أفاقت بعد سويعات من خروجها من غرفة العمليات.. لتزال جفونها مثقلة بالنوم..ليتها نامت للأبد.. ليت المبنج أخطأ جرعة البنج.. ليت الإرادة الإلهية تدخلت لتنقذها من الكابوس الذي ينتظرها بعد العملية.. كانت امرأة جميلة فاتنة تدير رقاب الرجال حولها.. وكانت تتعمد ارتداء ملابس مثيرة مكشوفة الصدر خاصة.. كانت فخورة بجمال جسدها الذي ينبض أنوثة وتتلذذ كل كلمات الغزل التي تقال لها حتى الكلمات النابية أحيانا..كانت تؤمن أن الجمال هو رأس مال المرأة.. به تصطاد عريسا ثريا ويعوض الخبرة عند البحث عن وظيفة وهو إلى ذلك رسالة توصية تساعد على قضاء المصالح الإدارية وتنفع حتى في السوق.. وكانت محقة فسرعان ما حصلت على وظيفة لم تكن تحلم بها وتزوجت مديرها.. تغيرت حياتها ولم تتغير نظرتها لنفسها.. جسد جميل يسيل لعاب كل الذكور ولا شيء يدخل السرور على قلبها قدر نظرات الرغبة في عيون الرجال والحسد والغيرة في عيون النساء.. مرت سنوات استماتت فيها للحفاظ على رأس المال هذا.. أحست ذات يوم بكتلة غريبة في ثديها.. لم تعر الأمر اهتماما رغم استماعها عديد المرات لحملات التوعية الوردية وبدا الأمر يتطور شيئا فشيئا ولكن كثرة مسؤولياتها لم تعطها فرصة لزيارة الطبيب.. بدأت تحس بأوجاع وأعراض غريبة حينها فقط زارت العيادة وبعد فحوصات كثيرة تبين أنها مصابة بورم خبيث في الثدي وحالتها متأخرة ومحتاجة لعلاج كيميائي مكثف.. يا الله ما هذا.. سرطان ثدي.. علاج كيميائي.. هدأ من روعها الطبيب وبدأت جلسات العلاج الكيميائي.. آلام جسدية ونفسية فظيعة.. بدا شعرها الناعم شديد السواد الذي طالما أسدلته ليداعبه النسيم ونثرته على صدر زوجها في التساقط كأوراق الشجر في الخريف.. سأستعين بباروكة جميلة.. لا ماذا سيقول عني الناس سيتساءلون عن سبب ارتدائي الباروكة وسيبحثون ورائي إلى أن يعلموا أن معي سرطان.. لا أريد أن يعلم احد أني مصابة بهذا المرض الخبيث.. سأرتدي الحجاب.. هو ذاك إنها فكرة ذكية وعملية تفي بالغرض ولا تدع الشكوك تحوم حولي.. لا أليس هذا نفاق فانا لم أفكر يوما في ارتدائه واليوم وأنا على فراش المرض ارتديه ليس من باب التوبة إنما للمحافظة على شكلي أمام الناس.. لا خيار آخر الحجاب أملي الوحيد في ستر عورتي وسأعتاد عليه وأحبه بالتأكيد نساء كثر زادهن الحجاب جمالا وأناقة.. بعد بضعة شهور تعكرت حالتها أكثر واخبرها الطبيب أن لا حل إلا القيام بعملية استئصال للثدي.. أغمي عليها.. لا وألف لا الموت أهون من هذا يا الله لا تفعل بي هذا.. يا الله افعل أي شيء يحول دون هذا اعلم انك على كل شيء قدير أنا أمتك يا رب صحيح امة عاصية ولكن ما فعلته لا يمثل قطرة في بحر أفعال الآخرين وهم متمتعون بالحياة لما أنا.. استغفر الله العظيم.. أعدك يا رب أني سأتحول إلى ملاك لن انزع الحجاب حتى ولو نما شعري وسأحرق كل ملابسي المثيرة ولن أعود إليها سأصلي ليل نهار وأتصدق من مالي الخاص يوميا.. المهم يا رب يا رب يا رب أرجوك أتوسل إليك لا تدعهم يجرون لي عملية استئصال للثدي اشفني أو خذ روحي.. استمرت على هذا الحال أياما كثيرة لا أكل لا نوم.. صلوات وبكاء.. طرق زوجها باب غرفة المستشفى حاملا باقة من الورد البري الذي تحبه وقبل أن ينبس بكلمة.. طلقني.. بعد سنوات الحب تطلبين الطلاق.. لأني احبك لا أريد أن تعيش مع واحدة مثلي.. أنا لم اعد أنثى.. تصور أنا من يحسدني الجميع على أنوثتي اليوم لست أنثى.. ماذنبك لتتحمل العذاب الذي ينتظرني ليس من السهل عليا تخطي هذه الأزمة.. أنا حتى لا استطيع أن أواجه الناس وتحمل نظرات الشفقة وكلامهم في الزوايا.. مسكينة أصيبت بورم خبيث واستأصلوا ثديها.. مقرف.. اشعر بالغثيان لمجرد التفكير في هذا.. أريد أن أبقى في عينيك تلك الجميلة الرائعة.. لا يا حبيبتي مخطئة أنت لو خمنت انه من الممكن أن أتخلى عنك.. لا تخشي شيئا الطب تقدم كثيرا في هذا المجال وبإمكانك القيام بعملية تجميل.. اعلمي أني لم أكن انظر إليك كجسد جميل بل لأنك امرأة جميلة والفرق كبير بين الجمالين.. احبك لأنك ورغم غرورك طالما كنت طيبة وزوجة محبة منحتني أحلى الأوقات وصبغت أيامي بألوان الربيع.. وأهديتني زهرتين.. حان الوقت لتدركي أن الأنوثة ليست جسدا جميلا إنما هي رقة المرأة وحيائها.. حان الوقت لتبحثي عن الجمال الحقيقي الكامن فيك.. عن الجمال الخالد..