بقلم / منجي باكير صحيح أنّ السياسة ليسن لها وجه محدّد و ليس لها تحالفات مقدّسة و صحيح أنّ السّياسة مستنقع لا ثوابت فيه ،،، لكن أن تنحرف المواقف السّياسيّة انحرافا حادّا لتصير فيه الأضداد متجانسات و تضع الأطراف (المتطرّفة) المواقف و المتباينة التوجّهات أيديها في أيدي البعض الآخر فهذا ما يكون مدعاة للرّيبة و سببا واضحا للعن هذا النوع من السّياسة و كره المشتغلين بها ... كما أنّ الشّعب الذي يحاول متابعة ما يجري من حوله في المشهد السياسي الذي يخصّه قبل أيّ أحد ، الشعب الذي شايع و ناصر فئة على أخرى و تحمّس لفصيل دون آخرو صدّق التصريحات و المواقف العلنيّة ،،، هذا الشّعب يجد نفسه هذه الأيّام خارج دائر الإهتمام السّياسي ، بل يجد نفسه في حكم – القاصر – الذي تجاوزت كلّ مكوّنات المشهد السياسي القائم إرادته بتجاوز دوائر القرار الرّسميّة و مؤسّسات الدولة و هياكلها التي فوّض لها إدارة شؤونه و خصّها دون سواها بتمثيله في كلّ حراك يهمّه ، لينحصر تحديد هذا المشهد السياسي و رسم خارطة مستقبل البلاد رهين أجندات و مزاجيّة أشخاص لا يملكون شرعيّة المسك بملفّات المسار الإنتقالي و لا يحوزون على صفة تخوّل لهم التفاوض نيابة عن الشعب و فرض إراداتهم و حساباتهم السّياسيّة ...و أكثر من هذا تكون جدولة المفاوضات والتنازلات لا تراعي إلاّ مصالح المتفاوضين و في إطار إملاءات لا تكون للشعب فيها حضورا إلاّ لاستعماله كأوراق ضغط من فلان ضدّ علاّن أمّا في ما خالف هذا فإنّه يبقى خارج المعادلة كلّها .... الغنّوشي بعد جولته المكوكيّة بين بعض العواصم و التي انتهت باللقاء الشهير مع غريمه السياسي قائد السّبسي – قائد قاطرة التجمّع المنحلّ في صورته الجديدة – هذا اللقاء الذي لم يتسرّب منه غير بعض التصريحات الضبابيّة حملت إشارات إلى توافقات مبدئيّة ، طبعا تحت ضغط الدول الرّاعية له ، هاهو يرجع إلى غريمه السياسي الثاني العبّاسي و الذي كان الى حدّ الأمس القريب تعتبره حركة النّهضة بأنّه لا ناقة له و لا جمل في السياسة كما وقعت شيطنة إتحاده و محاولات استبعاده من الصّورة بل ربّما صارت استحداثات لضرب هذا الإتّحاد و تقزيمه و اعتباره مؤسّسة لاغية في المستقبل عقابا له على تجاوز الخطوط الحمر و تجاوزه العمل النقابي إلى الإشتغال بالسياسة ...! الغنّوشي أنسته ضروريات السياسة و تكتيك المرحلة إلى إغفال كلّ هذه المعطيات و سمحت له بأن يتّخذ من العبّاسي – نديما – له في جولة من المفاوضات الجديدة . كانت الجولة الأولى من هذه المفاوضات التي خرج بعدها الغنّوشي ليعلن أنّه وافق على مقترحات الإتّحاد ،، و كانت ردود الفعل على هذا التصريح من أنصار النهضة و قواعدها قبل باقي الشعب ، ردودا كانت مصدومة و مرتابة ..! ايّا كان هذا التفاهم و أيّا كانت التنازلات التي رافقته فإنّ كثيرا من التساؤلات أصبحت تلقي بنفسها ، هل أفلس كلّ المسار الذي تلا الثورة و عقمت كلّ المؤسّسات المنبثقة عن الإنتخابات حتّى تخرج من دوائر قرار مصير الشّعب ؟ هل يبقى الشّعب برغم ثورة قام بها هو دون سواه و لا فضل فيها لأيّ من هؤلاء ، هل يبقى في حكم – القاصر –و لتبقى مسألة الحريّة و الكرامة و الرأي عناوين فضفاضة للإستهلاك الإعلامي ؟ هل كُتب على هذا الشعب أن يكمل مشواره ديكورا صامتا و - كمبارسا – أمام تطاحن المصالح الشخصيّة و الحزبيّة و الضغوطات الأجنبيّة ؟؟ و أخيرا أيّة مرجعيّة جعلت من الغنّوشي و العبّاسي يتحكّمان في تفاعلات سياسة البلاد و يحدّدان مستقبلها ؟؟ و لماذا ننكر هذا على غيرهما ، و إلاّ – حلال علينا حرام عليهم ؟؟؟