أبو مازن صدق أبو الطيب لما هجا العبيد و تطبّعهم بالذلّ و المهانة و الطمع، فكان كافور الاخشيدي ضحيّة من ضحايا شعره الخالد حيث قال فيه ابياته الشهيرة : أكلما اغتال عبد السوء سيده *** أو خانه فله في مصر تمهيد صار الخصيُّ إمام الآبقين بها *** فالحر مستعبد والعبد معبود نامت نواطير مصر عن ثعالبها *** فقد بشمن وما تفنى العناقيد العبد ليس لحر صالح بأخ *** لو أنه في ثياب الحر مولود لا تشتر العبد إلا والعصا معه *** أن العبيد لأنجاس مناكيد ما كنت أحسبني أحيا الى زمن *** يسيء بي فيه كلب وهو محمود ولعلّ العبودية التي قضت عليها الحضارة والتقدم والحداثة مازالت تراود البعض في تونس فيتمنّون رجوع سيّدهم و يتقرّبون عبر الاقمار الصناعية لصهره فيصوّرونه في أبهى الحلل ويسبّون الثورة وأصلها و فصلها وكأنّها ظلمت المستبّد و أخطأت في حقه. وددت لو تكلم أحدهم عمّا يفتقده من غياب أسيادهم : المال، القضيات المقضية، الحفاوة، المكانة الشعبية،...، لأنّ الشعب كافّة لا يؤمن بهذا الحبّ العذري لمن هرب و كشفته الكتب السوداء و الارشيف الاسود. كنا ننظر لأهل الرّياضة بمعزل عن السّياسة فنقدّر حسن أدائهم و تفانيهم في خدمة المريول الوطني ولكنّهم سقطوا بالتملق الذي أظهروه سابقا وكنّا نحسبه تحت الضّغط وأظهروه اليوم بكل صفاقة وقلة ذوق. ما يدفع لاعبا قديما معروفا و ممرنا لكبريات الجمعيات للتودد للمخلوع و قبيله ؟ بحثت طويلا في مخيّلتي و مخيّلة تراثنا العربي فلم أجد غير : العصا لمن عصا و من لم تؤدبه العصا فقد عصا، أو قد يكون تملق الحمقى حين يحسب الف حساب لسيّده الذي فارق الحياة فيمنّي النفس بعودته في المنام و الاحلام. يبدو أن التّجمع المحتضر وآلياته بدأت تتآكل و يصيبها الصّدأ بعد أن شارف اقصاؤه عن المشهد السياسي العلني العام الثالث، فالتجأ الي الرياضة وحرّك أدواته للعبث بها و استغلالها في مآرب التخريب و هتك ما تبقى من السلم الاجتماعي. فكيف لإعلام العار ان يترك ما حضّره المتآمرون على البلد من مخططات جهنمية لإذكاء عنف الملاعب فتسقط الأرواح و تخرب المنشآت، و يتابعون بكل اهتمام تصريحات من هرب متخفيا لنعلم ان أخطأ الكتاب الأسود لمّا أشار اليه ام صدق. اننا نرابط في تونس منذ نعومة أظافرنا وقد علمنا الطيّب فيها وعلمنا المسيء لها و عدّدنا سوءاته. و ليس لكتاب أسود أن يضيف أكثر مما نعلم ولكنه يوثق و يحفظ التواريخ التي تلخبطت من كثرتها. و على العبيد المتملقين ان يتركوا الغزل و الهيام بسيّدهم لأنّه هجرهم دون رجعة. فهو لم ينظر اليهم يوم فرّ من براثن الثورة ولم يلتفت الى حالهم وهو صاحب المال أينما حلّ يغدقه كيفما اراد و لكنّ العبيد لا تفقه معنى لذلك و لا تتجاوز الحواجز التي بناها السيّد المزعوم. علينا بالصبر و عدم الاكتراث بكلامهم فهم رعاع على رأي الامام علي كرم الله وجهه : النَّاسُ ثَلَاثَةٌ، فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ.