أبو مازن انتهى ‘كونجي‘ الاتحاد و غادر قلاعه ثم جاس خلال القطاعات العامة والخاصة داعيا اياها للإضراب والاحتجاج بسبب أو بدون سبب، ففي قطاع الصحة نفذ اضراب عام ليومين وفي قطاع التعليم كادت العودة المدرسية أن تتعطل لولا المسارعة للزيادات والمنح و الحوافز و نحن لا نعلم ان كانت الدولة التونسية مازالت قادرة على الوفاء بتعهداتها والتزاماتها المالية في ظل السعي الى تعطيل آلة الانتاج والزج بالبلاد في موجة من الاحتجاجات العمالية و الاضطرابات الاجتماعية. وفي قطاع النقل أجّل أعوان السكك الحديدية بقفصة إضرابهم لموعد لاحق حتى يعطلوا نقل المسافرين والفوسفاط لأيام قادمة، وفي الاسبوع المقبل أيضا نادت نقابات تجميع الحليب بالإضراب العام ولا زالت الأيام المقبلة حبلى بالمواعيد المعطلة للعمل وللآلة الانتاج. هذه قطرة من فيض يا حكومة التكنوقراط فتجلدوا بالصبر والثبات و لاتغرنكم حدّة التفاوض و عناد المفاوض، لن يرضى النقابي مهما طرحتم من حلول و مقترحات ان كان المراد تعكير المزاج الاجتماعي والكسب السياسي لطرف ما فيتعثر المسار الانتقالي في آخر خطواته. ان دعوات الاضراب والاحتجاج المنطلقة من هنا وهناك هذه الايام تعد دغدغة بسيطة لحكومة التكنوقراط المترنحة تحت وصاية الرباعي الراعي للحوار و الأحزاب النافذة الى الادارة التونسية. قلبي مع السيدة الوزيرة كربول ما تراها فاعلة لو لم توقع على اتفاقية الزيادة في الأجور في جويلية الماضي ونفذت نقابات السياحة و وكالات الاسفار تهديداتها و عطلت الموسم السياحي فتعلم سر الفشل الذي أصاب سابقيها، أسفي على وزير التربية الذي لم يكد يعلن تمسكه بتاريخ العودة الجامعية حتى ارتفعت رايات التهديد والوعيد فخرّ مسالما يعتذر للنقابات ويطمئنها على الزيادات ومنحة المشقة التي يعيشها الشعب بأسره دون أن يحصل عليها. حزني وألمي يطال وزارة التعليم العالي التي تفاوض هذه الأيام أعوان و موظفي المخابر حتى تجنب تعطيل الدروس التي انطلقت منذ يومين. كل كفاءاتنا الذين دعوا لتشخيص فشل الحكومة السابقة الذي أقره اعتصام الرحيل راحوا يقلبون مناجد وقواميس السياسة و تاريخ الثورات فلم يجدوا أثرا لنقابات مضربة في وضع انتقالي. قد يعذر الاتحاد بالأمس لما هاج وماج وسجل الارقام القياسية في الاضرابات و الاعتصامات، ربما كان ذلك لقلة دراية بمدخرات البلاد واستجابة للضغط العمالي الذي حاول تأمين منابه من الثورة قبل فوات الأوان، فقد قاد الاتحاد بهياكله و تنظيماته العمالية ما يناهز الأربعين ألف اضراب في ظرف قاس و بطريقة قياسية ولكن الدولة لم تنهار. ولكن لا عذر اليوم لاتحادنا ‘المعظم‘ الذي اطلع عن كثب أيام الحوار الوطني عن الوضع المأسوي للبلد و عن الحالة الاقتصادية والمالية للدولة التونسية. لقد زال العجب و تيقن من صعوبة الوضع وخطورته فما باله يعاود التهديد والوعيد و يدمن عن الاضراب بعد توبة لشهور أراحت البلاد و العباد من الفتنة والفوضى. لن يعذر الاتحاد هذه المرة ومكتبه التنفيذي الذي أكد على حياده تجاه الانتخابات المزمع إجراؤها لو عاود نفس الصنيع و جازف بتعطيل الآلة الاقتصادية تحسبا لعودة الترويكا للحكم أو أحد أطرافها أو استجاب لأصحاب الأصفار الذين حتما سيجمعون نفس الأصوات بعد أن علم العام والخاص فراغ جعبتهم من البرامج و تعويلهم عن الفوضى وهم الذين لا يحسنون إلا التنظير و الانتقاد في منابر القنوات التلفزية. هل تصمد حكومة الكفاءات في آخر أيامها وهل يعود الاتحاد عن غيه ويترك البلاد في استقرار و طمأنينة أم ترى أياد خبيثة تحرك الارهاب الداعشي تارة و الاضراب تارة أخرى كلما أحست بخطر الزوال والتنحي من موقع القرار؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام االقادمة.