* : "نتائج هذه الحملة على الجزيرة سوف تبوء حتما بالفشل لاقتناع الجميع بأنّ الجزيرة أصبحت ركنا راسخا وهرما منتصبا في سماء الإعلام العربي" * الجزيرة ليست مشروعا إعلاميا بل هي مشروع سياسي اسلامويّ. على خلاف انتظارات اغلب الملاحظين التي دفعت في اتجاه فرضية تنقية الأجواء الدبلوماسية المتعكرة بين تونس وقطر على خلفيّة مواقف قناة الجزيرة خاصة عقب الزيارة التي أداها أمير دولة قطر بداية الأسبوع المنقضي لتونس والتي أثمرت توقيع اتفاقيات شراكة قُدرت قيمتها ب5 مليار دولار، وفي اتجاه معاكس تماما لترجيحات كل المراهنين على عودة الود التونسي القطري الى الاستقرار اندلعت، تزامنا مع زيارة الوفد الدبلوماسي القطري، حملة إعلاميّة كبيرة في تونس وفي بعض البلدان العربيّة توجه انتقادات لاذعة إلى قناة الجزيرة بلغت حد ما اعتبرته الدوحة تطاولا على القيادة القطريّة ومسا من هيبتها. هذه الحملة التي زحفت بتقدم الأيام على اغلب الفضاءات الإعلاميّة العربية، الرسمية منها وشبه الرسميّة لتفسح المجال أمام الاستنتاج بأن الحملة ليست سوى هجمة منسقة بين بعض النظم العربية تم التقت مصالحها على استهداف منبر الجزيرة. الحملة فسحت المجال أمام أقلام عديدة للاصداح بمواقفها المنتقدة لتوجهات القناة وخلفيّاتها المادية والايديولوجيّة في الوقت الذي انتصبت فيه بعض المنابر الأخرى للدفاع عن خطاب الجيرة واعتبارها خير بديل للشعوب العربية عن الخطابات الرسميّة التضليلية وأكثر مصداقيّة واستجابة لانتظارات المشاهد من الإعلام العربي الرسمي المتخشّب. الطريق الجديد حاولت استجلاء بعض المواقف المتنافرة لمجموعة من الإعلاميين التونسيين حول قراءتهم لخلفيات الحملة الإعلاميّة الرسمية على قناة الجزيرة وتوقيتها ومدى تأثير خطابها على شعبيّة القناة. * الجزيرة.. العدوّ المشترك يذهب البعض في تفسيرهم لاسباب تفجر الحملة ضد الجزيرة وتوسع انتشارها لتشمل عديد المنابر الإعلامية في بعض البلدان العربيّة خلال نفس الفترة وبنفس الدرجة من الضراوة الى وجود تنسيق عربي رسمي لعبت فيه تونس الدور الأهمّ فقد اعتبر أن الهجمة انطلقت بعد ان "فشلت الجهات الرسمية التونسية في اقناع الشيخ خليفة ابن جاسم بالتعديل في الرسالة التحريريّة للقناة بخصوص الوضع الحقوقي والسياسي بتونس، وذلك في ظلّ إصرار السلطات القطرية على استقلال القناة . فقد أعطت الجهات الرسمية العليا ضوءا أخضر لقناة حنبعل والأقلام المقربة منها لإطلاق الحملة" وفي نفس سياق دوافع اندلاع الحملة يرى أنه مرتبط أساسا باقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي "اذ باتت السلطات التونسية تخشى نتائج التغطية المكثفة للحدث وهو ما سيشكل ارباكا حقيقيّا لها" وبخصوص التنسيق مع بعض الأنظمة العربية الأخرى يرى رئيس تحرير "الوسط" أنّه "قد تم التنسيق مع السلطات المصرية التي ضاقت هي الأخرى باستقلالية القناة ومهنيتها في تغطية للحصار المفروض على غزة وغلق معبر رفح ,الى جانب مواكبتها لحراك المعارضة المصريّة في ظل تواتر الأنشطة الاحتجاجية المكثفة لكل من حركة كفاية والاخوان المسلمين والنشطاء المدونيين". وتمشيا مع نفس القراءة السابقة فقد عمدت السلطة الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة الى منع قناة الجزيرة من العمل في الضفة الغربية بعد اتهامها بالانحياز لحماس و"نفخها" في الضجة التي أثارتها تصريحات فاروق القدومي المتهمة لقادة حركة فتح بالضلوع في اغتيال الزعيم الراحل ياسر عرفات. كما عرفت الجزيرة التضييق على نشاطها في اليمن خاصة خلال تغطيتها للمواجهات المستمرة بين المتمردين الحوثيين وبين الجيش النظامي اليمني وقد تلقت الجزيرة اتهامات صريحة بدعم المتمردين الحوثيين. * الرأي والرأي الآخر حول أداء الجزيرة أثارت الحملة الأخيرة ضد قناة الجزيرة والقيادة القطرية جدلا كبيرا اختلفت فيه تقييمات خطاب الجزيرة ومنسوب المهنة والمصداقية الذي تتمتع به ,وقد اعتبر الصحفي بجريدة الوطن أنّ تقييم اداء أيّ مؤسسة اعلاميّة يتفرع إلى جزأين : تقييم على خلفية القيم والظوابط المهنيّة " وهنا لا يمكن التشكيك في مهنية قناة الجزيرة حيث تظهر حرفيّة واضحة في اداء اعلامييها، أمّا تقييم القناة من الناحية السياسيّة فلا يمكن القول أنّ القناة" بريئة"، فهناك أجندة واضحة بعض عناصرها ثابتة وأخرى متغيّرة ظهرت ملامحها في عديد المحطات، وهو رأي تقاسمه أكثر من مختص في مجال الاعلام، وقد جعلت هذه الأجندة الأداء العام للقناة منحازا في أحيان كثيرة " وقد اعتبر أنّ انحياز القناة لايبرر الهجوم عليها "لأنّ الرأي يواجه بالرأي والفكرة بالفكرة". أمّا جمال العرفاوي الصحفي بجريدة الصحافة ومراسل موقع المغاربية الالكتروني فقد رأى أنّ المسألة لا تتطلب محاكمة خطاب وتوجهات الجزيرة لأنها باختصار ليست قناة عموميّة تلفزيّة تونسيّة، أمّا بخصوص قناعاته الشخصية يعتبر العرفاوي أن الجزرة "قناة اخوانيّة بامتياز والأعمى وحده لا يرى ذلك" وأضاف العرفاوي مدعما رأيه " غالبية صحفي القناة حتى اليبيراليين منهم يمارس قناعاته خفية" وبالتالي فان"الجزيرة ليست مشروع اعلاميّ بل هي مشروعا سياسيّا اسلامويّ " رأي الصحفي جمال العرفاوي هذا دحضه موقف الصحفي محمد كريشان من الهجمة العربية الرسمية في مقال عنونه ب"موسم الهجوم على الجزيرة" حيث تطرّق إلى أجواء الحوار والنقد الذاتي التي تميز العمل في القناة قائلا: "لعلّ ما لا يعلمه كثيرون أنّ العاملين في القناة هم الأكثر صرامة في نقدها خلال اجتماعاتهم وهيئاتهم وبحضور كبار المسؤولين دون تردد أو مجاملة". وفي نفس التوجه الذي نحاه الصحفي العرفاوي اعتبر نزار بهلول صاحب موقع "بزنس نيوز" الاقتصادي أن قناة الجزيرة ه بصدد جعل مجمعاتنا أكثر أصولية" وتشددا " ، أما بخصوص المصداقيّة فقد اعتبر الصحفي أن "مصداقية القناة تحوم حولها الكثير من الريبة لأنّ جميع الأنظمة قد استهدفها هجوم الجزيرة حول وضع الحريات باستثناء دولة قطر" وقد أكد نزار بهلول أنه لا يساند الهجمة على الجزيرة في حد ذاتها بل يخير ان يتوقف دور القناة ومن يمولها على الوظيفة الاخبارية للشعوب وليس توجيه الرأي وتمرير الخطاب . * صراع المصداقيّة والسباق إلى ثقة الشعوب هل يمكن ان تنجح الحملة الاعلاميّة الرسمية الموجّهة ضد الجزيرة في زعزعة ثقة الجمهور التونسي والعربي في خطاب القناة وهل يمتلك أصحاب الهجمة الاعلامية على الجزيرة رصيدا من المصداقية بديلا اعلاميا واضح المعالم يمكن ان يجعل المشاهد العربي في غنى عن الجزيرة؟ أسئلة تطرح بالحاح عند البحث في أفق الحملة التي تشنّ ضد الجزيرة واهدافها وما اذا كانت مجرد حملة سياسية انفعاليّة أم هي حملة تشويهية تهدف بالفعل الى تنفير المشاهدين من متابعة القناة محمد الفوراتي الصحفي بجريدة الشرق القطريّة اعتبر في هذا السياق أن "هذا الهجوم ليس الأول ولا الأخير من قبل منابر تحركها أطراف رسميّة لا تتمتع بأيّ مصداقيّة لدى الشارع في مقابل ازدياد شعبية الجزيرة كلما ارتفعت وتيرة الهجوم عليها". كما اعتبر الفوراتي "أنه في ذات الوقت التي تزداد فيه شعبية الجزيرة تتقهقر في مقابل ذلك مصداقيّة وحضور الفضائيات العربية الرسمية وشبه الرسمية بسب ممارستها للشعوذة والتعتيم والتخدير. أمّا بخصوص الحصة التلفزية التي بثت على قناة حنبعل الخاصة والتي خصصت للتهجم على قناة الجزيرة فقد قال الفوراتي:ما يحزّ في النفس أن الضيوف وقع اختيارهم بطريقة شللية وبطريقة مدروسة وبدون اي مهنيّة حتى جاء نعيقهم من طرف واحد وغاب الرأي الاخر ولكن في مقابل ذلك تحرص قناة الجزيرة في كل خبر يتعلق بوضع الحريات وحقوق الانسان في تونس الى دعوة ممثلين عن الحكومة على غرار برهان بسيس وبوبكر الصغير..فأين المهنيّة يا حنبعل؟ وأين الرأي الاخر في البرنامج؟ وفي نفس الاتجاه اعتبر الصحفي المرسل أنّ "نتائج هذه الحملة على الجزيرة ستبوء حتما بالفشل , بل انها لن تغير اطلاقا في اتجاهات الرأي العام العربي والاسلامي لاقتناع الجميع بأن الجزيرة أصبحت ركنا راسخا وهرما منتصبا في سماء الاعلام العربي , في ظل النجاحات المتتالية والسبق الاعلامي الذي حققته.. فالحملة ستعطي بالتأكيد مفعولا عكسيا وستجذر اهتمام الرأي العام أكثر بما تقدمه من مواد اعلامية دسمة وهامة من حيث الشكل والمضامين " وفيما يتعلّق بمدى قدرة الاعلام التونسي على الاسهام في مواجهة السطوة الجماهيريّة لقناة الجزيرة وتحويل وجهة مشاهديها وصرفهم عن خطابها لم يخف الصحفي جمال العرفاوي عدم رضاه على الإعلام لتونسي وتخاذله في لعب مثل هذا الدور حيث قال :" مشكلتي هي إعلامنا التونسي وخاصة البصري منه فنشرات الإخبار عندنا متخلفة جدّا وتديرها عائلة وهو أمر محير حقّا..فهل يعقل أنّ تقدم نشرة الإخبار زوجة رئيس التحرير، فأخلاقيا هذا غير جائز خاصة في التلفزات التي تحترم نفسها، والمطلوب الآن إعادة النظر فيما تقدمه تلفزتنا من مادة إخبارية خاصة ونحن مقدمون على مرحلة هامة من تاريخ تونس وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعيّة . توفيق العيّاشي