بقلم : محمد كمال السخيري* "إن كنتَ غبيا فلا يعني أني أذكى منك وإن كنتَ ذكيا فلا يعني أني أغبى منك" هذا المثل من نظمي ويعود الفضل فيه إلى الشيخين "الجليلين" اللذين بعثهما الله عزّ وجلّ في هذا الزمن العصيب ليمسكا بناصية الشعب التونسي"المسكين ،العليل،الجائع، المتخلف، الجبان،ومتاع الكسكروت والخمسة دنانير...." ويخرجاه من عالم الجهلوت إلى عالم المعرفة ويسموا به من قمقم الديكتاتورية إلى منارات الحرية والديمقراطية ... !!!. والله أكاد أشكّ في المجهودات المبذولة من قبل الرباعي "الراعي" لما يسمى بالحوار الوطني إن لم تكن مسبقة "باقتسام الكعكة الباريسية" الأشهى والألذّ من "الفطيرة التونسية" وبضمانات مؤكدة من الشيخين "الجليلين" للوصول بالفرقاء السياسيين (المبتدئين أي المرسمين بالقسم التحضيري السياساوي) إلى قاعة الاجتماعات الكبرى بوزارة "حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية" وذلك لسبب بسيط جدا ألا وهو "من صاحب القرار في الأخير لانطلاق الحوار أو تعطيله أو إلغائه تماما؟؟" . ولكن الملاحظ الفطن لما يسمى بخارطة الطريق يلاحظ (وبكلّ تجرد) إقصاء كليا ومفتعلا مع "سابقية الإضمار والترصد" وتجاوزا واضحا لإحدى مهام "ساكن" قصر قرطاج وهي تكليف شخصية وطنية "بتشكيل" كدت أقول "بتشليك" حكومة جديدة (ويبدو وأننا الآن في فترة – ممن يراه صالحا - بعد تخلي حزب الأغلبية عن "حقه" في الاختيار حسب "المعاهدة السرية") ، فماذا بقي بعد ذلك لسيادة الرئيس المؤقت صاحب الصلاحيات "الصغيرونة التحفونة" ؟؟. ثمّ ألا يكون ما حصل سوى محاولة جهنمية لمناورة الخصم الذي بات في موقف ضعف خاصة بعد رفض حزبه الإمضاء على "معاهدة الشيخين" وأقصد بها "معاهدة باريس" (وتبّا للاستعمار الذي يخلف الاستحمار) بعد أن ضاقت بهما كلّ الفنادق والقصور والمنتزهات وحتى الأحراش التونسية، ولكن السؤال "الأغبى على الإطلاق" هو : ما رأي الرباعي "الراعي" والأحزاب "المتناحرة المتحاورة" لو تقدّم سيادة الرئيس المؤقت "المقدام" وقام برفع قضية للمحكمة الإدارية التونسية (المعروفة بنزاهتها وحياديتها لدى الرأي العام منذ الاستقلال بل هي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لم تطأها أيادي العبث) أو لمنظمة السيد بان كي مون موضوعها "فكّ شغب واسترداد حقوق"؟؟. إنّ كلّ ما سبق ذكره قابل للتأويل وحتى "التدويل" - وما أسهل ذلك في هذا الزمن الرديء – ولكنّ الأخطر من كلّ ذلك هو التالي : ماذا يحدث لو تمرّد بعض (أي ما يعادل النصاب القانوني أو يتجاوزه لسن القوانين أو تعديلها أو حذفها) أعضاء المجلس التأسيسي المنتخبين "بكلّ شفافية ونزاهة وديمقراطية لم يعرفها العالم عبر العصور" ورفضوا الموافقة على إملاءات الحوار الوطني وتحرروا من انتماءاتهم الحزبية وصوتوا بصفتهم "ممثلين للشعب" لا للأحزاب وذلك لأول مرة في تاريخهم النيابي وقد تكون الأخيرة وخاصة فيما يتعلق بالمسائل التالية: 1- تعديل القانون الداخلي للمجلس التأسيسي. 2- تعديل القانون المنظم للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. هذا في مرحلة أولى ولكن ما يخيفني أكثر (حتى وإن تمكنوا من تجاوز العقبتين السابقتين) هو رفضهم البات لمشروع الدستور المقدّم إليهم بعد تدخّل أطراف أخرى من خارج المجلس التأسيسي وهم "خبراء القانون الدستوري" وما أكثرهم في هذا المجال - في حين نفتقر ل "خبراء الزلازل" التي رجت العديد من الجهات هذه الأيام – وحتى إن قبلوا بمناقشته فرضا من يضمن لنا أن يصوتوا عليه منذ القراءة الأولى وإن مروا إلى القراءة الثانية من يطمئننا على أن يصوتوا على التعديلات المضمنة به بعد القراءة الثانية ولكن المخيف أكثر أن يصمم الأعضاء المحترمون على رفض حتى القراءة الثانية للدستور فمتى سيكون موعد الاستفتاء حينها إذن ؟؟ علما وأنّ خارطة الطريق تؤكد على أنّ الدستور سيكون جاهزا بعد أربعة أسابيع ولكن يبدو أن النسخة التي تحصلت عليها عبر الأنترنات كان بها خطأ مطبعي صارخ ولا يغتفر والأصح طبعا هو "بعد أربع سنوات" (واللي يحسب وحدو يفضلوا ويا من حضرني في باريس مع الشيخين راني شخت على الأقل بالضحك على النكت متاعهم على الشعب التونسي). بناء على ما سبق ذكره أعتقد جازما (وقد أثبتت الأيام كلّ توقعاتي وما نشرته سابقا بجريدة المغرب أكبر دليل على ذلك) أن نتائج الحوار الوطني ستكون حسب مزاج "الشيخين" وما ستفرزه "صلاة الاستخارة" لكلّ منهما و"حسب ما نواه" كلّ أخ لأخيه في الدين والوطن وما بقية المشاركين من الأحزاب الأخرى ليسوا سوى "عسكر زواوة" ولكن بمفهوم جديد حسب ما قرره "الشيخان" بباريس وذلك طبقا لما ورد برواية "الرباعي الراعي" عن "الشعب الواعي" عن " شقشق بقبق ابن طلع تربح" حيث سيكونون في النهاية "خارجين من الربح داخلين في الخسارة" والأيام بيننا عاجلا وآجلا (والفاهم يفهم). ختاما (وقد يكون هذا مقالي الأخير ولن أعود للكتابة حتى أستردّ تونستي يوما) دعوني أعزي نفسي وأخاطب تونس العزيزة دمعة الثكالى وشهقة اليتامى ووطني الحزين الجريح المضمخ بدماء شهدائه الأبرار عبر العصور : أنا اليوم غريب في وطني يا وطني وأنت غريب يا وطني في غربتي فما عرفتك اليوم وما عرفتني بعد أن قصب جناحيك الغرباء ... !!!