بقلم: شكري بن عيسى (*) المجزرة التي اقدم عليها صباح اليوم الكيان الصهيوني الغاصب للاراضي العربية تعتبر من بين الافضع في تاريخ النزاع العربي الصهيوني، وتقاس بمجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا في الوحشية والضخامة، العدد وصل الى حد اللحظة قرابة ال60 شهيدا و250 جريحا، والعدوان كان بالمدافع والطيران واستهدف المنازل وكان اغلب الضحايا من الاطفال والشيوخ والنساء. طبعا الاحتلال طبيعته البربرية وتاريخه الدموي يفسر بجلاء هذه الجريمة البشعة، فالكيان الاحتلالي غاصب وقائم على القوة والعدوان وسفك الدماء، وغزة كانت بعد الانسحاب الصهيوني منها في 2005 عرضة للعدوان المتواصل استعملت فيه افضع الاسلحة بما فيها اليورانيوم المخصب والقنابل العنقودية في سنتي 2008-2009 و2012، ولكن هذه المرة كانت المجازر الارهابية اكثر بسبب الفشل العميق في تحقيق الاهداف وتكبد خسائر بشرية ومادية ومالية ومعنوية عالية جدا. المقاومة الباسلة في غزة بكل فصائلها اثبتت انها تقود ملحمة النصر المظفر، وتحدت ببطولتها كل العوائق الكبرى، والخذلان والتآمر والتواطؤ والخيانة التي واجهتها، ومنذ الهجوم البري قبل يوم، حققت ضربات موجعة للعدو الصهيوني وانجزت عمليات نوعية من طراز ضخم. القسام وسرايا القدس الحقت خسائر فادحة في الارواح في صفوف الجيش الاسرائيلي الجبان في مواجهات مباشرة عبر مجموعة من الكمائن المحبكة قضت على اكثر من 50 بين ضابط وجندي صهيوني (30 حققتها حماس و20 سرايا القدس) والحقت ضربات موجعة باقوى لواء عسكري للعدو "اللواء جولاني" الذي سقط قائده ونائبه باصابة خطيرة، وبلغ عدد الاصابات في صفوف العدو قرابة 60 بينهم 11 اصابة خطيرة. العدو اعترف على كل الى حد اللحظة بمقتل 7 من جنوده وباصابة قائد "اقوى" الويته. هذه الخسائر الفادحة في وقت قصير اذا ما انضافت للخسائر الكارثية في قلب "اسرائيل" بين ذعر وانهيار اقتصادي وامني ومالي ومعنوي، وصواريخ وصلت اخر حد للاراضي المحتلة، اظهرت الانتصار النوعي للمقاومة، ادخلت العدو في حالة تخبط وهستيريا، وكان منتظرا ان لا تمر دون انتقام عشوائي عبثا ضد المدنيين والبيوت والمدارس من الكيان الغاصب ليشفي غليل وحشيته ويقدم شيئا معنويا لجنوده المنهارين وللصهاينة الذين كانت صعقتهم كبيرة، ولم يكف قبل يومين تصفية الاطفال بشاطىء غزة على مرأى من جميع كاميرات العالم، لتنطلق الآلة العسكرية العمياء لارتكاب مجزرة اليوم في استنساخ لمجزرة "قانا" في جنوبلبنان سنة 2006 لما فشل الكيان المحتل في كسر ارادة المقاومة الجبارة. هذه الجريمة البشعة تمثل جريمة ابادة وجريمة حرب بموجب القانون الدولي، ولكن "اسرائيل" اليوم امام في غياب اي محاسبة وامام وضع الحماية والدعم الذي تلقاه من الحليف الامريكي الاوروبي وامام حالة الصمت الدولي عامة والعجز العربي خاصة بل التواطؤ من الاجوار، وجدت حصانة وافلاتا متواصلا شجعها على الامعان في جرائمها ضد الانسانية وفي استعراض دمويتها ووحشيتها، التواطؤ ايضا جاء على لسان كثير من "النخب" و"الاعلاميين" العرب ومنهم حتى في تونس الذين رموا بالمسؤولية على حماس وفصائل المقاومة، هؤلاء طبعا لا يمكن تصنيفهم الا شركاء في الجرائم الصهيونية. الكيان الصهيوني منع كل المساعدات واستهدف سيارات الاسعاف المتجهة لانقاذ المصابين بل استشهد احد طواقم الاسعاف واحد الصحفيين هذا الصباح، وما زاد في اطلاق العدو لوحشيته هو الموقف المخزي المصري والفلسطيني الرسمي بعد حال البرود من السلطة الفلسطينية ازاء حمامات الدماء الفلسطينية واستمرار التنسيق الامني ومنع المظاهرات المساندة للمقاومة وحال التحامل الواضح من مصر سلطة واعلامها وتوابعها على المقاومة التي تخوض معارك طاحنة بشرف وكبرياء. المقاومة ظاهر انها اعدت العدة والعتاد للمعركة الحاسمة ويبدو انها هي من يطلب مزيد المواجهة ولو انها في وضع عددي وعسكري لا يقارن باكبر الجيوش في العالم ولكنها تحقق انجازات غير مسبوقة وفي اتجاه تغيير قواعد الصراع لفائدتها. اليوم ليس مطلوبا من العرب الشرفاء من الحقوقيين الا توحيد الجهود لفضح الجرائم الصهيونية ونشر القضايا الدولية وملاحقة المجرمين محليا ودوليا، ومن الاعلاميين الدفاع بشراسة عن القضية، ومن الاطباء التبرع والتنقل بكثافة لمد يد المساعدة، ومن مهندسي الاعلامية تحقيق الاختراقات الاعلامية للمواقع الصهيونية وتعطيبها، الدعم المالي طبعا مطلوب من الجميع من اجل تمكين اخوتنا في الثغور من الصمود وتكبيد العدو مزيد الخسائر، في انتظار كسر شوكته النهائية، الدعم الميداني من خلال المظاهرات والندوات والتظاهرات الفنية من اجل النفير العام ستكون اثاره كبيرة وحاسمة في نتائج المعركة. المقاطعة الاقتصادية لبضائع العدو وللشركات التي تتعامل معه في كل انحاء العالم اصبح اليوم واجبا مقدسا وهو عالي الفاعلية لكيان يعتمد على قوته الاقتصادية، اما تفكيك شبكات التطبيع الداخلي وطنيا الثقافية والاكاديمية والتجارية والفنية والرياضية وكشف اعضاءها فهو في صلب مهمة مواجهة حركات الخيانة والتآمر. لن نطلب من الرسميين في تونس الكثير فنحن نعرف خنوعهم ومقاراباتهم المصلحية ولكن هناك ثلاثة امور نطلبها اليوم بالحاح: اولا- نصين ترتيبين منشوران في الرائد الرسمي سنة 1996 يقضيان بفتح مكتب تجاري للكيان الهيوني بتونس ومكتب لتونس بتل ابيب، وجب استصدار نصوص ترتيبية تلغيهما فورا، ثانيا- هناك مبادرة عربية لا تزال نافذة منذ قمة لبنان سنة 2002، وتونس طرف فيها، وجب سحب دعم تونس لها ايضا فورا، ثالثا- هناك مشروع قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في رفوف المجلس التاسيسي، بعد رفض الفصل 27 من الدستور في الصدد، وجب اليوم اخراجه واستعجال النظر فيه والمصادقة علية في اضعف الايمان لدعم المقاومة.