مفهوم المحاسبة هو مفهوم راقي تتخذ منه الشعوب التي أقامت ثورة ضد الظلم وسيلة لمعرفة الحقيقة والكشف عن الشخصيات التي أجرمت في حق الشعب وبالتالي يحدث شيء من الاطمئنان في نفوس الناس بان ثورتهم وحريتهم باتت في بر الأمان وهي وسائل استغلتها شعوب عديدة للمضي قدما نحو إرساء دولة قائمة على النزاهة والمصالحة بين كل المواطنين ولنأخذ على سبيل المثال تجربة جنوب إفريقيا التي اعتمدت شعار"المحاسبة مع المصالحة" لتجاوز مخلفات نظام الميز العنصري الذي كان قائما. وهذا المفهوم بعيد كل البعد عن منطق الثار والتشفي الذي ادخل بلدانا عديدة في مأزق وفتن والتجربة العراقية اكبر دليل على ذلك حين تم التخلص بصفة غير قانونية من شخصيات سياسية كانت فاعلة وتملك نفوذا تحت عنوان ما يسمى "باجتثاث حزب البعث" وأدت هذه الخطوة الكارثية الى حرب أهلية تعيش العراق ماساتها الى اليوم. رفضنا للثار وجنوحنا للمحاسبة مع المصالحة لا يعني بتاتا إطلاق سراح مسؤولين قياديين في النظام السابق فالسيدة العقربي رئيسة ما سمي بجمعية أمهات تونس والسيد منذر الزنايدي والبشير التكاري وعبد الرحيم الزواري وغيرهم ممن تقلد مناصب هامة في الدولة هم متورطون دون ادني شك في عمليات فساد ورشوة واستغلال نفوذ لأنهم كانوا الأداة لنظام لا يشك احد في فساده. ان إطلاق سراح هذه الشخصيات مهما كان الطرف الذي أمر بذلك سينعكس سلبا دون شك على المواطن من حيث تراجع ثقته بالدولة ومكوناتها خاصة السلك القضائي الذي أصبح استقلاله على المحك لكن الأخطر في كل ذلك تمرير معلومة فحواها ان كل من أجرم في حق هذا البلد لن يحاسب على فعلته وهي معلومة سيحللها المواطن البسيط بقوله "هذه الشخصيات التي أدخلت البلاد في مأزق طليقة وحرة في حين يعرض أبنائنا للسجون لسنوات عديدة لمجرد تدخين سيجارة محشوة او لسرقة ورقة من فئة عشرة دنانير". نعم هذه البساطة في التفكير لكن ذات معنى كبير تدل ان التونسيين مع محاسبة حقيقية لتلك الشخصيات المتنفدة ولعل البعض سيقول انه مادام القضاء قرر إخلاء المتهمين فهو مستند على وثائق وبأننا كإعلاميين بمثل هذه التحاليل نصب الزيت على النار. نقول ان كل ذلك غير صحيح أولا ان كان هؤلاء الأشخاص أبرياء فعلا يعني هذا يدل ان النظام الذي كنا فيه بريء من الفساد كذلك لان النظام لا يعمل من تلقاء نفسه فهناك شخصيات تسيره ولا شك ان الزواري والتكاري والزنايدي والعقربي كانوا من ضمنهم ومن يعتقد فسه بريئا لا يفر خارج البلاد بعد ساعات من الإفراج عليه ثم ان من يريد التهدئة لا يقوم بإطلاق هؤلاء في الوقت الذي يحاكم فيه رئيس دولة مجاورة على الملا عاش شعبها ثورة مثلنا. ان المحاسبة هي الطريقة الوحيدة لاستعادة ثقة المواطن ولإبراز شفافية الدولة لان خلاف ذلك سيؤدي إلى الثار وبالتالي إلى الفوضى.