ما هي الأسباب والعوامل التي دفعت مجلة "تايم" الأمريكية إلى اختيار الرئيس بوش ك"رجل العام" وتفضيله على شخصيات سياسية وغير سياسية أمريكية أو من جنسيات أخرى حققت أعمالاً واختراقات مهمة وكبيرة خلال 2004؟ الواقع أن بوش حقق "الإنجازات"الرئيسية الآتية: أولاً: نجح بوش في إقناع أغلبية كبيرة من الأمريكيين "بمكافأته" على أخطائه وحروبه وعلى الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة في بلده, مما جعلهم يعيدون انتخابه بفارق ما يقارب أربعة ملايين صوت, بينه وبين منافسه الديمقراطي جون كيري. وهذا "إنجاز" ليس له سابق أو مثيل في تاريخ الولاياتالمتحدة الحديث إذ إن الرؤساء يسقطون عادة نتيجة فشلهم في مجالات حيوية أساسية. ثانياً: الطريقة التي خاض بها الرئيس الأمريكي معركة الانتخابات نموذجية فريدة من نوعها وفقاً للمحللين إذ إن بوش فعل تماماً عكس ما نصحه الخبراء في الشؤون الانتخابية, فهو لم يعترف بارتكاب أخطاء داخلية وخارجية, ولم يعتذر عن أي عمل قام به, ولم يحاسب أي مسؤول في إدارته على تعاطيه السيئ مع عدد من القضايا الكبرى كالحرب في العراق مثلاً, بل إنه تصرف بعناد واعتمد استراتيجية من نوع جديد لإغراء الناخبين مفادها: "أعرف أنكم لستم متفقين دائماً معي في الرأي لكنكم تعرفون أنني أقول ما أفعل وأفعل ما أقول وأنني قادر على قيادة هذا البلد في أصعب الظروف". كما أن بوش, وخلافاً للتقاليد, لم يخاطب مواطنيه بلغة المجاملة والملاطفة, ولم يعدهم بمستقبل آمن زاهر كما فعل كيري, بل إنه حذرهم مراراً من أن أمريكا ستظل مهددة ولسنوات مقبلة بالتعرض لهجمات إرهابية مماثلة لعملية 11 سبتمبر, وأن الحرب ضد الإرهاب طويلة وصعبة وباهظة الثمن. ثالثاً: ظهر بوش أمام الأمريكيين في صورة "الرئيس الذي يحب العالم أن يكرهه" إذ إن الرأي العام العالمي, بأغلبيته الواسعة كان يتمنى سقوطه وفوز منافسه كيري في الانتخابات, ولم يرضخ بوش لهذه الموجة العالمية المعادية له, بل تصرف إزاءها بكثير من التحدي والمكابرة والاستعلاء وكأن "أمريكا هي العالم وليس مهماً ما يقوله أو يفكر به الآخرون". وأيد الأمريكيون بأغلبيتهم الكبيرة تصرفه هذا, فأعادوا انتخابه وتحدوا العالم معه بدلاً من أن يقبلوا "حكم" الآخرين عليه. وخارج نطاق إدارته المعركة الانتخابية فإن بوش صنع تاريخاً جديداً ودوراً جديداً لأمريكا في الشرق الأوسط: فللمرة الأولى أصبحت أمريكا دولة شرق أوسطية فعلاً نتيجة سيطرتها المباشرة على بلد عربي كبير, وللمرة الأولى تخوض أمريكا حرباً طويلة معقدة متعددة الجوانب في قلب الشرق الأوسط, إذ إن الحرب في العراق تتجاوز حدود هذا البلد, وتهدف إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية على منطقتنا, وللمرة الأولى تستخدم أمريكا القوة العسكرية لإسقاط نظام عربي, ولتحقيق تغييرات جذرية, ليس لها سابق في بلد عربي كبير تمهيداً لإعادة تركيب الأوضاع في المنطقة, بل في الساحة الدولية لمصلحتها. والواضح أن إدارة بوش خططت "للأفضل" في العراق أي للسيناريو غير القابل للتحقيق, ولم تخطط "للأسوأ" أي للسيناريو الواقعي الذي يجري تنفيذه حالياً. وبالرغم من ذلك كله نجح بوش في الحصول على تأييد الأمريكيين لسياسته العراقية هذه مع كل ما ستتضمنه من أخطار ومجازفات. يبقى, أيضاً, وهذا أمر مهم, وخطر, أن بوش اختار التحالف مع العدوانية - التوسعية الإسرائيلية المتمثلة بأبشع صورها في أرييل شارون بدلاً من أن يسعى إلى صنع تاريخ جديد فعلاً للشرق الأوسط من خلال العمل الجدي على حل النزاع العربي - الإسرائيلي من جوانبه المختلفة وإحلال السلام المستند إلى الشرعية الدولية في هذه المنطقة. عبدالكريم أبو النصر