نصرالدين السويلمي غريبة وشائكة هذه الانتخابات التي يتمّ الإعداد لها في فلسطين، متداخلة، معقّدة بشكل يرهق حتى المتابع لتفاصيل المشهد الفلسطيني ناهيك عن الذين يشاركون ويقومون على الإعداد. ملفّ طويل يحتاج إلى مساحة عريضة لطرحه، لكن لا بأس من خلاصة سريعة على أمل العودة إليه ربّما عشيّة الاستحقاقات إن تمّت! نحن أمام انتخابات تشريعيّة "22 ماي 2021" وانتخابات رئاسيّة "31 جويلية 2021" وأخرى خاصّة بالمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 31 أوت 2021، تلك المواعيد، فماذا عن الأطراف والملابسات. *أهميّة المجلس الوطني الفلسطيني تهدف الانتخابات المقبلة إلى توحيد الصفّ الفلسطيني وإعادة تحريك الدور المحوري والتاريخي لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، كما ترغب حماس إلى الدخول تحت سقف المنظّمة للتخلّص من الحصار والتطبيع مع المجتمع الدولي. وتواجه هذه المحطّة صعوبات كبيرة أقلّها عدم موافقة الكثير من دول الشتات على إجراء انتخابات المجلس على أرضها. *معضلة الرئاسيّات بعد تداول الكثير من الأسماء الفتحاويّة حسم رئيس الوزراء الفلسطيني محمّد اشتية الأمر بإعلانه محمود عبّاس أبو مازن مرشّحا عن حركة فتح في انتخابات الرئاسة المقبلة، بينما يرجّح عدم مشاركة حماس في الرئاسيّات وإن هي شاركت فستدفع بإسماعيل عبد السّلام أحمد هنيّة كمرشّح لها، في المقابل يكثّف محمّد دحلان من ضغوطاته على عبّاس عبر الإمارات ومصر والأردن من أجل إسقاط الأحكام التي تلاحقه والسماح له بالعودة للضفّة والمشاركة في الرئاسيّات والتشريعيّات، وتظهر الإمارات نوعا من التذمّر من تراخي المخابرات المصريّة وعدم دخولها بقوّة للضغط على فتح حتى تتخلّى عن عبّاس وتعتمد دحلان كمرشّح جامع للحركة. في الأثناء أعلن الدكتور"2010 دكتوراه علوم سياسيّة" مروان البرغوثي ترشّحه من داخل سجنه "المؤبد أربع مرات مع 40 سنة". *رئاسيّات معقّدة! تؤكّد أغلب عمليّات سبر الآراء أنّ إسماعيل هنيّة يتقدّم الجميع، وأنّ الحلّ الوحيد للفوز على هنيّة هو الرهان على مروان البرغوثي الذي يتقدّم الكل بمن فيهم هنيّة، وذلك في جميع عمليّات سبر الآراء، وهو الخيار الذي ترفضه حركة فتح وتعمل عليه حركة حماس! وكانت صحيفة الإندبندنت أكّدت أنّ حماس تتواصل بشكل مكثّف مع البرغوثي عبر هيئة دفاعه من أجل التنسيق حول الرئاسيّات، وترغب الحركة في فوز مروان البرغوثي بنسبة كبيرة حتى تساهم شرعيّته في ضغط على المجتمع الدولي من أجل العمل على إطلاق سراحه، وعملت حماس عبر جميع صفقات الأسرى التي حاورت فيها الاحتلال بوساطات على إدراج البرغوثي في قائمة المفرج عنهم، وسبق لرئيس حماس في غزّة يحيى السنوار وأكّد أنّ الحركة جاهزة "لعقد صفقة مشرفة جديدة نجد من ثمارها مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبّاس السيّد وحسن سلامة" وكان إعلام الاحتلال أشار إلى أنّ دولا عربيّة وشخصيّات فلسطينيّة عارضت إدراج مروان البرغوثي ضمن صفقات الأسرى وكلّفت مصر بالضغط على حماس باستعمال المعابر لسحب اسم البرغوثي من قائمة الأسرى التي تطالب الحركة الاحتلال بالإفراج عنهم مقابل "مدنيّين" ورفاة جنديّين. الإشكال الذي يواجه الرئاسيّات الفلسطينيّة أنّ المرشّح الأوّل للفوز متواجد في السجن وعليه احترازات من الاحتلال والولايات المتّحدة وتعرقل وصوله إلى الرئاسة دول عربيّة، والمرشّح الثاني للفوز إسماعيل هنيّة لن يعترف به الاحتلال حتى يعترف هو باتفاقيّات أوسلو ويقبل كلّ مواثيق وبنود السلام التي وقّعتها السلطة! ويبقى المرشّح الثالث عبّاس أبو مازن هو الخيار الوحيد الذي يقبل به الاحتلال وأمريكا والدول العربيّة من غير الإمارات التي ما زالت مشبّثة بخيار دحلان. *تشريعيّات أكثر تعقيدا ! إلى حدّ اليوم وقبل اتضاح نتائج زيارة رئيس هيئة الشؤون المدنيّة الفلسطينيّة حسين الشيخ إلى مروان البرغوثي في سجنه في سعي لإثنائه عن الترشّح للرئاسيّات وعن الدخول بقائمة خاصّة به في التشريعيّات، ما زالت حماس تتقدّم الجميع في نوايا التصويت للتشريعيّات، بينما تتقدّم قائمة البرغوثي كلّا من قائمة عبّاس وقائمة دحلان، أمّا إذا تخلّى البرغوثي عن قائمته لصالح فتح موحّدة فإنّ شروط المنافسة تتحسّن كثيرا مع حماس، لكن إذا تمكّنت المخابرات المصريّة والأردنيّة بدعم من الإمارات من إقناع عبّاس بفتح المجال أمام دحلان وانضمّت قائمة هذا الأخير إلى فتح الموحّدة فإنّ حماس ستواجه صعوبات كبيرة في إعادة سيناريو 2006 عندما فازت بأكثر من 57% من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني. إذا توحّد الجسم الفتحاوي في التشريعيّات، هذا يعني أنّ دحلان سيطالب بالرئاسيّات، وإذا فوّت عبّاس لدحلان في الرئاسيّات ولم يترشّح البرغوثي فإنّ حماس ستدفع مكرهة بإسماعيل هنيّة لقطع الطريق على دحلان، وإذا فازت حماس في التشريعيّات وتعنّتت بقية الفصائل في قبول النتائج فإنّ الاحتلال سيسجن نوّابها في رام الله وسيمنع الحكومة من مباشرة عملها ما يعني عودتها إلى غزّة وبالتالي العودة إلى الوضع القديم! وإذا ما فازت فتح "محمود عبّاس" بالتشريعيّات والرئاسيّات فإنّ أوّل مشكلة ستواجهها هي نزع سلاح المقاومة، وإذا ما بسط عباس سلطاته على غزّة فلن يعترف به الكيان حتى يجرّد المقاومة من أسلحتها في الوقت الذي ترفض فيه المقاومة تسليم أسلحتها حتى تتحرّر فلسطين! أمّا إذا فازت فتح "محمّد دحلان" بالرئاسيّات والتشريعيّات فتلك كارثة على المقاومة لأنّ الحصار سيشتد على غزّة، وسيعمل دحلان على تجريم الدول التي ما زالت تساعد القطاع مثل قطر وتركيا والكويت وإيران، أمّا إذا انتصرت حماس في الرئاسيّات والتشريعيّات وسلّمت بقية الفصائل بالافوز فسيشتد الحصار وتنتعش المقاومة المدنية التي قد تتطور الى مقاومة مسلحة وتسقط أوسلو وستدخل الضفّة في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، قد تفاقم التضحيات وتزيد المعاناة بشكل كبير، وقد تنتهي إلى ما انتهى إليه القطاع حين دخل في مواجهة مفتوحة مع الكيان انتهت بتفكيكه ل21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزّة، في خطوة هي الأولى في تاريخ الاحتلال حيث لم يسبق له وفكّك مستوطنات بناها. ولعلّ أفضل السيناريوهات التي تعيد إلى القضيّة بريقها وتزيح عنها جمود الصفقة التي عقدتها الإمارات مع الاحتلال والصفقات الأخرى التي اشترتها ابو ظبي من المغرب والسودان والبحرين لصالح الكيان هي فوز حماس بالتشريعيّات وفوز الدكتور مروان البرغوثي بالرئاسيّات.. إذًا لتجرب القضية الفلسطينية تشريعيّات بحراب المقاومة ورئاسيّات بأسد المعتقلات.. وعلى رأي المثل الشعبي "خلّطها تصفى".