وزيرة الصناعة تشارك في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    العاصمة: مئات الطلبة يتظاهرون نصرة لفلسطين    النجم الساحلي يتعاقد مع خالد بن ساسي خلفا لسيف غزال    دوز: حجز 10 صفائح من مخدر القنب الهندي وكمية من الأقراص المخدرة    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    هذه الدولة الافريقية تستبدل الفرنسية بالعربية كلغة رسمية    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    بنزرت: النيابة العمومية تستأنف قرار الافراج عن المتّهمين في قضية مصنع الفولاذ    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص محاكمة رجل الأعمال رضا شرف الدين..    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    إصابة عضو مجلس الحرب الصهيوني بيني غانتس بكسر    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المازري الحداد: أرى مستقبل تونس والنهضة في السلطة مع شيء من الحذر والحيرة
نشر في باب نات يوم 21 - 11 - 2011

في صمت أقرب إلى اللامبالاة والتعتيم المقصود شهر و نصف و صدر في تونس قبل انتخابات المجلس التأسيسي كتاب"الوجه الخفي للثورة التونسية" للدكتور المازري الحداد الذي كان سفيرا لتونس لدى اليونسكو إلى غاية صباح الجمعة 14 جانفي 2011 تاريخ إعلانه استقالته احتجاجا على قمع السلطة للمظاهرات الشعبية، غير أن الذاكرة الإنتقائية لم تحتفظ بهذا الموقف غير المسبوق- وإن رآه البعض تكتيكيا ومتأخرا - ومن الجلي أن عدة جهات كانت لها مصلحة في التذكير بشكل مكثف بتصريح المازري الحداد يوم 13 جانفي إلى إحدى القنوات الفرنسية واصفا المتظاهرين بالعصابة المتطرفة Horde fanatisée وبشجاعة أدبية جديرة بالاحترام كتب المازري الحداد للتونسيين وللقراء في فرنسا(صدرت الطبعة الفرنسية من الكتاب قبل أسبوعين) وجهة نظره عن ثورة 14 جانفي إذ لم تكن في رأيه "ثورة ياسمين" بقدر ما هي انقلاب مزدوج أمريكي قطري ...وفي كتابه تنبأ الحداد بفوز النهضة وزعيمها راشد الغنوشي الذي خبره مؤلف الكتاب سنوات المنفى تماما مثلما جمعته صداقة عميقة مع المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر ....
في ما يلي حوارنا مع الدكتور المازري الحداد آخر سفراء بن علي في اليونسكو وأول سفير لتونس في هذه المنظمة منذ وفاة حمادي الصيد سنة 1996(ظلت البعثة التونسية دون سفير في اليونسكو من سنة 1996 إلى 2009) مع الإشارة إلى أننا أجرينا الحوار قبل إنعقاد أول جلسة للمجلس التأسيسي ...
*لم أكن ثوريا ولن أكون أبدا...
*طلبت من بن علي التحاور مع المعارضة واعتقال بلحسن وعماد...
*فرق كبير بين التوافق والإجماع...
*الخلط بين الدين والسياسة احتيال فقهي وخطأ أخلاقي...عارضت الاصولية لأنني .أخشى الله و اعشق محمد
*هذه أسباب خلافي مع راشد الغنوشي....
*توقعت في كتابك فوز النهضة، ما الذي دفعك لهذه النبوءة؟
كلا، هذه ليست نبوءة بل استشراف، فجميع الشروط كانت متوفرة لفوز النهضة في الانتخابات :
أسطورة البراءة السياسية و عدم الالتجاء إلى العنف ، وأسطورة النقاء الأخلاقي ، وشرعية الشهداء تحت حكم بورقيبة وزين العابدين بن علي، و إذا أضفنا إلى ذلك الموارد المالية ودعم الولايات المتحدة وبريطانيا وقطر فإنه لا يمكن للنهضة إلا أن تفوز في الانتخابات...
*ماذا عن دور المدونين في الثورة خاصة وأن لينا بن مهني كانت مرشحة لجائزة نوبل للسلام؟
لقد كان دور نشطاء الشبكة العنكبوتية العرب أساسيا في تنفيذ الخطة الأمريكية. ولإثبات ذلك، اعتمدت على العديد من الوثائق المنشورة و السرية من بينها مقالة طويلة كتبها أحد طلائعي مدوني الشبكة العنكبوتية المقاومين و أعني بذلك سامي بن غربية الشريك المؤسس لموقع نواة الالكتروني. وقد نشر هذا المقال قبل شهر واحد من انتحار طارق محمد البوعزيزي. و قد أبرز الكاتب و هو على دراية بما يقول ، كيف اتصل منذ 2005 الأمريكيون و حتى الإسرائيليون ببعض مدوني الإنترنت لتدريبهم على "الثورة دون العنف".
واعتمدت أيضا على كتاب الفيزيائي الجزائري أحمد بن سعادة المقيم في كندا حيث كشف أن العديد من نشطاء الشبكة العنكبوتية تمتعوا بدورات تدريبية و تكوينات و دعم تقني و معدات و ذلك للدفع إلى انتفاضات شعبية دون عنف كما يقول المنظر جان شارب.
لقد تم غسل أدمغتهم من قبل طائفة CANVASالتي كانت مصدر الثورات التي حدثت في أوروبا الشرقية والتي كانت تكمن وراءها وكالة الاستخبارات المركزية.
أما بالنسبة للفتاة التي ذكرتها وهي كأصدقائها المدونون ثمرة العهد النوفمبري ، اعتقد أن الوقت قد حان لكشف حقيقتها التي تخالف ما أوردته من أساطير في كتابها الصغير حالمة بجائزة نوبل. هي لم تفهم انه منذ تم إسناد هذه الجائزة للمحامية الإيرانية شيرين عبادي تغيرت قواعد إسنادها، فهي جائزة لا تسند إلى مسلمة مثقفة و متحررة بل لجاهلة و أصولية هي توكل كرمان. هذه إشارة واضحة للتغيير الجيوستراتيجي للإدارة الامريكية
*فسرت فوز النهضة بثلاثة أسباب هي قوتها المالية ودعم الجزيرة والضوء الأخضر الأمريكي، وقد يرى البعض في هذا الموقف تجنيا على حركة أصيلة نابعة من المجتمع التونسي تعود جذورها إلى نهاية الستينات من القرن الماضي؟ لماذا تتعسف على إرادة الناخب التونسي الذي اختار النهضة حزبا قائدا للمرحلة الإنتقالية؟
لم أقتصر على هذه العوامل الثلاثة. لقد ذكرت أسبابا أخرى تاريخية ونفسية وأنثروبولوجية واجتماعية وسياسية و جيوستراتيجية.
النهضة في أصولها ليست نتاج المجتمع التونسي ولكنها إيديولوجية مستوردة. وتاريخ هذه الحركة معروف من قبل المختصين. و لا يمكن لنا اليوم أن نقول عكس ذلك . لقد كانت الإسلاموية في البداية ردا اصطناعيا ومكيافيليا على التيار اليساري ثم التيار القومي. و بعد ذلك ، أصبحت ردة فعل على البورقيبة.
أنا لا أستهجن الناخبين الذين صوتوا لصالح النهضة. فلهم أسبابهم. لكن وعلى عكس ما تقوله ، لم يتم انتخاب نواب النهضة لإدارة البلاد ولكن للمساهمة في كتابة مشروع الدستور الجديد. فانتخابات 23 أكتوبر لم تكن رئاسية ولابرلمانية على عكس الانتخابات القادمة في مصر . وأود أن أضيف كلمة واحدة عن الضوء الأخضر الأمريكي مذكرا بأنه كان
و لازال أخضرا منذ السبعينات من خلال نظرية Berezinski و علينا أن لا ننسى الدور الأمريكي في نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر ، حيث على عكس الموقف الفرنسي في عهد ميتران، كان الأمريكيون يدعمون الحكام المستبدين و يحافظون في نفس الوقت على علاقات تعاون متميزة مع الإسلامويين .
*لا يحق لي مبدئيا طرح السؤال ولكني سأفعل، لمن صوت في الانتخابات؟
رفضت أن أشارك في هذه المهزلة المكونة من 120 حزب سياسيا متنافسا تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبرعاية منظمات أميركية وأوروبية. فإن هذا الوجود المكثف و الوقح و ان كان بصفة مراقبين فإنه يمثل انتهاكا لسيادة البلاد. ومع ذلك ، فعدم مشاركتي في الانتخابات تبقى خيارا شخصيا. أنا لا أنتقد الناخبين
و قيادات الأحزاب و المرشحين الذين شاركوا في هذه الانتخابات. فهل كانت لديهم خيارات أخرى؟
*مواقفك ضد الإسلاميين معروفة ومستهجنة عند البعض كموقفك من حماس ورفضك دخول تركيا الفضاء الأوروبي ودفاعك عن البابا حين أساء للمسلمين والإسلام...لماذا هذا العداء خاصة وأنك كنت في مرحلة من عمرك قريبا من عبد الفتاح مورو وصليت وراءه؟
هناك العديد من المغالطات في سؤالك مردها دعاية خصومي ، إسلامويين و يساريين. بخصوص موقفي من حماس ، لقد أعربت عنه في جريدة لومند بعد الانتخابات التي أدت إلى فوز هذه الحركة في قطاع غزة. كنت ، ولا أزال متعاطفا مع منظمة التحرير الفلسطينية أكثر من حماس و أنا حر في ذلك.
بالنسبة لتركيا ، كنت في الواقع ضد دخولها إلى السوق الأوروبية ، ولكن ليس لنفس أسباب أعداء تركيا. بل على العكس من ذلك ، حيث أجد أنه من المؤسف والمهين لتركيا الضغط على أوروبا لدمجها في حين أن بعض الأوروبيين لا يريدون ذلك لأسباب ثقافية ودينية وحتى عنصرية. و قد كتبت مقال في صحيفة لبراسيون مفاده انه بدلا من أن تسعى تركيا إلى الالتحاق بقطار أوروبا في آخر عرباته خلف رومانيا وبلغاريا المتخلفتين كان لزاما على تركيا أن تكون قاطرة العالم الإسلامي بنزعة عثمانية متجددة و متطورة. لذا كان موقفي موقف المتعاطف الصديق لا موقف المعادي لقد كان موقفي قريبا من موقف أربكان ، سلف اردوغان المتأورب و الاطلنطي
فيما يخص البابا ، لم أدافع عنه بل انتقدته بشدة مدينا في نفس الوقت ردود الفعل الهستيرية و غير المتناسبة لبعض المسلمين الواقعين تحت تأثير الجزيرة و رسولها "مسيلمة الكذاب" القرضاوي . لقد كتبت قائلا أن البابا يجهل تماما العلاقة المعقدة بين الإيمان والعقل في الفقه والفلسفة الإسلاميين ، خاصة عند ابن رشد.
لكنني كتبت أيضا أن أولئك الذين أدانوا المحاضرة التي ألقاها البابا واحتجوا عليها لم يفهموا أن هذا الخطاب كان يستهدف فلسفة الأنوار الغربية أكثر بكثير من نقده الإسلام.
عندما نحلل هذا الخطاب بشكل جيد ، نرى أن البابا كان يستهدف أساسا أصول الحداثة الغربية والعلمانية ، وفقدان القيم المسيحية...
احتلال قطري - أمريكي لتونس
أما عن عبد الفتاح مورو ، فقد حضرت دروسه في مسجد الكرم في منطقتنا عندما كان يأتي لقضاء فصل الصيف في سنوات 1975-1980 ، وكنت مواظبا على الصلاة و ما زلت أتذكر سيارة رينو 12 الصفراء التي كان يركبها. كما كان هناك أيضا حسن الغضباني ودروسه المثيرة و المبكية كل يوم خميس في جامع الكرم لكن لم يكن هذان الإمامان المحاميان هما من عرفت عن قرب فقط بل إن من جمعتنى به صلات قوية و اخوية في المنفى كان راشد الغنوشي.
*كيف تعرفت على راشد الغنوشي ؟
عرفته أقل من عام بعد وصوله إلى أوروبا. كنت برفقة محمد مزالي ،الذي أعرف منذ عام 1986 ، و ذلك بعد شهرين من استقراره في سويسرا. لقد التقيت الغنوشي عدة مرات في لندن, .
لقد كانت قيادة النهضة بما فيها راشد الغنوشى تكن لى إحتراما كبيرا بسبب مواقفي المنشورة في الصحف و المنددة بالاعتقال التعسفي وتعذيب الإسلاميين . كنت من قلائل المدافعين عنهم في وقت كان العديد من السياسيين و حتى الحقوقيين يحرضون على استئصال أنصار النهضة ولهذا السبب دخلت في صراع مع بن علي. لقد دافعت عن مبدأ وليس عن تعاطف أيديولوجي.
فيما يتعلق بالإسلاموية بشكل عام ، كان موقفي واضحا دائما : فانا كمؤمن ومسلم ، أعتقد أن التشابك و الخلط بين الدين والسياسة خطأ أخلاقي و احتيال فقهي. لهذا فإن سبب مواجهتي للإسلاموية ليس العلمانية بل الايمان بالله
و بالرسالة المحمدية. أنا مع إبن رشد و ضد الغزالي و مع إبن عربي و ضد إبن تيمية و مع على عبد الرازق و ضد حسن البنا.
في توجهي العام هناك نقاط أتقاسمها مع الإسلاميين و لكني في مستوى قاعدة تفكيرهم أختلف معهم تماما. عارضت الاصولية لأنني .أخشى الله و اعشق محمد هم يدركون ذلك جيدا
*كيف ترى تونس والنهضة في السلطة ؟ ألا ترى في استحضار النموذج الإيراني ظلما لهذه الحركة ؟ أليست أقرب إلى النموذج التركي الذي استفاد من فكر راشد الغنوشي كما يردد زعماء النهضة اليوم ؟
ككل التونسيين أرى مستقبل تونس والنهضة في السلطة مع شيء من الحذر والحيرة. علمتني الحياة أن حقيقة رجل السياسة لا تكمن في تصريحاته أو في وعوده بل من خلال أفعاله و انجازاته و هذا ينطبق على الإسلامي كما ينطبق على الماركسي أو الليبرالي أو الحقوقي...لا بد من ضرورة التنصيص أخيرا على الفرق بين التوافق السياسي و الإجماع. أعتبر التوافق السياسي ظاهرة ايجابية في العملية السياسية أما الإجماع فيغيب كل الظواهر الصحية للممارسة السياسية من نقد وجدل و اختلاف. الإجماع يفتح أبواب الكليانية... هكذا ترسخت الديكتاتورية من 1987 إلى 1990 بعد إجماع مختلف الحساسيات السياسية و الحقوقية على بن علي بما فيهم الإسلاميون و اليساريون و الحقوقيون لذلك يجب الحذر و هذا هو دور المعارضة و المجتمع المدني و الإعلام و خاصة الشباب الذي يتطلع إلى عالم أفضل.
أما عن استحضار النموذج الإيراني فلم أقارن الوضع في تونس بالتجربة الإيرانية التي أنتجت حكما تيوقراطيا ديمقراطيا لأن العملية الانتخابية في إيران بلغت مراحل من الديمقراطية متقدمة مقارنة بالعالم العربي... هل تعلم أن المستشرق لويس قارديه عرف النظام الإسلامي في كتابه الاسلام 1967 بهذه المفارقة بل قال أن نظام الحكم في الإسلام هو تيوقراطي علماني و متعادل...الثورة الإسلامية أقامت النظام الإسلامي في إيران بينما تفتقر حركة النهضة لهذه الشرعية الثورية في تونس....
أما بالنسبة إلى النموذج التركي فيجب التذكير بان حزب العدالة التركي لم يختر أن يكون كما هو بل فرض عليه التأقلم مع أسس الدولة التركية و مقتضياتها. الجمهورية التركية علمانية بمقتضى الدستور و التاريخ والجيش التركي من أوكد مهماته هي الحفاظ على علمانية الماسوني مصطفى كمال. إن وصول حزب العدالة إلى الحكم كان في إطار ديمقراطي متجذر في الحياة السياسية التركية منذ عقود في حين تفتقر تونس إلى ابسط مقومات الحس الديمقراطي ناهيك أن غطرسة حزب العدالة و التنمية تواجهها و تعدلها معارضة الحزب الجمهوري الشعبي الذي أسسه كمال أتاتورك سنة 1923. أما الحزب الحر الدستوري الذي أسسه الزعيم بورقيبة سنة 1934 و الذي كان يمكن أن يلعب نفس دور الحزب الجمهوري في تركيا فوقع القضاء عليه و استئصاله و كأنه حزب فاشي أو نازي بالرغم من انه هو حزب الاستقلال و الحزب الذي أسس الدولة الحديثة وعمم التعليم و قاوم التخلف الاقتصادي
*كلام كثير يقال عن سبب تدهور علاقتك براشد الغنوشي رغم أنك زرته في إقامته بلندن.ماذا حدث بينكما يمكن كشفه ؟
لقد التقيت عدة مرات براشد الغنوشي و ليس فقط في لندن...من الناحية الإنسانية، ليس لدي أي مؤاخذة عليه. انه دمث الأخلاق، متواضع ومثقف و كريم. لم يكن لي معه خلافات شخصية ولكن كنت على خلاف مع البعض من مساعديه، الذين انفصلوا عنه في ما بعد. و كما قلت من قبل ، ليس لي مشكل مع الإسلاميين كأشخاص وإنما لي اعتراضات على الإيديولوجيا الإسلاموية. وقبل أن يكون الخلاف معهم سياسيا، فانه اختلاف قائم على أساس فلسفي وفقهي بحت. فحتى بعد تعييني في اليونسكو ، واصلت اللقاءات السرية في باريس مع بعض رموز النهضة وهم يعلمون ذلك. لقد كنت دائما أفرق بين الرجال و بين آرائهم السياسية ساعيا دائما الى المصالحة الوطنية.
* نريد العودة إلى الساعات الأخيرة في علاقتك ببن علي... أنت قمت بالشيء ونقيضه، دافعت عن بقاء بن علي إلى آخر لحظة لأن تونس كانت مهددة في نظرك ووصفت الثوار بالعصابة المتطرفة ثم أعلنت استقالتك ودعوت إلى اعتقال بلحسن وعماد الطرابلسي؟
لم أدافع عن النظام بل دافعت عن استقرار الدولة واحترام الممتلكات العامة والخاصة. لم اصف المتظاهرين بالعصابة المتطرفة بل الفئات الفوضوية و المحرمة التي حرقت المستشفيات و المدارس و نهبت الأملاك العامة و الخاصة
أعلم أن الجميع يدعون اليوم للثورية ، تلك ليس قضيتي. لم أكن ثوريا ، و لن أكون أبدا. فضلت دائما إجراء إصلاحات تدريجية علي الثورات و على العنف... إن نقيض الثوري ليس حتما الرجعي بل الإصلاحي و قبل أن يكون سياسيا هذا موقف فلسفي فعند أفلاطون، تعاقب الأنظمة لا يسير دائما في اتجاه الأسوأ إلى الأفضل، يل بالعكس وعنده كما عند أستاذه سقراط ، الديمقراطية هي التي تنجب الاستبداد، فكل الثورات الكبرى للبشرية أنجبت أنظمة قمعية وإجرامية. هذا لن يحدث في تونس لأنه لم تكن هناك ثورة بالمعنى الكلاسيكي. طيلة سبعين سنة كان سقراط يؤطر الشباب و يحرض الناس ضد الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة آنذاك و من المفارقات انه أعدم في حكم أول ديمقراطية يونانية لذلك كره أفلاطون الديمقراطية اليونانية و تبرأ منها و لنفس الأسباب أعشقها بحذر.
حتى أعود إلى سؤالك وبناء على المعلومات الرسمية التي كانت تصلني من تونس كنت أعتقد أن الفوضويين والمتطرفيين كانوا وراء هذه الأحداث. وعندما بدأت أتلقى معلومات أخرى من قنوات غير رسمية ، قلت لزين العابدين بن علي ، أي في 10 جانفي ، أنه يجب منع قوات الأمن من إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين وفتح الحوار مع أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر و الأمر باعتقال بلحسن وعماد الطرابلسي.
* ما حقيقة المكالمة الهاتفية مع بن علي في 10جانفي؟ وماذا قال لك بعد استقالتك؟
ما قلته لك في الحين، قلته لزين العابدين بن علي يوم 10 جانفي. و نشرته في صحيفة لومند الفرنسية. لم أتصل به بل هو الذي أتصل بي. اقترحت عليه خطة للخروج من الأزمة في ست نقاط ، بما في ذلك الثلاثة التي ذكرتها لكم.
لم أتصل به بعد اعلان استقالتي. كان ذلك في 14جانفي علي تمام الساعة 7:30 صباحا. لقد أرسلت له استقالتي قبل نشرها إعلاميا. حيث بادر للاتصال بي هاتفيا على الفور لإقناعي والتوسل لي بعدم القيام بذلك. طالبا مني العودة فورا إلى تونس قائلا بأنه يسيطر على الأوضاع وأن شيئا خطير جدا حدث و أن تونس كانت مهددة، و أضاف أنه في كل الحالات سينفذ ما نصحته به يوم 10 جانفي ، وأن ما من شيء سيبقى كما كان من قبل ، و أنه أقال من كانوا يدعونه نحو الأخطاء لسنوات سابقة ، و أنه سيلقي كلمة مهمة جدا في المساء. لكني قررت الاستقالة، وهو ما كنت أفكر فيه منذ أسبوع. و يعود اتخاذي هذا القرار الحاسم إلى سقوط ضحايا جدد في اليوم الذي سبق استقالتي و أربعة أيام بعد أن طلبت منه إيقاف قمع المتظاهرين.
* هل صحيح أن عبد الوهاب عبد الله هو الذي عطل تعيينك سفيرا لتونس في اليونسكو من 2002 إلى 2009
نعم ، هذا صحيح تماما ، ولكن عبد الوهاب عبد الله لم يكن الوحيد الذي يعارض تعييني. كان لي العديد من الأعداء داخل القصر و داخل التجمع الدستوري الديمقراطي. هؤلاء لم ينسوا أبدا ماضي كمعارض وخاصة عدم انضمامي مطلقا إلى الحزب الحاكم ، حيث كنت دائما في نظرهم شخصا غير مرغوب و غير موثوق به. و أستطيع أن أقول لكم أنهم لم يكتفوا بمحاولة تخريب ترشيحي لليونسكو ، بل أنهم رفضوا دخولي كأستاذ في الجامعة التونسية ، و هو حق أساسي نظر لما أحمله من شهادات و ما أتمتع به من خبرة جامعية و دراسات عديدة.و يمكن لمن يريد التحقق من ذلك أن يتقصى الأمر لدى وزارة التعليم العالي حيث ينام ملفي منذ عام 2001. نعم يمكن للمدونة الشابة التي ذكرتها أن تدرس في الجامعة رغم عدم حصولها على شهادة الدكتوراه أما أنا الحاصل على أكثر من شهادة جامعية و الدكتوراه من جامعة السوربون فلا أستحق التدريس بالجامعة التونسية
*ما سر الصفقة التي عقدتها مع بن علي للعودة في أفريل 2000؟ وهل صحيح أن البشير بن يحمد ومحمد المصمودي هما اللذان هندسا لهذه العودة؟
لم يكن هناك أي صفقة أو اتفاق مع بن علي ولكن مجرد سلسلة من الأحداث دفعتني تدريجيا إلى أن أكون أقرب إلى الحكومة مني للمعارضة.
صحيح أن البشير بن يحمد ومحمد المصمودي لعبا دورا في عودتي إلى تونس في أفريل 2000 و عليك أن تسألهما حيت لا يزالان على قيد الحياة. ما يمكنني أن أقوله لكم هو أن قرار ترك المنفى بعد 12 عاما من المعارضة هو قرار شخصي لم يجبرني أحد على اتخاذه . كان بإمكاني أن أواصل معارضة بن علي 20 عاما أخرى، ولم يكن بإمكاني الاستمرار يوما واحدا مع المعارضة الانتهازية الاقصائية في أغلبيتها. لقد فقدت الكثير من الوقت والطاقة في هذه المعارضة. أهملت دراستي وضحيت بوظيفتي الجامعية في فرنسا و بحياتي الشخصية.
ابتعدت عن المعارضة عام 1997 للتفرغ لأطروحة الدكتوراه ، وتنظيم حياتي الخاصة. وبفضل محمد المصمودي ، كان يمكنني أن أعود إلى تونس في نفس السنة لكنني فضلت الانتظار من اجل العثور على وظيفة في فرنسا كي لا أخضع لإغراء وظيفة سياسية كانت محتملة في تونس...
*هل صحيح أنك توسطت لدى بن علي لعودة محمد مزالي؟ ولماذا ساءت علاقتك بمزالي في ما بعد كما يردد البعض؟
خلال لقائي الأول مع بن علي في أفريل 2000 ، بعد أيام من وفاة بورقيبة ، تحدثت إليه عن العديد من المنفيين : محمد مزالي وأحمد بن صالح و أحمد المناعي و عبد المجيد بودن و أحمد بنور و علي السعيدي ومنذر صفر و سليم بقة وحتى بعض الإسلاميين. وتكلمت أيضا عن مصطفى بن جعفر والمرزوقي ، و قد زرتهما في منزليهما يوم اللقاء مع بن علي لأقول لهما إن هناك فرصة للحوار معه لأنني كنت آمل و احلم بتحقيق مصالحة وطنية
للتاريخ في موضوع محمد مزالي كان أحمد القديدي أول من تكلم مع بن علي ، حيث أنه ترك المنفى سنة 1999 أي قبل عام واحد من عودتي لتونس...
من قال لك بان علاقتي ساءت مع المرحوم محمد مزالي؟ هذا غير صحيح ؟
صلتي بمحمد مزالي بقيت حميمة حتى موته ، و أنا سفير في دولة بن علي ، حضرت رفع جثمانه في مطار أورلي إلى تونس و قد خصني المرحوم في مذكراته بلطف و عناية إذ تحدث عني كأحد أبنائه فضلا عن كوني كنت أول تونسي دافع عنه منذ بداية منفاه عام 1986...من فعل ذلك آنذاك ؟
*كنت من أشرس معارضي بن علي في بدايات حكمه وكانت لك علاقات واسعة برموز المعارضة رجال السلطة الجديدة بعد انتخابات 23 أكتوبر وأعلم بأنك قدمت المساعدة لعدد منهم فهل لقيت منهم اليوم ما كنت تتوقع على المستوى الإنساني؟ وأضرب مثلا على ذلك المرزوقي وبن جعفر وأحمد نجيب الشابي؟
كنت فعلا أول من عارض بن علي وفي ذلك الوقت (1987-1989) لم نكن عديدين. كان هناك محمد مزالي وأحمد بنور و أحمد القديدي و أنا شخصيا. وكان جميع الآخرين لا يزالون على علاقة جيدة مع النظام. فيما بعد دافعت عن المنصف المرزوقي و مصطفى بن جعفر و حمة الهمامي وراضية نصراوي و سهام بن سدرين والإسلاميين. وكان الأقرب مني بن جعفر و المرزوقي. بعد انتخابات 23 أكتوبر، لم أطلب شيئا من أحد.
فيما يتعلق بأحمد بنجيب الشابي ، يؤسفني أنني لم أتعرف عليه جيدا. و قد شعرت بأنني قريب جدا منه بعد أحداث جانفي 2011. لقد فاجأني باعتداله ومواقفه الوطنية والمسؤولة مما جعلني أرى فيه خصال رجل الدولة...
*أصدرت "الجرأة" رفقة سليم بقة ثم انفصلتما لتصدر "صوت الجرأة" التي توقفت سريعا. ماذا تقول عن هذه التجربة وهل تفكر في استئناف تجربة إصدار دورية من تونس هذه المرة خاصة بعد أن أصبح الإعلام حرا؟
كانت تجربة" الجرأة" مثيرة ومبهجة. كانت وليدة فكرة سليم بقة الذي أقنعني بتأسيس هذه الصحيفة معه. في البداية لم أكن متحمسا لأن هناك تجارب سابقة لم تعش طويلا لأسباب مادية و أخرى سياسية. كانت هناك نشرية "لنواجه" ، بمبادرة من محمد مزالى و رشيد عزوز وأحمد القديدي. و كانت هناك "الحقيقة" أسستها بنفسي وكان عنوانها في بروكسل.
إثر خلاف مع سليم بقة لا أريد أن أعود الى تفاصيله أثارته عناصر من أمن الدولة و بعض المعارضين التونسيين المناورين ، انفصلت عن "الجرأة" لبعث "صوت الجرأة" التي توقفت بعد العدد الثاني وبقيت على علاقة طيبة مع سليم بقة. وقررت بعدها أن أكرس نفسي لكتابة أطروحة الدكتوراه . اليوم ، ليس لدي أي نية لإطلاق صحيفة في تونس فما هو موجود كاف.
هناك صحف ممتازة في تونس وأخرى تغيرت لغتها دون أن تتغير عقليتها. الأمر يتطلب بعض الوقت ا لتعتاد الصحافة التونسية على الأجواء المنشطة للحرية.
*مارأيك في التلفزيون العمومي
لا أحمل فكرة إيجابية عن التلفزيون الوطني، فمنذ جانفي 2011 ، شاهدت وسمعت برامج مخجلة. لقد إنتقل هذا التلفزيون من العبودية الشخصانية إلى الإفراط الثوري و الشعبوية ليعود الى عبودية جديدة. أصبحت القناة الوطنية نسخة رديئة من قناة الجزيرة الرجعية المتلحفة بثياب التقدمية و للتذكير فمن سنة 2000 الى سنة 2010 لم احضى ولو لمرة واحدة بالمشاركة في حصة برنامج .تلفيزوني في القناة الوطنية..
* لماذا هذا العداء للجزيرة و لقطر؟
لأنها كاذبة و خادعة و لأنها ابتعدت كثيرا على مهمتها الإعلامية الأصلية لتصبح وسيلة لضرب الوطن العربي و تفكيك أوصال الأمة خدمة لأجندة الإدارة الأمريكية و بطبيعة الحال فإن هذا المشروع يندرج ضمن مقترح الشرق الأوسط الكبير الذي نقح وأصلح من قبل "صديق" المسلمين ، باراك حسين أوباما. قطر لعبت دورا رئيسيا في التعبئة الإعلامية و التشهير و التزوير المفضوح للحقائق و إن لم تساهم إلا إعلاميا و ماديا و ديبلوماسيا في الأحداث التونسية فإنها ساهمت ميدانيا و عسكريا في الإطاحة بالنظام الليبي و تسعى الآن لنفس الشيء مع سوريا و ربما الجزائر في المستقبل القريب في وقت يتم فيه التعتيم عما يجري في البحرين ...
ليس لي عداء مع الشعب القطري الشقيق و لكني أستنكربشدة التوجهات السياسية المزدوجة و المتناقضة لقطر فتحت شعار الرأي و الرأي الأخر لعبت الجزيرة دورا حقيرا في الإطاحة بنظام صدام حسين و تعاملت بخبث و ذكاء مخابراتي مع بن لادن و عصاباته و زرعت العداوة بين منظمة التحرير الفلسطينية و حركة حماس وبكت بكاء التماسيح أثناء مجزرة غزة و في نفس الوقت يتواصل أمراؤها مع حكماء صهيون سرا و علنا فقطر تتظاهر بدعم الإخوان الفلسطينيين لكنها في نفس الوقت تزود إسرائيل بالغاز و تساهم في إنشاء المستوطنات و في دعمها للحركات الاحتجاجية في الوطن العربي انحياز إعلامي ومادي مفضوح للأصولية و الحركات السياسية الإسلامية في حين تغيب سائر الحساسيات الأخرى من يسار و قوميين.
بعد زعامة عبد الناصر و زعامة بومدين و زعامة صدام ها قد حان زمن زعامة امارة قطر البدوية التي تقول عن الزمان به فساد بل هي التي فسدت و ما فسد الزمان انظر و تامل فيما يحدث الان في سوريا و في الدور العميل الذي تلعبه قطرائيل في تدمير أخر نظام قومي عربي في المنطقة
*اعتبرت كتابك الصادر مؤخرا في تونس وفرنسا آخر فعل سياسي تقوم به وستصمت نهائيا بعد ذلك. ما هي دواعي هذا القرار؟
لا ، ليس هذا هو الأخير إنما ما قبل الأخير. ففي الكتاب القادم أنوي كشف بقية الحقائق التي كتمتها قصدا في "الوجه الخفي للثورة التونسية"، بعد ذلك ، سيكون لدي الوقت لكتابة مذكراتي. على الرغم من أني لم أتجاوز الخمسين أعتقد انه قد آن الأوان لتولي الشباب المشعل والمسؤولية فتونس لا تخلو من الكفاءات و الطاقات الحية.
لن ولم أصمت إلى الأبد إلا إذا غيبني الموت، لكن كلما دعاني الواجب الفكري و الوطني و العربي سأعود إلى إبداء رأيي في القضايا الرئيسية والتهديدات التي تواجه تونس والعالم العربي و الإسلامي، سوريا و الجزائر مستهدفتان وإيران مهددة بعدوان صليبي صهيوني و إن تغير العالم و انقلبت المفاهيم و اضمحلت القيم فسوف أدافع عن سوريا و عن الجزائر و عن إيران كما دافعت عن العراق منذ 1991
*لماذا لم تعد إلى تونس منذ انتصار الثورة المباركة ؟
بعد الانتفاضة الاجتماعية التي باركها القرضاوي و بن لادن قبل اغتياله المبرمج قررت البقاء في باريس لتحرير الكتاب الذي بين يديك و قلت لن تطأ قدماي أرض تونس قبل نشر الكتاب . و الان و قد تم ذلك قبل الانتخابات ، سوف أقرر متى أعود إلى ارض الوطن. هذه ليست الأولوية بالنسبة إلي الآن . الأولوية هي لرعاية عائلتي.
*هل لديك تواصل مع السلطة الحالية(حكومة الباجي قايد السبسي)؟
لا ، ليس لدي أي اتصال مع الحكومة الحالية. آخر اتصال يعود إلى مارس الماضي و كان مع سي الباجي قائد السبسي . كنت أعرفه قليلا خصوصا في الحلقات الدراسية والندوات التي نظمتها مجلة "حقائق".
*ماذا قال لك الباجي قايد السبسي في مكالمته الهاتفية؟
أشياء أفضل الاحتفاظ بها ستكون في مذكراتي و على أي حال ليس فيها ما يشد انتباه الرأي العام اليوم. هناك ما هو أكثر أهمية وأكثر خطورة من محادثة هاتفية بينني و بين سي الباجي.
* ماذا تقول عن كمال مرجان الذي عملت معه أيام كان في الخارجية وكنت سفيرا في اليونسكو؟ البعض يراه رجل دولة وآخرون يعتبرونه إمتدادا لنظام إنتهى؟
أحمل تقديرا عاليا لكمال مرجان. قبل أن تأتي"الثورة" أو يؤتى بها لتغيير المشهد السياسي التونسي و العربي بصفة عامة ، وعندما كان مستقبل تونس يترنح بين ليلى الطرابلسي أو صخر الماطري كان كمال مرجان خيارا واضحا. كانت هناك مؤامرة كبرى ضد تونس تتمثل في انتقال السلطة من الزوج إلى زوجته أو إلى صهره..
لقد كان مرجان في نظري أفضل خلف بسبب تكوينه الجامعي، و مسيرته الطويلة في هيئات الأمم المتحدة كمسؤول عن التدخلات الإنسانية في إفريقيا و غيرها ، فضلا عن صفته كمناضل غيور في الإتحاد العام لطلبة تونسUGET فهو بهذه التجارب كان بإمكانه أن يدخل تونس فورا في الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت ضرورية و حيوية.
ليس كل ما في النظام السابق كان فاسدا و يجب اقصاؤه. بعض الوزراء الذين خدموا البلاد تحت بورقيبة وبن علي كانوا شرفاء وأكثر تقدمية وديمقراطية من بعض الديمقراطيين أو نشطاء حقوق الإنسان.
*كيف تعلق على الموقف الفرنسي من تونس الثورة خاصة وأن لك علاقات واسعة بحكومة ساركوزي؟
في البداية، قامت الحكومة الفرنسية بالخطأ نفسه الذي قمت به ، مع فارق أن الموقف الرسمي لفرنسا عندما استقلت من اليونسكو ، كان لا يزال مؤيدا بشكل واضح لبن علي. لم يكن الفرنسيون يعرفون بعد إن الأمور أصبحت لا رجعة فيها نظرا للمشاركة الضخمة للولايات المتحدة في العملية الثورية. الفرنسيون كانوا مثلي يعتقدون بأن بن علي صار ضعيفا بما فيه الكفاية لقبول الحوار مع المعارضة والبدء فورا في الإصلاحات اللازمة. لم يكونوا على خطأ ، لكنهم كانوا لا يعرفون أن هدف الأميركيين لم يكن الانتقال السلمي إلى الديمقراطية في تونس و غيرها و لكن بث الفتنة الكبرى أي الفوضى الخلاقة كما سماها المحافظون الجدد.
كلمة أخيرة عن الربيع العربي و هل ل كان تعتذر للشعب التونسي؟
اعتذر لماذا ؟
هل لأني اخترت الإصلاح التدريجي عوضا عن الثورات الوهمية و المفتعلة ؟ هل لأني بقيت مخلصا للوطن بدل الهرولة إلى أمريكا و قطر ؟
هل لأنني أدركت منذ جانفي أن تونس مستهدفة و من خلالها الأمة العربية ؟
بدلا من الاعتذار علي أن أجدد تعازي لعائلات الشهداء الذين ألقت بهم الجزيرة و بعض المدونيين في الشوراع و تحت رصاص قوات الأمن و الذين انتفضوا ضد الفقر و القهر و الفساد
إما عن الربيع العربي فانا في انتظاره بعد تحرير فلسطين و خير ما اختم به هذا الحوار ما يقول الحق في كتابه العزيز: لن ترضى عنكم اليهود و النصارى حتى تتبع ملتهم
حاوره:محمد بوغلاب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.