معالي الوزير الأول ، إنه فعلا زمن العار... إننا نعيش فعلا زمن البطر و الجحود و النكران... ما تصورت يوما أن يعبّر بعض من التونسيون عن كل هذا الحقد و الغلّ تجاه رموز البلاد و رجالها و قادتها... ما خطر لي يوما أن يعمي مخزون الكراهية الدفين البصائر و الأبصار... فتنفتح أبواب الجحيم على مصراعيها... و يصبح لأنصاف البشر و دود الأرض ألسنة.... تنهش الأعراض و تغتاب الأموات... تزيّف الواقع و تغيّر الحقائق و تدنّس كل ما هو جميل... إنّهم يغتالون رموزنا... إنّهم يعيدون كتابة تاريخنا على هوى أنفسهم المريضة... أليس في هذه البلاد رجل رشيد...؟؟؟ عفوا يا سادة ، إذا كانت هذه حرية التعبير التي تتشدقون بها... فلا كانت حرية... و لا كانت صحافة... هل تكون « حربوشة عمار» المُرّة هي العلاج من الداء...؟؟؟ هل تكون 4 - 0 - 4 ...هي وصفة الدواء....؟؟؟ « فآخر الطب الكيّ كما تعلمون »... لا أجزم بذلك... لا أحلم بذلك... فمازال هذا الوطن بيتا للشرفاء... و لازال في البلاد أحرار منصفون فصحاء... محمد مزالي ( 1925-2010 )... مناضلا دستوريا ، و نائبا بمجلس الأمة... مديرا مؤسّسا للتلفزة التونسية.... وزيرا للدفاع فوزيرا للشباب و الطفولة... وزيرا للتربية و التعليم.... و هنا « مربط الفرس »... يلومونك ، سي محمد ، لقيامك بتعريب التعليم.... تدرك ، رحمك الله ، أن بين ظهرانينا و لا زال... تلك الطغمة الفاسدة ، المفسدة... تلك الشرذمة من المتطرفين الفرانكوفليين الكريهين... تركة ثقيلة من زمن المحتلين البغيضين... هل كنت يوما عدّوا للغة و للحضارة الفرنسية...؟؟؟ يتعامى الأغبياء و الجهلة عن حقيقة أنك خريج السربون ، أعرق جامعات باريس... هل كانت السربون يوما تابعة للسلطة التونسية...؟؟ يرفض المتحجرون أن يعترفوا بأن قلمك المتميز قد خط بتلك اللغة عشرات المقالات والعديد من الكتب... أردتها شهادة للتاريخ ، و دروسا للأجيال اللاحقة... و عنوانا لحقيقة ناصعة... عن « رجل الفكر الذي ظلّ طريقه إلى عالم السياسة »...( و أنت القائل سي محمد ) يعيبون عليك غيرتك على لغة البلاد و الأرض و البشر و العصافير و الشجر... يعيبون عليك حكمتك و وبُعد نظرك... يعيبون عليك وعيك بأن اللغة هي ركيزة من ركائز الهوية الوطنية وعنوان مساهمة كل شعب في الحضارة الإنسانية... لا تسمح لهم قدراتهم العقلية المحدودة و لا يمكّنهم قصر نظرهم و عمى قلوبهم ( إنما تعمى القلوب التي في الصدور) من أن يدركوا حقيقة أن المرء يمكن أن يكون فرانكفونيا، ناطقا و كاتبا بلغة موليير، من دون أن يتنكر لأصوله و لغته و تاريخه و حضارته..... أنا على يقين ، سي محمد ، أنك ، حيث أنت... تضحك ملئ شدقيك من هؤلاء الذين يسبّونك... هل من مهزلة أكبر من أن يشتموك بلغة لا يملكون ناصيتها...؟؟؟ لو قدر لفولتير أن ينهض من رقدته الأبدية ، لعاد جريا إلى لحده ، هربا من هول الفظائع التي ترتكب في حق اللغة الفرنسية.... و صرت وزيرا أولا... ذاك المنصب الذي ترّددت في قبوله زهدا فيه... و تحوّطا ممّا قد يعرّضك القبول به من دسائس و مؤامرات... « فالرجل الكبير » قد شاخ و هرم... و حلم الانقضاض على الكرسي يراود الجميع... « و يا سعد » من كان وزيرا أوّلا في تلك السنين... و قبلت الأمانة و أديّت المسؤولية بشرف و إخلاص... إخلاص للوطن و إخلاص للرجل الذي وضع ثقته فيك... يلومونك لأن الفاضلة فتحية مزالي صارت وزيرة في حكومتك ... يتعامى الجميع عن حقيقة أن « الحل و الربط » كان بيد الزعيم وحده ... يتناسون أن تلك السيدة هي خريجة السربون و سليلة النضال الدستوري... ترى ألا يخجلون أن يطلعوا علينا بهكذا ترّهات سنة 2010....؟؟؟ هل هيلاري كلينتون ، وزيرة خارجية القوة العظمى ، تونسية و نحن لا ندري....؟؟؟ هل ل كريستينا كيرشنار، رئيسة الأرجنتين ، أصول تعود إلى جهة الساحل التونسي....؟؟؟ أفتونا أيها العارفون في كل شيء... أفتونا ، ففي تونسنا العزيزة ، عشرة ملايين رجل اقتصاد و عشرة ملايين سياسي... أفتونا ، ففي تونسنا العزيزة ، عشرة ملايين عالم ذرّة و عشرة ملايين مدرب كرة... و حدثت القطيعة مع بورقيبة... لن نبحث عن الأسباب و عن المسببات... فمثل ذلك في عالم السياسة و دنيا الحكم كثير... و جدران « القصور» مغلقة على أسرارها... ما يهمنا و يسعدنا و يزيدنا تقديرا لشخصك... هو أنك رغم الظلم الذي لحقك و عائلتك و أصدقائك... رغم السكاكين التي مُضّت بليل... « و الجمل كي يطيح تكثر سكاكنه ».....( أليس هذا مثلا من عندنا...) رغم الآلام و الجراح ، لم نرك تسّب بورقيبة أو تشتم نظامه.... لم نرك إلا تكتب إليه رسالاتك الشهيرة ، ناصحا.... لم نسمع يوما أنك بعت وطنك أو كشفت أسرار الدولة التي صارت إليك بحكم ما كان لك من مناصب و من مسؤوليات... لم تكن تصلنا إلا أصداء عن محمد مزالي ، التونسي ، العضو مدى الحياة باللجنة التنفيذية الأولمبية الدولية... و كانت نهاية عهد... وذهب رجال و جاء رجال... و اختار الرئيس بن علي نهج المصالحة و إعادة الاعتبار لرجال خدموا الوطن و الشعب... و كان أول الرجال، الزعيم بورقيبة ، طيب الله ثراه ، عاش في كنف الرعاية و الاهتمام و دفن في مراسم تليق بالعظام... و كنت أنت ، سي محمد ، أحد هؤلاء الرجال... أنصفك حكم أعلى هيئة قضائية في البلاد... صدر حكم محكمة التعقيب ، سنة 2002 ، ليبرّئك و يعيد إليك اعتبارك و حقوقك.... و أحكام التعقيب نهائية و باتة ... و لا تعليق على أحكام القضاء عامة... مرضت ، سي محمد ، و سبحانه وحده القوي المتعال... مرضت ، و« كل قوة للضعف ترجع » ... و قرر رئيس الدولة أن تعالج على نفقة الدولة... و ذلك هو بن علي... و تلك هي شيم الكرام... و انتقلت إلى بارئك ، سي محمد... و سبحان الحي الذي لا ينام... هو وحده الباقي على الدوام... و كان لك من التكريم في جنازتك المهيبة ما يكون لرجال الدولة المميزين... و قرئت كلمات التأبين تسرد سيرة رجل من رجال الوطن المخلصين... و اعترف لك بالفضل كل من كان على بصيرة و على خلق و دين.... رحمك الله ، سي محمد ، رحمة واسعة... و جعل ، صالح أعمالك في خدمة بلدك و شعبك ، في ميزان حسناتك... يوم لا ينفع مال و لا بنون... إلا من أتى الله بقلب سليم... و عاش من عرف قدره ... م.ي.ص ( أبو فهد) تجليات علمانية معاصرة 1 : انتحار ميت تجليات علمانية معاصرة 2 : علي بابا والأربعون مناضلا زمن بورقيبة و إرث دولة الاستقلال