عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    إسرائيل – إيران: أسبوع من الحرب ومئات القتلى… والحصيلة البشرية في تصاعد    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    من هو فريق لوس أنجلوس الذي سيواجه الترجي اليوم؟    إنتقالات: بارما الإيطالي يكشف عن هوية مدربه الجديد    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    اتحاد الشغل يدعو إلى فتح جولة مفاوضات جديدة في القطاع العام والوظيفة العمومية    عبد المجيد العبدلي : الصواريخ الإيرانية أربكت إسرائيل وحيّرت أمريكا.. وما يحدث ليس حربًا بل عدوان مسلح    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    منظمة الأطباء الشبان تؤكد نجاح إضرابها الوطني ب5 أيام وتلوّح بالتصعيد    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    إيران: هاجمنا عاصمة إسرائيل السيبرانية    أول فريق يحجز بطاقة التأهل في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    إيران تحبط مؤامرة اسرائيلية لاستهداف وزير الخارجية عباس عراقجي    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية لأقل من 17 سنة: فوز للذكور وهزيمة للفتيات في مواجهة الأوروغواي    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    انقطاع مياه الشرب عن نفزة المدينة ونفزة الغربية ونفزة الشرقية واستئناف تزويدها ليل الخميس بدءا من س 23    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    عاجل/ الإطاحة بشبكة تستقطب القصّر عبر "تيك توك" وتقدّمهم للأجانب    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور رضا لاغة عن حركة الشعب يدعو الى حوار وطني عاجل و تكوين حكومة سياسية
نشر في باب نات يوم 29 - 04 - 2021

في مبادرة جديدة للانقاذ دعا الدكتور رضا لاغة الى لقاء قمة يجمع رئيس الدولة و رئيس البرلمان و الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل من اجل اذابة الجليد ثم حوار وطني من اجل تكوين حكومة سياسية تباشر مهامها في النصف الثاني من شهر جوان القادم بعد تحديد الاولويات الاقتصادية و الاجتماعية ،، و كان رضا لاغة قد شخّص الوضع بالبلاد في مقال مطول على صفحته في الفيسبوك ...
مشروع مبادرة خاصة أضعها على ذمة مؤسسة رئاسة الجمهورية ومجلس نواب الشعب والمنظمات الوطنية والاعلاميين عسى أن تكون مصدر الهام لهم جميعا والله وليّ التوفيق
د رضا لاغة
إن عدم انحراف الدولة عن منبعها هو ما تعلّمته في منابر الجامعة التونسية من الفلسفة السياسية. والحقيقة الصادمة أن الواقع السياسي يجرّنا عنوة بخلاف ذلك نحو انهيار الدولة التونسية . هنا يبرز التباس الموقف من هذا الانحراف: هل هو مخطط له؟ فالبعض يتنادى لحل البرلمان وإنشاء عقد مجالسي بدل الديمقراطية التمثيلية. ولا أقلّ لتحقيق ذلك من تسفيه دور الأحزاب. وليس هذا كل الحقيقة فهو ينطوي بالإضافة إلى ذلك عن موقف فضفاض لشرعنة الصراع ودفعه إلى أقصاه ضد السيد رئيس الجمهورية من قبل ائتلاف حاكم ومن ورائه حركة النهضة. ائتلاف يتسلّح بحملات إعلامية وفيسبوكية تتخذ من الخيار الديمقراطي سندا وجدانيا ظاهريا يخفي بدوره نزوع نحو احتواء المسار الديمقراطي والهيمنة عليه بحسب ما تقتضيه مصلحة الحزب.
ويبقى السؤال الكبير.إذا كانت الأوضاع المتردية هي مسؤولية الجميع ( وأقصد الأحزاب ووكلاء الدولة والمواطن الذي انتخبهم)، فإن مسؤولية المثقف اليوم تكمن في شق الطريق نحو الخروج من هذه الأوضاع.
ولأنه ليس ثمة حلول جاهزة غير العمل الجماعي المنتج والخلاق ، فإن هذه المبادرة محاولة للإسهام في حلحلة الأزمة السياسية التي تضرب عميقا في منبع الدولة باعتبار أن الصراع طال الهياكل العلوية للدولة ( مؤسسة الرئاسة ، البرلمان رئاسة الحكومة). يحدث هذا في ظرف اقتصادي خانق ووضع اجتماعي يتّسم بالتوتر والاحتقان والهشاشة ووضع صحي شديد الخطورة وكارثي.
ولعل أهم ما يميّز هذه المبادرة أنها اتّبعت منهجية تحليلية تحاول إيجاد صيغة لاحتواء هذا الخلاف وإعادة إنتاج توافق وطني نعمل على تطويعه خدمة للمصلحة العلوية للدولة التونسية كأداة ناجعة لتلبية احتياجات الشعب.
ولهذا وجدنا من اللازم أن نبدأ بمفهوم الانتقال الديمقراطي.
الانتقال الديمقراطي من صدام مع السلطة إلى الاحتواء العقائدي والإيديولوجي
تولّد الانتقال الديمقراطي كقوة معارضة ورافضة لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متردّية في البلاد التونسية.غير أن نسق التعامل مع المفهوم قام على فكرة التطويع لمرجعية حزبية لاحظناها في الاستقطاب الثنائي الذي ما فتئ يفرض نفسه بحدة وبأشكال متجددة.حدث ذلك دون إدراك موضوعي أن أصولية المواقف في الاستحواذ على الانتقال الديمقراطي يمكن أن تنتج كوارث تجسّدت في الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحالية.
كانت هذه نقطة انطلاقنا الأولى في هذه المبادرة ضمن لحظة سياسية صعبة بامتياز.لماذا نقول عنها بكونها صعبة؟
لأننا لم نتهيّأ كما يجب لمهمة عقلنة مسار هذا الانتقال الديمقراطي . والواقع أن الأمر له دلالة أكثر خطورة. إذ لا يكفي بيان أننا نعيش طورا ديمقراطيا انتقاليا. لأننا إن فعلنا نسكت عن سؤال مهم: من سينهي هذا الانتقال الديمقراطي لصالحه؟ لأن كل انتقال يتحيّز بالضرورة ضمن المدة (من ...إلى).
هنا يبرز القصور الثاني في التعاطي مع هذا المفهوم. والدعوة إلى التصحيح تبدأ من استلهام مفهوم الانتقال الديمقراطي كتعبير عن احتياجات الواقع والمصلحة العامة المتجددة: مزيد من الحرية والعدالة الاجتماعية، مزيد من الحوكمة الرشيدة والرخاء الاقتصادي وبالتالي مزيد من الاستقلالية تكريسا لسيادة القانون بل لمجتمع القانون. ولهذا يعتبر المشروع الوطني الذي تضطلع به الحكومة كأداة تنفيذية لإرادة الأغلبية، هو المعيار الذي نحكم بمقتضاه عن أداء الحكومة والأحزاب حول ما إذا كنّا قد نجحنا أم أخفقنا في هذا المسار.
نحتاج في هذا الصدد أن نصارح أنفسنا. فالاختلاف بين الأحزاب لم يكن حول أسلوب التنفيذ بل انحصر في رغبة الاستحواذ حتى كاد يختفي فحوى الانتقال الديمقراطي ليبقى في المقابل تطعيم الصراع والنزاع بأدوات متجددة قدّمت لنا درسا مأساويا في الوطنية وإدارة الشأن العام.
ألم يتحقق هذا بين أحزاب لم يبقى سوى أن تشهر السيوف فيما بينها؟
ألم يتجسّد ذلك في القطيعة الهيكلية بين مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة؟
ماذا نتوقع عندما يحدث كل هذا؟
إنها بلا شك نكسة الانتقال الديمقراطي في أشد صوره قتامة؟
ولأننا نريد أن نفهم ونتعلم كيف ننتصر أداتيا على هذا الصراع المضرّ بالمصلحة الوطنية ، وبصرف النظر عن منطق الغلبة والخسران أو الاصطفاف والتخوين ، سنحاول ضمن هذه المبادرة مواجهة الخلل بما يمنح الحياة الحزبية مشروعيتها وتقديرها الجماهيري التعددي.
انتخابات 2018 وطغيان النزعة التعبوية
حين نقيّم موضوعيا نسبة إقبال التونسيين الذين شاركوا في انتخابات 06 أكتوبر 2019 والتي تقدّر ب%40,70 ، نعرف نسبة فشل الأحزاب في تعبئة الرأي العام وإقناعه بأهمية هذا المحفل الوطني. غير أن الجانب الدعائي التعبوي ظهر بحدة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات دون تفتّحه على خطاب عقلاني مقنع. واحد من العوامل التي تشكّل سببا في تنامي هذا الأفق المفتوح على التعبئة؛ توازن الكتل( تشتت الشرعية) التي واجهت عقبة تكوين أغلبية تحكم. ولعل هذا ما جعل الطابع الإيديولوجي التعبوي يزداد قوة بسقوط حكومة التكليف الأول ليبدأ انسداد استمرار حكومة التكليف الثاني.
إن هشاشة الشرعية البرلمانية بما تعنيه هذه الكلمة من إنكار للآخر السياسي ، هي جذر الداء الذي ظل ينمو في إطار رؤية تندفع بشكل جنوني نحو مستنقع التكتيك السياسي بدل علاجها وتخطّيها في إطار رؤية إستراتيجية وطنية شاملة تستند إلى عقلانية موضوعية للواقع التونسي المتردي بجميع مستوياته ( التربوية والصحية والاجتماعية والاقتصادية ...).
وفي هذا الإطار بعيدا عن الأحكام المسبقة والعاطفية ، إن معركة التعبئة السياسية نحو الداخل ( اختراق الكتل ) بدل الخارج( الجماهير) كانت إيذانا لتقويض الجهاز المناعي للدولة. لهذا فمن الغفلة أن نجعل من مرحلة الانتقال الديمقراطي معركة لتفكيك مقدرات الدولة.
ولأن التوافق لا يعني طمس الهويات الحزبية وإنما يعني التفاعل المتبادل والبناء بين الأحزاب ،يصبح من الخطأ إقحام مؤسسة الرئاسة في أتون هذا الصراع. وهو خطأ لا يتناقض فحسب مع الطبيعة المشتتة للشرعية البرلمانية التي هي بحاجة لمن يسندها ممثلة في شرعية الرئاسة المكثفة ، وإنما مع هشاشة الوعي الجماهيري الذي ما زال تحت نفوذ النظام الرئاسي وبالتالي خضوعه لسحر مقولة المنقذ ( الزعيم) التي تورط فيها جيل السبعينات والثمانينات. لذلك نؤكد أنه لا سبيل إلى تنوير عقلاني للمسار عبر الصراع مع مؤسسة الرئاسة.ولا توافق بغير ضمانة مؤسسة الرئاسة رغم ما تتضمنه من مآخذ للحياة الحزبية ومشروعية وضعها هي بحد ذاتها للتقييم من حيث القدرة على الأداء.
هنا نصل إلى حقيقة أساسية مفادها أن نظرية الحكم لا يحتكرها أي طرف وإنما تبنى بالتفاعل والتعاون على قاعدة أولويات المرحلة.وبالتالي فالتوافق الذي تدعو إليه هذه المبادرة ليس مجرد أداة إجرائية تجزيئية وإنما هي رؤية تحمل نقطة انطلاق ملامح المشروع الوطني وتعبّر عن طموح للسيطرة على كل المعوقات التي تقف في طريق سعادة المواطن التونسي وازدهار الدولة التونسية. لذلك سنعمل خلال هذا القسم التحليلي الثاني للمبادرة وتأسيسا على ما تقدّم توضيح مقدمة أولى للتوافق الوطني.
استمرار حكومة السيد المشيشي ليست إلا مظهرا لتعقد الأزمة وتشابكها
يقال أن المستقبل هو إمكانية مفتوحة تتحوّل إلى ضرورة متفاعلة مع حركة التاريخ بإرادة الإنسان.لذلك فهو مسؤول عن مستقبله. إذ لو كان الأمر بخلاف ذلك لما كان ثمة ما يدعو للنضال إلى تغييره. لهذا فصنع المستقبل هو عبارة عن عملية إعادة إنتاج متجددة تتداخل فيها عناصر مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية. إن التغيير هو تجسيد سياسي لهذا الثالوث. لذلك نحن نقر بعدم وجاهة القيام بحوار اقتصادي واجتماعي.
إن هذا المنطق لا شك وراءه قالب جاهز يجري وفق مخطط الحزب وليس التوافق. ولأن التوافق ليس عملية اقتصادية خالصة وإنما هو رؤية نسقية يسبقها ما ينبغي أن تكون عليه الحياة السياسية؛ تعتبر حكومة السيد المشيشي وجه من وجوه الصراع الذي يجب أن نضع حدا له في حدود الممكن الذي أفرزته انتخابات 2019.
فما هو هذا الممكن الذي يجب أن تستوعبه الأطراف المتنازعة ليتجسد التوافق عمليا؟
عندما نتحدث عن الممكن فلسنا نقصد شيئا آخر سوى حالة التشتت التي أنتجتها انتخابات 2019 وبمساراتها المقبلة:
1 إنكار التعايش والمضي قدما في الاشتباك إلى الحد الذي تنهار فيه الدولة نهائيا, وهو مآل وشيك لأننا بمقتضى معرفتنا لقوانين السيطرة ؛ لا ولن يوجد أي منتصر. وبالتالي هناك من يدعو إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.وهو اختبار يصطدم بعقبتين: الأولى عدم الجاهزية اللوجستية لخوض هذه المحطة فضلا عن حالة العزوف المفزعة التي ستواجه الأحزاب.إذ كيف ستقنع المواطن بجدوى الانتخابات وهي التي فشلت في التعايش فيما بينها لإدارة الشأن العام؟
والثانية أنه ليس ثمة دليل عيني ملموس يضمن بعدم إنتاج نفس المنظومة الحزبية.
2 حتمية تتبع محتوى التوافق الوطني والذي سنكتفي بالإشارة إلى توجهه العام.
التوافق الوطني
تعريفه
هو رؤية موضوعية لتعددية وصراع سياسي تهدف إلى إنتاج إستراتيجية عمل متفتحة على ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي, وعلى هذا فهي تنشد تطوير الحياة السياسية وتجديدها.
وهو نابع من قراءة عينية مستمدة من تشخيص الطابع الكلي للدولة التونسية
معطيات ضرورية للتوافق الوطني
التشخيص الواقعي كأرضية للتوافق الوطني هو أحد العوامل الحاسمة التي تفضي إلى نجاحه.لأن كل المبادرات وإمكانيات التغيير و التطوير السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، ليس لها معنى لو لم تنطلق من توصيف حقيقي للأزمة في كل أبعادها:
سياسيا
الدولة التونسية الآن هي أقرب إلى ثلاث مصادر إرادوية للسلطة: مؤسسة الرئاسة، مؤسسة رئاسة الحكومة وبرلمان منقسم على نفسه إلى درجة العجز والشلل التام.
على أن المفارقة الصارخة أن الطرف الممثل في رئاسة الحكومة و نتيجة لبراغماتية حزبية تقوده نزعة ليصبح جزءا محددا في معادلة التوافق.لذلك هو لا يتردد في توسيع ربحية المنافسة بين الائتلاف الحاكم وفي مقدمته حركة النهضة على حساب مؤسسة الرئاسة. وعلى خلاف ذلك فإن هذه الصورة مغلوطة. إذ تمت حضانة رئيس الحكومة كسلاح على حساب مؤسسة الرئاسة. صحيح أن من اختارت السيد المشيشي هي مؤسسة الرئاسة غير أن حضانته من قبل حركة النهضة أدى إلى تجميد فكرة التوازن بين الكتل بشكل متعسّف للانتكاس من جديد والعودة إلى استفراد حزب أغلبي بالانتقال الديمقراطي دون تقدير سياسي رصين للعواقب. لأن هذا الاستفراد غير ممكن واقعيا وهو ينكر خريطة انتخابات 2019 القائمة أصلا على التوازن.
لقد كان من المحتم لهذا التوجه أن يدفع بالبلاد إلى تقوية حالة الاصطفاف بين معسكرين: الأول يدعم الرئيس والثاني حركة النهضة.
نعم كان هذا مصير يتحمّل فيه كل طرف نصيب من المسؤولية: مؤسسة الرئاسة التي لم تحسن الاختيار والأحزاب التي ظلت أسيرة سردية المواجهة.
هل كانت المواجهة هي الاختيار الممكن الوحيد الذي يعني فشل التعامل الايجابي مع تلك العوامل والملابسات؟
حين نفكر في الإجابة من زاوية مؤسساتية تحترم وجود الدولة ،لا غنى في تعاملنا مع حكومة السيد المشيشي على أنها ذات طبيعة توسعية لحركة النهضة. وهو ما يخرجها من طبيعتها المستقلة كمظلة تكتيكية موجّهة بأهداف واعية لتطويق مؤسسة الرئاسة التي منحتها انتخابات 2019 دورا مضافا يبدو كما لو أنه متعارض مع النظام البرلماني المعدّل.
وتأسيسا على ذلك السيد رئيس الحكومة ليس طرفا في التوافق الوطني وإنما هو تمظهر لما يناقضه. وبالتالي تقدير رحيل حكومة السيد المشيشي كمنطلق أو ضمن تفاهمات الحوار المسبقة ، يعتبر نقطة بداية صحيحة ودونها يتحوّل الحوار إلى ضحك على الذقون.
اقتصاديا
يتوحّد مفهوم الأزمة الاقتصادية في المضمون والأهداف مع ما نراه متحقق بالفعل من انهيار للمالية العمومية ، كإمكانية مشروطة باستمرار الصراع السياسي.وهو ما يعني أن الأزمة الاقتصادية هي علة ارتدادية للأزمة السياسية.
وبهذا المعنى نحن بحاجة إلى خطة اقتصادية تفصيلية يشترك في صياغتها خبراء من داخل الأحزاب وخارجهم تكون:
متفاعلة مع الأوضاع والظواهر الاقتصادية المفاجئة جراء جائحة الكوفيد
إعداد ميزانية تكميلية بعيدا عن منطق المحاسبة والضبط الداخلي وتقوم على قرارات جريئة لدعم قطاع الفلاحة والمشاريع المتوسطة الدخل
صناعة قرار استراتيجي متكامل متوسط وبعيد المدى:
*تقليل المديونية
* الضغط على النفقات
* خلق مناخ يدعم الثقة للاستثمار بتكريس الحوكمة والمراهنة على الاقتصاد الرقمي
* معاودة النظر في إمكانية خصخصة بعض المؤسسات العمومية أو إعادة تأهيلها.
*خلق ميزة تنافسية للمنتوج التونسي ( زيت الزيتون، التمور ...)
اجتماعيا
مثلما تحمّلت الدولة التونسية عبئا كبيرا جراء هذه الأزمة ، فإن الأمر يزداد صعوبة وتعقيدا بالنسبة للشرائح الاجتماعية الضعيفة ومتوسطة الدخل. لقد تحوّلت الأزمة من الناحية الاجتماعية إلى خطر يغذّي التوجهات نحو الجريمة والعنصرية والهجرة السرية .
ولهذا فإن أبرز ما ميّز حكومة السيد المشيشي ارتفاع وتيرة الاحتجاجات وبمستويات متنوعة منها الجهوي ( سلسلة الإضرابات الجهوية بتطاوين وقفصة وسيدي بوزيد والكاف والقصرين ...) ومنها القطاعي ( إضراب القضاة ، القيمين ، الإداريين ، المهندسين ، أعوان وكالات الفحص الفني ، السكك الحديدية...)
على أن مفهوم الأزمة لا ينحصر في هذه المستويات التي تم رصدها بل يشمل بالتوازي
وضعا صحيا دقيقا يتميز بارتفاع مخيف في عدد الإصابات بالكوفيد 19 ليصل إلى ما يزيد عن 300 ألف ، وعدد الضحايا الذي تخطّى 10 آلاف مواطن تونسي قضوا في حيز زمني قصير. وهي أرقام غير مفصولة عن حقيقة أخرى أكثر خطورة تتمثل في مخاطر دخول سلالة الهند وجنوب إفريقيا في زمن حساس أقل ما يمكن أن يقال عنه انهيار المنظومة الصحية وعدم قدرتها على مجارات مآلات الأوضاع المرتقبة.
إن وضعية كهذه تؤدي في نظري إلى جعل متطلبات الاعتراف أكثر إلحاحا وهي تقوم على:
التقاء المشاركين في عملية صناعة قرار سياسي يتم أساسا وفق المنهجية التالية:
لقاء قمة يحضره: السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس النواب وأمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل. هدفه تغيير مسار الأحداث وفق مقاربة سياسية صلبة تجعل من حكومة المشيشي حكومة تصريف أعمال.
الاتفاق على تكوين حكومة سياسية يحدد رئيسها توافقيا وتباشر أعمالها في النصف الثاني من شهر جوان بعيد الانتهاء من ضبط البرنامج الاقتصادي والاجتماعي
توجيه الدعوة للأحزاب السياسية المعنية بالمشاركة بما في ذلك قلب تونس
لقاء موسع بأمناء الأحزاب المشاركة تحت اشراف رئيس الجمهورية وبحضور أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة وعمادة المحامين لإمضاء بروتوكول " ميثاق شرف لوطن متلاحم".
لجنة خبراء مستقلة تعد برنامج اقتصادي واجتماعي ( النصف الثاني من شهر ماي)
لجنة خبراء سياسية تعد برنامج اقتصادي واجتماعي ( النصف الثاني من شهر ماي)
ندوة مشتركة لتوحيد النماذج والمقترحات الاقتصادية والاجتماعية ضمن مخطط عمل مسيّج بآجال محددة وبموازنة مالية مضبوطة
لجنة خبراء قانونية لصياغة مقترح لتعديل الدستور والقانون الانتخابي
التوافق على إرساء المحكمة الدستورية وفق معايير الاستقلالية والكفاءة والحياد
إن خلاصة هذه المبادرة :
التوافق هو الفضاء الوحيد الممكن في ساحة سياسية استخدمت فيها كل الذخائر
تعبيد الطريق من أجل فتح أفق يبني جسور التفاهم بين الفرقاء السياسيين في المتبقي من هذه العهدة الانتخابية
هدنة اجتماعية من قبل المنظمة الشغيلة إلى غاية الخروج من الأزمة
إن الاستمرار في التصعيد يترجم عن خيار لاوطني لأنه يجرّ البلاد نحو الهلاك.
صناعة قرار سياسي جديد يخطو بالبلاد نحو حكومة سياسية لها أولويات اقتصادية واجتماعية محددة وفق إستراتيجية عمل تحارب الفساد بكل أشكاله.
على أننا نؤكد في نهاية هذا المبادرة أن فشل التوافق الوطني ، يعني في المقابل أن نختار اجراء انتخابات سابقة لأوانها بما يحمله ذلك من محاذير. ولكن في كل الأحوال فإن مهمة كل وطني أن يوقف هذا العبث وعلى الأحزاب أن تقوم بالاختيار التزاما وتحقيقا لرفعة هذا الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.