أبو مازن أخيرا أينعت ثمرات الحوار، فقرب قطافها ليسعد أهلنا الأخيار، ويهنأ التونسي في بلده بالاستقرار. لقد بدأ الحل يتشكل ولو بمقدار، فحملت الأقدار شيوخ القوم إلى دول الجوار، و مورست الضغوط فذللت العوائق والأعذار، وبقي المعتصم حائرا بين خسارة و انتصار، فانقطع عن إضراب جوع وبقي ينتظر القرار. لم تكن مبادرة الاتحاد في انطلاقتها مبدأ للحوار، بل كانت شروط الحلفاء على ألمانيا بعد الحرب والدمار، فتابعنا لأيام حوار الأخرس المتعنت مع الأصم الثرثار، وسئمنا سماع أصوات تعربد في الأخبار، فشل ذريع و تعيين بالولاء و تستر على الإرهاب واقتصاد ينهار. تعددت المقولات والقصد واحد: عجلوا بالرحيل فأنتم الأشرار، وهذه دولتنا العميقة أضحت محاطة بالأخطار. لقد كان الحوار فقرة من خطة للإطاحة بالمسار: إعلام يظلل و يشوش الآراء والأفكار، و معارضة تطالب بإسقاط المؤسسات المنتخبة بالحديد والنار، و حكومة تتقهقر و تتنازل باستمرار. قد كان يصبو الحوار إلي السيناريو المصري فلهم سيسي ولنا عمّار، و لكن الرياح تجري بما تشاء الأقدار، فيغرق مركب الرعب و الفوضى في أعماق البحار، وتنكسر مبادرات البغي والانتقاض على حكم الشعب فتنهار، و يطأطأ الاتحاد حائرا: كيف نرعى مبادرة لا تزيح أصحاب اللحي و لابسات الخمار، من المجلس التأسيسي و مؤسسات الدولة فنعود إلى الاحتكار. ولكن للجوار رؤى مغايرة ومخاطر جمة تهدد الاستقرار، فهناك من يخشى قوارب "الحرقة " لو عاودت الإبحار، وهنالك من يخشى تصدير الثورة والثوار، و آخرون باتوا مضطربين بين نظريات الديمقراطية و واقع الانقلابات لدى الأجوار، أيساندون بيدقا كان بأيديهم أم يقفون لجانب شعب مغوار؟ ربما تكون نتيجة الحوار غير منصفة لدى الثوار، ولكن المحافظة على استقرار الوطن تقتضي التضحية والبذل باستمرار، وليعلموا أن عدة حقائق باتت ثابتة في أذهان أهل الأرض و الديار: لم تعد في تونس فكرة متفردة بالحكم تقهر الأحرار، بل أضحت تمتلك ميزانا يتأرجح بين اليمين واليسار، و لم يعد فيها حجاجا يسجن و يقتل بسيفه البتار، بل كدنا نقترب لقول: قوّموني لو رأيتم في اعوجاجا يا أهلنا الأخيار.