي بقناعة 109 نائب. أمام تصريح الجملي الذي يكتنفه الغموض رغم وضوح موقفه، و في ظل عدم مراجعة النهضة لموقفها من قلب تونس، و على وقع تشكيل "الكتلة التقنية" صاحبة المهمة التعطيلية للحكومة المرتقبة، فإننا أمام طريق مفتوح لحكومة "الرئيس". ليكون بذلك اقتراح حركة الشعب سابقا في محلّه. أمام وضوح المواقف المعلنة للعموم، فإننا أمام غموض للقناعات، تدار معاركها وراء الكواليس.