محمد السعيدي ناشط نقابي بالتلفزة التونسية في الفترة الأولى التي تلت 14 جانفي والى حدود القصبة2 و تشكيل حكومة محمد الغنوشي حصل تحرر إعلامي كامل بل انفلات كبير ورغم كل ذلك كانت تلك الفترة من أحسن الفترات على الأقل في مستوى الإعلام العمومي وخصوصا التلفزة الوطنية ولم يكن هناك الوقت آنذاك للتطرق لموضوع الإصلاح بسبب الأحداث الجارية بالبلاد وأولويات المرحلة . مرحلة حكومة الباجي قايد السبسي والتي وجه خلالها كثير من اللوم لوسائل الإعلام لعدم تغطيتها الكاملة نشاط الحكومة بل ووصلت به الأمور حد إهانة إحدى الزميلات بالقناة الوطنية ورغم كل شيء صمد أبناء المؤسسات العمومية وأمنوا تلك الفترة الانتقالية وشاهد كل التونسيين جميع ممثلي الأحزاب والمنظمات على المنابر الإعلامية ,ولا ننسى أيضا في تلك الفترة وجود الهيئة العليا لإصلاح الإعلام و الاتصال التي لعبت دورا مهما في تحضير مشاريع مراسيم و قوانين تنظم كل من القطاع العمومي والقطاع الخاص لكن برزت هنا عدة اختلافات بين ممثلي القطاع و مكوناته بسبب تركيز تلك الهيئة على الجانب الصحفي دون غيره خاصة خلال تحضير مشروع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والجميع يعلم أن مؤسسات السمعي البصري هي مؤسسات جامعة وشاملة للعمل الصحفي والتقني والإنتاج والإخراج وغيرها من المهن التي وقع تجاهلها وهو ما أدى إلى حصول تجاذبات شديدة ورفض البعض لمشاريع القوانين وخصوصا نقابات التلفزة بسبب المحاصصة القطاعية التي ظهرت بالفصل السابع من المرسوم 116 الذي تجاهل مكونات عديدة من أهل المهنة ولكن ورغم كل ذلك وقع إقرار المرسوم من طرف الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بحضور حوالي 50 عضوا منها فقط وفي ظروف غامضة ومن ثمة صدر المرسوم بالرائد الرسمي يوم 03 نوفمبر 2011 فترة ما بعد 23 اكتوبر 2011 وقدوم الائتلاف الثلاثي الحاكم تعتبر من أصعب الفترات للإعلام العمومي حيث انه عوض التركيز على عملية الإصلاح أصبح الصراع صراع وجود بالنسبة للإعلاميين إذ اصطدموا بحكومة تريد رؤية نفسها في هذا الإعلام دون غيرها حتى أن أحدهم صرح في يوم من الأيام أن الظهور على شاشات التلفزة الوطنية لا بد أن يراعي نسبة الأصوات المتحصل عليها في الانتخابات ولكم التعليق ,هذا الصراع الذي حصل بين الحكومة والإعلاميين أغفل الجميع عن أحد الأهداف الرئيسية للثورة وهي محاسبة من أجرم في حق الشعب التونسي و في حق أهل الإعلام أنفسهم وتناسى الجميع عملية الإصلاح وتخبطت الحكومة في رؤيتها لهذا القطاع الحيوي و المهم بسبب عدم وجود نوايا صادقة وأيضا لغياب مشروع حقيقي للإصلاح والدليل أنها قامت بتعيينات فوقية عديد المرات على رأس المؤسسات العمومية بل و قامت بتعيين بعض المحسوبين على النظام السابق حيث كان من أهم أولوياتها في الاختيار الولاء وخدمة النظام, وعندما فشلت المخططات القائمة لتدجين المؤسسات العمومية حصلت تهديدات بعض أعضاء الترويكا ببيع التلفزة الوطنية وهو ما لم يحصل سابقا في تاريخ تونس الحديث ثم كانت الهجمة الإعلامية في الشبكة الإجتماعية والاعتصام الشهير أمام التلفزة والذي انطلق فعلا من أناس غيورين على الإعلام وإصلاحه ولكن بعد أيام ركبته بعض الأطراف الحكومية وقامت بتوجيهه بطريقة معينة ونتذكر جميعا كيف تدخل قائد الاعتصام الحقيقي وقام بإنهائه خلال ساعتين و مما زاد في تعقيد الوضع اختلافات أهل القطاع حول المرسوم 116 الذي كرس هيمنة بعض الأطراف داخل القطاع السمعي البصري وهمش عدد واسع من العاملين به ,وعوض فتح حوار حقيقي يوحد أبناء القطاع اصطدم الجميع بصراع بين حكومة همها الوحيد السيطرة على الإعلام العمومي وهياكل لم تجد طريقا للوحدة من أجل مجابهة هاته التحديات الخطيرة بسبب إصرار البعض حتى من خارج السلطة على السيطرة على القطاع رغم عديد المحاولات التي باءت بالفشل , في أثناء كل ذلك حصلت عديد التحركات النضالية سواء منفردة في التلفزة التونسية أو على مستوى مجمل القطاع لكن أمام التشرذم الحاصل بين الهياكل النقابية والجمعياتية لم تجد الحكومة سوى اللعب على تلك الاختلافات و تعميقها من أجل ترك القطاع يتخبط في مشاكله دون أطر قانونية وتشريعية لتنظيمه لمزيد كسب الوقت والقيام بالتعيينات الضرورية في مفاصل الإعلام و مؤسساته وهو ما يحصل حاليا في التلفزة الوطنية وحتى ما يتردد عن قرب تفعيل المرسوم 116 بشكله ومضمونه الحالي لن يحل المشكل بسبب تركيبة الهيئة الغير متوازنة وعديد الإشكاليات القانونية الأخرى وتناقض المرسوم مع التنظيم المؤقت للسلط العمومية وحتى في صورة إحداث هاته الهيئة لا يمكن إعادة هيكلة وإصلاح المؤسسات العمومية دون النظر للتجارب الدولية المماثلة والتي من أهم مقوماتها ضرورة تشكيل مجالس إدارة مستقلة بكل المؤسسات العمومية لأنها هي الضامن الوحيد لقيادة عملية إصلاح دون تدخل الحكومة ونرجسية أهل المهنة وخلال هاته الفترة الانتقالية من عمر البلاد لا بد من تشكيل مجالس إدارة وقتية على الأقل لتأمين انتقال ديمقراطي حقيقي خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات ستقودنا للمؤسسات الدائمة . وفي النهاية أتمنى أن يفهم الجميع حكومة ومعارضة وممثلي القطاع أن الإعلام العمومي هو إعلام الشعب الذي يدفع فاتورته والذي لا بد أن يرى نفسه فيه وان السيطرة على الإعلام لن تولد سوى دكتاتورية أخرى وأن المطلوب هو هيئة اعلام تكون مستقلة عن الحكومة لا أن تكون تركيبتها مرتكزة على المحاصصة القطاعية وأن تتحقق العدالة الانتقالية داخل القطاع دون استغلال وتوظيف سياسي وان تشكل مجالس إدارة في كل المؤسسات الإعلامية العمومية دون سيطرة أي طرف وأن تنجز عملية إعادة الهيكلة والإصلاح الحقيقية بما يحقق إرادة الشعب و أهداف ثورته .