انتظمت اليوم السبت بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة، ندوة حوارية بعنوان "في أصول الأفلام القصيرة التونسية: الاقتباس الأدبي كبادرة أولى"، وذلك في إطار فعاليات الدورة 13 من المهرجان الوطني للفيلم القصير المحترف الذي انطلق مساء أمس الجمعة ويتواصل إلى يوم 5 أكتوبر الجاري. وتناول المتدخلون في الندوة، وهم الكاتب والباحث محمد المي والأكاديمي والناقد كمال بن وناس والروائي والناقد والأكاديمي أحمد القاسمي، موضوع الاقتباس الأدبي للسينما من زوايا ورؤى مختلفة راوحت بين نظرة الباحث في أسباب اختيار السينمائيين أعمال كُتاب دون آخرين، وهل أن السينمائي مُجبر على التقيد بمحتوى العمل الأدبي أو يمكنه التصرف فيه حسب رؤيته الفنية، فضلا عن قراءة الناقد للاقتباس. ومن خلال بعض النماذج من أعمال الكاتب الراحل علي الدوعاجي (1909- 1949) التي تحولت إلى أعمال سينمائية، طرح محمد المي قراءته لأسباب اختيار السينمائيين لأعمال أدبية دون أُخرى، فالدوعاجي يٌعتبر من أكثر الكُتاب التونسيين الذين اقتبست أعمالهم في السينما بدءا بسبعينات القرن الماضي وتحديدا سنة 1973، حيث تم اعتماد ثلاث من أقصوصاته الصادرة في مجموعته "سهرت منه الليالي"، وهي "المصباح المظلم" و"الزيارة" و"نزهة رائقة" وتحويلها إلى شريط بعنوان "في بلاد الطررني" من إخراج الثلاثي حمودة بن حليمة وهادي بن خليفة وفريد بوغدير، ثم في سنة 2003 اختار المخرج مراد بالشيخ اقتباس قصة "راعي النجوم" وتحويلها إلى فيلم يحمل نفس عنوان القصة، فضلا عن اعتماد قصصه في أعمال فنية أخرى. ويعود سبب هذا الاقتباس، حسب المي، إلى كون كتابات الدوعاجي مغرية للسينمائيين لأسلوبها البصري خاصة أن الدوعاجي رسام كاريكاتوري وهو ما مكنه من الكتابة بأسلوب خاص لانه لا يكتب كتابة تقريرية بل يعتمد الكثير من الوصف يركز على ملامح الشخصيات والتفاصيل التي تساعد الفنون البصرية فالكتابة السينمائية بصرية بالأساس، بالإضافة إلى أن الدوعاجي كتب الرواية التمثيلية القائمة على الحوار وكتب النصوص البصرية وجمع بينهما وهو ما مكنه من استمالة فئة معينة من السينمائيين. والجانب الثاني الذي يستهوي صُناع السينما في كتابات الدوعاجي هو طرحه للتابوهات الاجتماعية وخاصة في علاقة بالجنسانية وبالقصص الغرامية التي تستهوي المُشاهد في السينما على حد تعبير المي، بما يمكن السينمائي من إيجاد ظالته في قصص الدوعاجي أكثر من بقية الكتابات. طرح أحمد القاسمي في مُداخلته مجموعة من الإشكاليات التي تواجهها الأعمال السينمائية التي تقتبس من كتابات أدبية خاصة الانتقادات المتعلقة بإدراج تغييرات على مستوى القصة والطرح، ليستخلص أن عالمي الكتابة الأدبية والسينما مختلفان ولكل منهما قواعده ولغته ومرجعياته والمخرج غير مُطالب بالالتزام الكلي بما جاء في الكتابة الأدبية، وإنما ينطلق منها ويتعامل معها بحرية، ملاحظا أنه لا مجال لطرح ثنائية "الأمانة والخيانة" بين النصين الأدبي والسينمائي المُقتبس منه، لان العمل السينمائي هو إبداع والمبدع يجب أن يكون حرا في نقله للأدب من عالمه ووسائطه إلى عالم ووسائط مختلفة، وهو ما يستوجب التغيير، وعليه من الضروري قراءة الفيلم من زاوية الرؤية الجمالية للمخرج بعيدا عن النص الأدبي. تطرق كمال بن وناس لإشكالية الاقتباس من الأدب للسينما من زاويتين، زاوية السينمائي وكيف يُجسد النص المُقتبس، وزاوية الناقد السينمائي الذي يرى الفيلم بعين مختلفة تماما، بعيدا عن انطباعات السينمائي، التي ضمنها في العمل، مبينا أن السينمائي يقوم بالمونتاج بما هو جمع وتركيب عناصر الفيلم بينما يقوم الناقد بتفكيكها من أجل النظر في تفاصيل العمل من الداخل وفي العناصر القادرة على مسه شخصيا بعيدا وقد اعتمد كل من كمال بن وناس وأحمد القاسمي في طرحيهما، نماذج من أعمال مقتبسة عن لسعد بن حسين الكاتب الذي تم تكريمه أمس في افتتاح المهرجان بصفته أكثر كاتب يقتبس منه السينمائيون في تونس. وتتواصل فعاليات المهرجان من خلال ورشة الكتابة التي انطلقت يوم أمس وموضوعها "الاقتباس كمصفوفة للسينما التونسية: قضايا النقد"، وتتواصل إلى يوم الغد، بالإضافة إلى العروض المسائية لأفلام المسابقة الرسمية للمهرجان.