بقلم الأستاذ بولبابة سالم من يعادي عروبة تونس و إسلامها فليس له مستقبل سياسي , ذلك أهمّ درس يجب أن تتعلمه القوى السياسية من انتخابات 23 أكتوبر 2011 , فالشعب التونسي لا يمكنه أن يساوم على هويّته الحضارية و عقيدته الراسخة عبر مئات السنين مهما بلغت درجة التشوية و التدجيل السياسي الذي يمارسه البعض تحت مسمّيات خادعة و ماكرة هي أشبه بالنفاق السياسي الذي لا ينطلي على المغفّلين فضلا عن العاقلين . تابعنا ردود الفعل العنيفة و المتشنّجة حول مسودّة الدستور و أجزم أنّ الكثيرون من منتقديه لم يقرؤوا سطرا واحدا منه بل يردّدوا كالببّغاوات أقوال أسيادهم و مؤجّريهم في كرنفال سياسي بلغ أعلى درجات الإنحطاط و قلّة الأدب . لا أعتبر مسودّة الدستور الحالي مثالية و تستجيب لتطلّعات الشعب التونسي لكن علّمتنا خلق التواضع العلمي ألاّ تكون أحكامنا قاسية على جهد جماعي مشترك قامت به لجان مختصّة تمثّل مختلف الحساسيات السياسية داخل المجلس الوطني التأسيسي و سهرت من أجله الليالي , قد يكون للبعض ملاحظات أو تحفّظات – و ذلك طبيعي – لكن أن يلغي البعض ذلك بجرّة قلم فالأمر لا يخلو من مزايدة سياسية في خضمّ أصوات دأبت على المعارضة العدمية و تمييع كلّ جهد حقيقي . و المصيبة أنّ بعض تلك الأصوات كانت من منظّري الدكتاتورية النوفمبرية عندما كان الدستور خرقة بالية يزيّن بها رعاة الإستبداد لبن علي ديمومة حكمه ليأتوا اليوم دون حياء و يقدّموا دروسا لمن اختارهم الشعب . ما يحصل اليوم هو احتقار و استهزاء بإرادة الشعب الذي مارس سلطته عبر أوّل انتخابات حرّة و ديمقراطية في تاريخه وفوّض من انتخبه لكتابة الدستور , و رغمّ انتقاداتي السابقة لحركة النهضة فلا أحد ينكر أنّها قدّمت تنازلات لخصومها السياسيين من أجل دستور توافقي ممّا أثار غضب أنصارها و حلفائها التقليديين. ما يجب أن يعلمه الجميع أنّ نتيجة الإنتخابات هي تفويض لتوجّه سياسي معيّن مهما اختلفنا معه فهو تونسي أصيل , فلماذا يحاول البعض افتكاك ما لا يملك بل و يتحدّث باسم الشعب – و لا أدري عن أي شعب يتحدّث – ما سمعناه في الأيام الأخيرة يدمي القلوب من نخب بل – ويا للعار – و من نواب يزعجهم لفظ الإسلام في مسودّة الدستور و كأن هذا الشعب ليس له ثوابت ضاربة في التاريخ , و المصيبة أن بعض التقدميين عندنا لا يرون تقدّميتهم إلا في ضرب دين الشعب , و هم إذ يحاولون الصدام مع النهضة فإذا بهم يكونوا في مواجهة مع الشعب نفسه بل و يجعلوا من النهضة مدافعا عن الإسلام وهي ليست كذلك و بهذا الغباء يقدّمون لها خدمة مجانية . الأدهى من ذلك , و بسبب نفاقهم يفضحون أنفسهم أمام الشعب حيث كان جميعهم { من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار } في الحملة الإنتخابية يشدّدون على التمسّك بالهويّة العربية الإسلامية لتونس باعتبارها من القواسم المشتركة لكنهم يسقطون أمام أوّل اختبار حقيقي ليكشفوا عن عداء مرضي لعروبة تونس و إسلامها و لذلك لابد من تعريف دقيق للمنافقين " فهم أولئك الذين يجهرون بما يرضي الناس يبغون مرضاتهم وهم يخفون غير ما يجهرون به , يبغون خداع الناس بإخفاء مواقفهم من قضية للناس مصلحة في معرفة مواقفهم منها ". يريدون دستورا يكتبه الشواذّ و روّاد الملاهي الليلية و نخب منبتّة بعضها تحالف مع النظام القديم , و صدق الوزير و النقابي أحمد بن صالح عندما وصفهم بالنّكبة على البلاد و العباد . نرجو أن تترفّع الطبقة السياسية التي تحترم نفسها من محاولات بعض اليائسين من الإنتخابات تلغيم الأجواء السياسية المتعفّنة أصلا و تكون في مستوى اللحظة التاريخية.