يبدو ان المصادقة على قرار الجمع بين نيابة التأسيسي ومناصب الوزارة بأغلبية 145 صوتا قد احدث نوعا من القلق والتوتر ليس فقط بين نواب المعارضة وإنما بين مكونات المجتمع المدني والجمعيات التي تنادي بتطبيق الديمقراطية الحقيقية والتي تعتصم أمام مقر المجلس التأسيسي في باردو. فالجمع بين السلطة التنفيذية والتشريعية هو بداية الاستحواذ على السلط ودمجها بطريقة غير مقبولة خاصة وان الديمقراطية تفترض الفصل بين السلط الثلاث وليس تغول سلطة على أخرى خاصة سيطرة السلطة التنفيذية على التشريعية ولو بطريقة مغلفة بالديمقراطية. هنالك من يعتبر ان الجمع بين نيابة التأسيسي والمناصب الوزارية طريقة موجودة في الديمقراطيات العريقة كالسويد وبلجيكا والدنمارك وغيرها من البلدان الأوروبية ولكن هذا الأمر خطير في ديمقراطية ناشئة وفي طور البناء كالديمقراطية التونسية. نريد ان نضع الوزراء تحت الضغط الايجابي وان لا يتعللوا بالأغلبية النيابية حين يخفقوا في أعمالهم الموكولة اليهم وان لا تحميهم هذه الأغلبية حين يخطؤوا. حقيقة يجب الفصل الحقيقي بين السلط الثلاث وان يتخلى من يعين وزيرا على صفته التشريعية والنيابية حتى نحقق نوعا من التوازن الصحي الذي سيدعم الديمقراطية التونسية التي يهددها الانهيار بسبب اختلاط السلط والوظائف والصلاحيات. الأغلبية لا تعني الاستحواذ على جميع الصلاحيات من قبل الأغلبية النيابية وكان من الأجدر على جميع الأحزاب والأطياف السياسية التفاهم حول هذه الوظائف قبل انتخابات التأسيسي حتى لا نضيع كثيرا من الوقت في المصادقة عليها وخاصة إحداث بلبلة قانونية تؤدي بالضرورة الى تجاهل مبدأ الفصل بين السلط الثلاث لكن كل هذه الأمور غابت في ضل الصراع الفكري وصراع الهوية الذي طغى على مشاورات الأحزاب داخل الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة المنتهية ولايتها. نرجو فعلا ان تكون الديمقراطية التونسية سليمة غير عرجاء لكن إقرار قانون الجمع بين الصلاحيات التنفيذية وبعض الصلاحيات التشريعية لا يبشر بخير ويضعنا في حيرة من أمرنا حول مدى استعداد الأحزاب على تغليب المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الحزبية الضيقة.