حالة استنفار قصوى يشهدها الشارع التونسي هذه الأيام خشية من "الكفار الجدد" الذين جاؤوا لتهديد التونسيين في دينهم وفي عقيدتهم عبر "مؤامرة خطيرة" تهدد استقرارنا الروحي والعقائدي..حالة من الخوف والرهبة ترجمتها أصوات تتعالى للمحافظة على الهوية العربية الإسلامية التي يرى البعض أنها سائرة إلى زوال.. لا نعرف ما الذي جعل هذه الفكرة تعشش في رؤوس الكثيرين فتونس غالبيتها الساحقة مسلمة ولن يستطيع أي تيار أن يمنع التونسيين من ممارسة عقائدهم كيفما شاؤوا ومتى أرادوا ولن يمنع المتدينون من المجاهرة بتدينهم ولا نظن أن هناك أصواتا تدعو لإغلاق المساجد والجوامع أو أن هناك نية لمشروع قانون يلغي المناسبات الدينية وما إلى ذلك.. حالة من الرهاب والخوف تدفع الكثيرين إلى تبني كل الأفكار المغلفة بطابع ديني ومحاولة إضفاء شرعية عليها ومجابهة الحوار بالعنف اللفظي والسخرية من أي دعوات جادة للنقاش..وبدأت تطفو على الساحة مظاهر خلناها خاصة بدول ذهبت أشواطا في التخلف لنجدها بين ليلة ضحاها بيننا كالتهجم على المسارح والدعوات لمنع الغناء ولتشريع تعدد الزوجات وإزالة الصور من الشوارع و إلحاق التماثيل بخانة المحرمات وتحليل القصاص وإنزال الأئمة من منابر المساجد.. وجرب حظك في انتقاد هذه الظواهر واعتبارها نوعا من التطرف الديني فحينها قد تتعرض لسيل من السب إضافة إلى الموضة التكفيرية الجديدة التي تخرجك بكل سهولة من ملة المؤمنين لتلحقك بصفوف الكافرين المرتدين في لحظات..فليس من حقك انتقاد تهديد البعض لحداثة البلاد ومحاولة إلحاقها ببعض الدول الغارقة في الرجعية فذلك يعتبر مسا بمشاعر المسلمين وتهديدا للهوية الإسلامية وقد تعتبر مناصرا لل"نظام البائد" وما إلى ذلك من الاتهامات الجاهزة.. في غمرة المفاهيم المغلوطة التي تعتبر الحداثة نوعا من الإلحاد والعلمانية نوعا من الدعوة للتسيب الأخلاقي ومحاربة المسلمين في معتقداتهم والتي تعتبر في المقابل كل الأفكار والمعتقدات والممارسات المنتسبة للدين نوعا من التشبث بالهوية الإسلامية ومجابهة "التوسع الصليبي" لا تجد من حل إلا متابعة ما يحدث في صمت والدعاء لهذه البلاد أن لا تتحول إلى مقاطعة أفغانية أو باكستانية تسقط معها دولة القوانين المدنية بالضربة القاضية.. تحولنا من ديكتاتورية نظام إلى ديكتاتورية من نوع آخر ترفض الرأي الأخر وتكفر الرأي المخالف باسم المحافظة على الهوية الإسلامية وبرزت أصوات تعتبر الديمقراطية نوعا من الكفر وحرية المعتقد نوعا من الردة وتصف غير المحجبات بالفاجرات والمتبرجات وتدعو للقطع مع كل "البدع" الغربية من فنون وغيرها.. لن يقع المس بالإسلام في هذه البلاد ومن الاستحالة بمكان مس الفصل الأول من الدستور المؤكد على الهوية الدينية واللغوية للبلاد..في المقابل لا أحد يملك حق المس بحرية المعتقد أو تهديد الآخرين باسم الدين أو فرض ممارسات رجعية علينا ولسنا مستعدين لدفع فاتورة القمع الممارس على الإسلاميين في العهد السابق ولنتحول نحن إلى ضحايا تصفية حسابات قديمة فتونس دولة مدنية تمارس فيها الشعائر الدينية بكل حرية ولكن دون المساس بحق الآخرين في الحياة والتعبير.. اطمئنوا فلا أحد سيطفئ شمعة الإسلام في البلاد..إلا إذا واصل هؤلاء ممن يدعون التدين أسلوبهم الاقصائي القمعي هذا وفي المحاججة عبر السب والشتم فحينها ستطفئ هذه الشمعة على أياديهم وسيحل مكانها العنف والترهيب باسم الدين ..وهو منهم بريء.. ملاحظة : التعاليق التي ستحمل عبارات سب لن يتم حذفها..احتراما لمشاعر اصحابها