مرحلة حرجة هي التي تعيشها البلاد التونسية هذه الأيام اعتصمات بالجملة و إضرابات بالتفضيل شملت جميع القطاعات تقريبا تزامنا مع ركود اقتصادي حاد و احتدام سياسي مفرط بين مختلف أركان العملية السياسية الانتقالية قد يؤدي بالبلاد إلى انسداد سياسي و اقتصادي خطير خاصة و أن البلاد تستعد لخوض انتخابات تأسيسية. مطالب و طلبيات تلقي جلها على الحكومة المؤقتة التي تجد نفسها بين المطرقة و السندان : إما الاستجابة السريعة و الغير مشروطة لهذه المطالب أو الاحتكام إلى الشارع لإسقاطها و تغييرها بأخرى تجد نفسها أيضا عاجزة عن معاجلة مطالب و شعارات من السهل كتابتها و من الصعب البت فيها في شهر أو شهرين . فمن بين الاعتصامات و الاضطرابات التي تحظى ببعد رمزي لدى التونسي ما يعرف باعتصام القصبة الذي يذكره بسقوط حكومة الغنوشي الأولى و الثانية تحت ضغط شعبي و جماهيري كبير أجمعت مختلف الحساسيات السياسية و الشعبية و المجتمعية على إسقاط الحكومتين التي لم يرتقي أدائها إلى طموحات المواطنين فكانت الحكومة الثالثة برئاسة السبسي البديل الذي علق عليه التونسيون أمالهم في التغيير لبلوغ المنشود السهل نظريا و الصعب مرحليا و تطبيقيا . مرت ثلاثة اشهر على تنصيب حكومة السبسي و عاد اعتصام القصبة للانعقاد بنفس المطالب و الشعارات التي رفعت سابقا لكن ما تغيير يلاحظه المواطن و هو يتجول بين صفوف المعتصمين اعتصام يغلب عليه الطابع الحزبي التنظيمي و يفتقد إلى الطابع الشعبي و الجماهيري الذي مًيز الإعتصامين السابقين . بضع عشرات من المعتصمين يرفعون شعارات جلها نظرية و شمولية تفتقد إلى الدقة كشعار استقلالية القضاء أو حرية الإعلام و محاسبة رموز الفساد فكل كتلة حزبية على حدا .ترفع شعاراتها الرنانة محاولة إعطاء مطالبها البعد الشعبي الجماهيري واضعة نصب عينيها على الانتخابات التأسيسية القادمة فهمها الوحيد في هذه المرحلة الوجيزة التي تسبق الانتخابات إعادة تشكيل التموقع الحزبي و إدخال البلاد ي مرحلة فراغ سياسي و تنفيذي قد يفرز واقعا سياسيا جديدا يقبل بها شريكا فاعلا رغم غياب انصارها و برامجها و إسهاماتها في عملية الانتقال الديمقراطي. فالمتمعن للحملة التسويقية التي سبقت الاعتصام قد يلاحظ أن مجموعة معروفة من الأحزاب كانت وراء المناداة بالاعتصام القصبة 3 ووفرت حتى وسائل النقل مجانا لمناصريها و من يود خوض مغامرة و إلاً بماذا نفسر الأعداد القليلة التي حضرت إلى ساحة القصبة ؟ مما يعني أنً الاعتصام لا يمثًل الشعب التونسي بمختلف شرائحه إنما يمثل فئة حزبية ضيقة تترجم فشلها السياسي إلى إعتصامات باسم الشعب و المجموعة الوطنية