بقلم الأستاذ بولبابة سالم تحتاج البرامج السياسية إلى قدر من المهنية و الحرفية و خاصة الجدية المطلوبة في مثل هذا النّوع من البرامج , لكن مرّة أخرى يثبت معز بن غربية فشله في تنشيط برنامج سياسي و يقع في الإسفاف و السطحية والإبتذال . لقد اعتقدنا البارحة أننا سنتابع برنامجا سياسيا محترما يبحث في الشأن الوطني خاصة وهو يتزامن مع الذكرى الثالثة للثورة لكن يبدو أن البرامج السياسية مازالت بعيدة عن منشّطنا مهما تنطّع و ادّعى العلم بعالم السياسة المليء بالألغاز و يحتاج إلى كثير من المعرفة و الحكمة و الكياسة و تواضع العارفين . انتظرنا برنامجا يحتفي بالثورة في ذكرى انتصارها فإذا به يحوّل الأستوديو إلى منبر للتهريج تجاوز فيه ضيوفه حدود اللياقة و الأدب . كان بإمكاننا أن نجد الأعذار لمنشطنا لو كانت الحصّة ترفيهية حافلة بالتسلية و لها ناموسها الخاص و ضيوفها الخاصين أيضا مثل برنامج " لاباس " الذي يقدمه نوفل الورتاني , لكن , و على حد علمنا فإنّ " التاسعة مساء " هو برنامج سياسي يستقطب كغيره من برامج قناة التونسية الكثير من المتابعين , و حتى نسب استطلاع الرأي تؤكّد اختيار نسبة هامة من المشاهدين متابعة هذه القناة . انتظرنا محللين سياسيين و شخصيات اعتبارية تونسية و أجنبية تدرس الثورة التونسية تشخيصا و تقييما و استشرافا ليستفيد منها المشاهد و يثري معارفه و يدرك واقع بلده و آفاق مستقبله , فالفرصة مناسبة و لا شيء يمنع من الوصول إلى تلك الغاية إذا حضرت الفكرة و تجلّت الموهبة و غاب التنطّع و العنتريات الفارغة و الغرور المفضوح , و هل عناك عدوّ للإنسان أكبر من نفسه إذا غلبت النرجسية و تراكمت أخطاؤه دون مراجعة و تقييم . لقد قال عيسى عليه السلام : " من ثمارهم تعرفونهم " و نحن من خلال نوعية ضيوف البرنامج أدركنا التوجّه العام للحصّة فحضرت البذاءة و قلّة الأدب من أشخاص بعيدين عن عالم السياسة و لا يمكنهم السيطرة على سلوكهم و ألسنتهم و لا يفرّقون بين حديث الملاهي و حديث البلاتوات السياسية , لقد انسحب بعض الضيوف لشعورهم بالحرج و الإهانة بسبب ذلك المستوى الهابط و الألفاظ السوقية , فإن كنا لا ننكر حق النقد لرئاسة الجمهورية لكن ذلك لا يكون بذلك الأسلوب المقزز و المشين , يريد بن غربية أن يبحث عن الإثارة في كل برامجه و جعل حصّته حديث الناس مهما كان الثمن دون مراعاة لخصوصيات البرنامج فيقع في الخلط و الحشو و " التشليك " . يريد الإثارة و خلق الحدث ولو كانت بلادنا دون حدث يُذكر . لقد بدا الرّجل يغرّد خارج السرب و ظهر التخبّط و العشوائية على أدائه , في برنامجه "التاسعة سبور " مُدح رموز النظام السابق بطريقة مهينة لشهداء و جرحى الثورة { ما قاله معلول و خالد حسني خاصة } مما أثار غضب مالك القناة و جعله في موقف محرج بسبب عدم رغبة الرجل في التدخل في الخط التحريري , كما تابعنا في " التاسعة مساء " ذات ليلة انتقادات عنيفة لرموز النضال ضد الإستبداد { عبد الرؤوف العيادي } و شعارات جارحة ضد راشد الغنوشي في إحدى الحصص { ذكرى اندلاع الثورة 17 ديسمبر 2013 } , ثم يطلع علينا البارحة بشطحات غريبة تؤكّد فشله في إدارة البرامج السياسية بطريقة مهنية تحترم الضيوف و المتابعين لأنه لا يحسن إعداد حصّته بطريقة مهنيّة تحترم ذكاء المشاهدين و لا تنفّرهم من متابعتها . كلمة أخيرة لمقدمي البرامج السياسية : قد تختار ألاّ تكون محايدا لكن : كُن مهنيا و اجعل حرفيتك في حسن إعدادك لبرنامجك .