الأناضول - تونس/يسرى ونّاس، يامنة سالمي - المحلل السياسي كمال الشارني: لا يوجد نص قانوني يبيح لرئيس الجمهورية رفض تعيينات رئيس الحكومة. المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم: سعيد يعتبر أن المشيشي قد "تمرد عليه" ما صعد بالخلاف بينهما. المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية طارق الكحلاوي: إذا تواصل هذا الصراع فستكون مآلاته سيئة وقد تصل حد إعلان إفلاس الدولة. رغم مرور عدة أيام على مصادقة البرلمان التونسي، بالأغلبية المطلقة على التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي، إلا أن رئيس البلاد قيس سعيد لم يوجه بعد، دعوة للوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية. تصرف فسره مراقبون بأنه أحدث الدلائل على "حالة الفتور" التي تشهدها العلاقة بين قصر قرطاج حيث مقر الرئاسة، وقصر القصبة وهو مقر الحكومة، وهو أمر ليس في مصلحة البلاد التي تواجه تحديات اقتصادية وصحية على خلفية فيروس كورونا. عدم دعوة سعيد للوزراء الجدد لأداء اليمين، رغم أنه تقليد دستوري معمول به بتونس، كان تطورا طبيعيا لاعتراضه على التعديل الذي أجراه المشيشي في 16 جانفي الجاري، وشمل 11 حقيبة من أصل 25، بينها العدل والداخلية. الاعتراض على التعديل، كان هو الآخر، وفق مراقبين، بمثابة أحد الدلائل على طبيعة العلاقة بين رأسي السلطة. فقبل يوم واحد من مصادقة البرلمان على التعديل الوزاري، الإثنين الماضي، اعتبر سعيد أن التعديل "لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور". وأضاف خلال اجتماع أمني: "بعض المقترحين في التعديل الوزاري تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح". تلك الاعتراضات رد عليها المشيشي، بدعوة وزرائه الجدد خلال اجتماعه معهم الجمعة، إلى تجنب الخلافات السياسية والتركيز على تنفيذ الإصلاحات. والمشيشي هو وزير الداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ السابقة، واختاره سعيد في يوليو/ تموز الماضي لتشكيل حكومة جديدة، غير مبال بالمقترحات التي قدمتها الأحزاب السياسية آنذاك فيما يتعلق بمنصب رئاسة الحكومة. ووفق إعلام محلي، بدأت بوادر الخلاف بين سعيد والمشيشي بعد تولي الأخير رئاسة الحكومة، وتفاقم الخلاف أواخر سبتمبر / أيلول الماضي مع تلميح المشيشي بإجراء رئيس البلاد تعيينات لمستشارين منتمين للنظام السابق وهو ما قوبل برفض شديد من قبل سعيد. ** صلاحيات محدودة المحلل السياسي التونسي كمال الشّارني، رأى أن هذا "الفتور" في العلاقة بين الرئيس ورئيس الحكومة، لا يتعلق بسعيد والمشيشي فقط، لكنه أمر ارتبط بين العديد من الرؤساء ورؤساء الحكومة بتونس منذ ثورة 2011. وفي حديثه للأناضول، أوضح أن هذا الظاهرة تعود إلى أن ساكني قرطاج "فوجئوا بالصلاحيات المحدودة للرئيس رغم أنهم على وعي بأنها أصبحت كذلك بعد الثورة، وأن البلاد تتبع نظاما برلمانيا وليس رئاسيا". وتقلصت صلاحيات منصب رئيس الجمهورية في تونس عقب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في جانفي 2011، حيث توزعت الصلاحيات بين الرئاسة والبرلمان ورئاسة الحكومة. فمثلا في حالة إعلان الحرب بات رئيس البلاد ملزما بالحصول على موافقة البرلمان في ذلك، كذلك لابد من مصادقة الأخير على أي اتفاقيات يبرمها رئيس البلاد. **القضاء هو الفيصل ورأى الشّارني أنّه "ليس من حق رئيس الجمهورية توجيه تهمة فساد ضد أي طرف مهما كان، فهذا يبقى من دور القضاء ووحده من يحق له توجيه أحكام". وفيما يتعلق بالتعيينات الأخيرة لفت إلى أن رئيس الجمهورية "لا علاقة له بالوزراء فهو يختار فقط وزيري الخارجية والدفاع وفق ما ضبطه القانون والدستور". وتابع الشّارني أنه "لا يوجد نص قانوني يبيح لرئيس الجمهورية رفض تعيينات رئيس الحكومة، ومن جانب آخر الوزير ليس منزها عندما يكون له شبهة فساد سيحاسب عليها". ولفت إلى أنه "في ظلّ غياب المحكمة الدستورية ورغم وجود هيئة مؤقتة لمراقبة مشاريع القوانين يتمثل دورها في فك النزاعات والخلافات بين الرئاسة ورئاسة الحكومة كمسألة أداء اليمين، إلا أن خبراء يرون أنه بإمكان المحكمة الإدارية حل مثل هذه النزاعات والبت فيها". وفشل البرلمان خلال 7 مناسبات في المصادقة على تشكيل المحكمة الدستورية بسبب عدم التوافق على أعضائها، فيما تعطلت آخر الجلسات المخصصة للمصادقة بسبب اعتصام سبق أن نفذته كتلة الحزب "الدستوري الحر" (16 نائبا من اصل 217). والمحكمة الدستورية من ضمن مهامها البت في النزاعات المتعلقة باختصاصي رئيسي الجمهورية والحكومة. ** ما يهم الشعب من جانبه، اعتبر المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم، أن سبب الخلاف الجوهري يتمثل في اعتبار سعيد أن المشيشي قد "تمرد عليه"، كما أن اختيارات الوزراء الجدد لم تعجب رئيس البلاد الذّي تحفظ على تعيينهم واعتبر أنهم "مرتبطين بشبهات تضارب مصالح". وقال سالم للأناضول: "الشعب التونسي غير مهتم بالتفاصيل القانونية وبكل ما يخص أداء اليمين الدستورية أو غيرها من المسائل فكل ما يهمه اليوم أن يعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا مستقرا". وأوضح سالم، أن "هناك ملفات هامة لا يمكن أن تنتظر أكثر (..) على غرار الوضع الصحي الذّي يتطلب مباشرة الوزير الجديد مهامه في أقرب وقت حتى تتضح عدة مسائل مثل لقاحات فيروس كورونا (لم تصل تونس)، والأمر نفسه بالنسبة لوزارة الداخلية لاسيما في ظل وضع محتقن بالبلاد". ** مآلات "صعبة" المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية طارق الكحلاوي، بدوره رأي أن هذا الصراع "ستكون مآلاته سيئة قد تصل حد إعلان إفلاس الدولة". وفي حديثه للأناضول، أكد الكحلاوي "ضرورة اتفاق كل الأطراف على ترتيبات سياسية جديدة". وأضاف أنه "في حال عدم اتفاق الأطراف السياسية على حلول للخروج من الأزمة الراهنة فقد تشهد البلاد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، ربما تصل حد الإفلاس". وتابع: "الصراع سيكون له نتائج على مستوى تعاطي الصناديق الدولية مع تونس خصوصا صندوق النقد الدولي، وأيضا سيؤثر على تعامل الدول الأوروبية مع تونس خاصة وأنها تدعم بلادنا عبر هبات وقروض". وأردف في ذات السياق، قائلا: "هذه الأطراف إذا ما استمر الوضع الداخلي على هذا الحال فستتدخل في الترتيبات السياسية بتونس، وهو ما لم يحصل سابقا خلال التجربة الانتقالية". ووفق الكحلاوي، فإن "صندوق النقد سبق وأصدر بيانا دعا فيه كافة الأطراف في تونس إلى حوار للخروج من الأزمة والتجاذبات السياسية وتعطل عمل الحكومة". ورأى أن الأطراف الدولية قد تتجه إلى التدخل في الشأن الداخلي أكثر من قبل. وتعليقا على تعطل مراسم أداء الوزراء الجدد اليمين أمام الرئيس، بين الكحلاوي أن "هذا مؤشر آخر على أن الحكومة لن تستطيع العمل بالشكل المطلوب لوجود انقسام على مستوى السلطة التنفيذية الممثلة في رئاستي الجمهورية والحكومة". وذكر الكحلاوي أن "الصراع الدائر في تونس ليس دستوريا بل هو صراع سياسي في قلب السلطة، والتعديل الحكومي الأخير كان خطوة في اتجاه تصعيد هذا الخلاف". وشدد على أن "هذا الصراع، خاصة بين رئيسي البلاد والبرلمان كانت بدايته منذ إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ، وأصبح الصراع الآن أكثر حدة".