لا يشك أحد بأن سوريا محكومة بمنطق الربيع العربي و أن ثورة الشعب الشامي العظيم لا بد أن تؤتي أكلها شاء الظالم أم أبى، أزبد أوباما كذبا أو سكت ركبت "اسرائيل" موجة الانتقام من معسكر الممانعة أو انتظرت اتجاه الريح التي هبت بعد طول انتظار لصالح الشعوب. هذا القدر المحتوم نحو التغيير. الذي أجرى أحكامه بكل من تونس ومصر وليبيا ثم اليمن، و في الطريق إن شاء الله البحرين والمغرب والجزائر يجد عراقيل جمة لتحقيقه، إذ كل يوم تتراكم العقبات فلماذا هذا الغشاء الذي غطى على الموج الحامل لما ينفع الناس . أولا يجب الإشارة إلى أن قدر سوريا لم يختلف عن قدر كافة البلدان العربية التي عاشت قرابة نصف قرن من الزمان تحت حكم مستبد غاصب غير أن النظام البعثي القومي السوري تغطى لكي يضمن استقراره "بولائه للممانعة" و"الرفض للسياسة الغربية" بإرساء الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على أساس حماية الكيان الصهيوني بل و الولاء له. وعلى هذا الأساس، وجدت حركة حماس الفلسطينية و حركة الجهاد الإسلامي في دمشق الملجأ الأخير بعد أن لفظتهم العواصم العربية كافة، تلك المهرولة إلى بيت الطاعة ولا شك في مقدمتهم إسرائيل و الولاياتالمتحدة و الكثير من بلدان الأوروبية و خاصة فرنسا و بريطانيا.
كما صنع لها أعداء لدودين بالمنطقة هم أساسا أذرع السياسة الامريكية فيها وبالخصوص المملكة العربية السعودية وقطر ومعظم بلدان الخليج. وهذا ما يفسر النشاط المتقد السعودي والقطري على المستوى العربي والدولي لإذاية نظام بشار. ليست حبا في الديمقراطية فهي الغائب الوحيد في بلدانهم التي تعيش أصلا استبدادا سياسيا متفاوتا قد يبلغ في بعض الأحيان حدا مرعبا بل نكاية في هذا النظام الذي ركب رأسه لعشرات السنين سائرا ضد تيار التطبيع والأمركة للمنطقة بأسرها. وهذا ما يفسر كذلك الهبة الغربية والأمريكية والصهيونية للدفع بعجلة الأممالمتحدة ومجلس أمنها نحو أقصى حد من الضغط للتعجيل بخلق الفراغ المرجو بسوريا ومن ثمة القفز لملئه كما حدث بالعراق وعندها سيكون العرب كافة وليس السوريون فقط أول الخاسرين وتكون الضربة القاصمة لمسلسل انفجارات بركان الغضب الشعبي العربي الذي أذهل العالم وفاجأ أجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية التي تدعي قيادة العالم. أما المعارضة السورية بكافة ألوانها فهي بين سندان حاجيات الثورة ورحى هذه الأطراف الخارجية التي ركبت الموجة ليس حبا في السلام بل رغبة في الانتقام ووضع اليد على الربيع العربي. ومنذ بدأت الثورة رأينا جزءا من المعارضة يستميت في سبيل ارساء أليات معقولة للتغيير أخذا بعين الاعتبار المعطى السوري الخاص، كما أخذ الوضع اليمني في الاعتبار في الخطّة الخليجيّة ، عبر أليات الحوار والتفاوض والانتقال التدريجي نحو برّ الأمان، ومن ثمّة تحقيق التغيير التام دون دفع الثمن الباهض من دم وأرواح الشعب. ولعلّ أبرز من في هذا التيار الدكتور هيثم المناع ولجنة التنسيق السورية، إلى جانب جزء كبير من حراك الداخل. أمّا الجانب الآخر من المعارضة والممثل في المجلس الوطني السوري برئاسة المفكّر برهان غليون وعضويّة الاخوان المسلمون فقد ركب أعلى ما عنده ولوّح منذ فجر الثورة بالاستعانة بالخارج عبر الأمم المتحدّة وغيرها لإجبار النظام على حلّ نفسه والانتهاء هكذا دون الافصاح عن أليات الانتقال ولا عن فاعلية ودون اللجوء إلى الأدوات المعروفة والمتبعة في كلّ أنحاء العالم في هكذا مواقف. ففي الحروب والثورات حتى تلك الأشدّ راديكالية ودموية كانت موائد المفاوضات والوساطات المباشرة وغير المباشرة من أشدّ أدوات العمل قوّة وعطاء. أمّا في الحال السوري فكأنّما الفيتو الأمريكي قد حرّم على هذه المعارضة مبدأ التدرج وأدبيات التفاوض وخذ وطالب على رأي المرحوم الحبيب بورقيبة. والنتيجة أن النظام أصبح محكوما عليه بالمراوحة في موقفه الجامد تجاه المعارضة التي ترفض التفاوض معه بأي شكل و بأية طريقة كما حكمت المعارضة بمنطق بالغ في الشدة و ابتعدت عن المرونة الدبلوماسية التفاوضية و أصبحت ترى في التعامل مع الحالة و الواقع "خيانة"، و أن السليم هو تزكية النار لإطفائها و الزيادة في خرق السد المهدد للجميع بالغرق عوض سده والتقليل منه. أين العقل إذا ؟ ولماذا كانت المبادرة الخليجية على أقصى حد من المرونة إلى درجة إعطاء حصانة كاملة لعلي عبد الله صالح في الدم اليمني، وعكس ذلك تبدي تشددا منقطع النظير تجاه أسد سوريا. ببساطة لأن علي عبد الله صالح عميل للغرب والموساد وصديق للمملكة العربية السعودية بينما صنف بشارعكس ذلك، و كلاهما سفاح يستحق القصاص العادل. أما الضلع الثالث في اللعبة فهي إيران و موقفها المتحرك تجاه الأحداث. بدأت بإبداء الحماية لنظام الأسد لأنه عضو في نادي الممانعة مع حزب الله وايران ثم لتصل مع اعلان مرشد الثورة لعبد الله شلح الذي زار طهران منذ أيام، عن دعم ايران الكامل لحقوق الشعب السوري و الضرورة الحتمية للتغيير مع التذكير بما يتربص بالبلد من مخاطر مصدرها أولئك الذين يهتزون شوقا للانتقام ويحلمون بتدنيس الشام كما دنسوا يوما ما العراق، ولئن كان هذا الموقف متاخرا ولكنه جد مهم في هذه المرحلة لما نعلمه من تأثير ايران على نظام الأسد وحاجة هذا الأخير لدعم البلد الوحيد القادرعلى قلب الموازنة ان شاء الله. ولعمري كان الموقف الروسي رهين بالموقف الايراني اذ لا يخفى ما لهذا البلد من مصالح عسكرية واقتصادية في بلدان "الممانعة" وفقد هذه المنطقة لصالح الولاياتالمتحدة سيكون كارثيا لها، خاصة لقطاع تصنيع السلاح الروسي الذي يدر مئات ملايين الدولارات سنويا لتغطية احتياجات هذا الحلف. في هذا الحقل من الالغام والتزاما صادقا بنداء شهداء الثورة السورية الباسلة أرى ان الحل يكمن في الآتي. 1- ان التعامل العاطفي مع نظام قائم على الاندماج التام بين السلاح والايديولوجيا والعائلة ليس من الحكمة في شيئ. 2- لا مناص من التحديد الدقيق لمفهوم العدو والصديق في هذه الأزمة، فليس كل ناعق، خطيب ولا كل راقص صوفيا صافيا. 3- ان سوريا في الزاوية الاستراتيجية مربط الجمل للجميع وحجر الزاوية للقضية الفلسطينية وانفراط العقد السوري سيكون كارثيا للجميع بما في ذلك الدول الخليجية التي تدعو للديمقراطية والحرية في سوريا وتهتك عرض شعوبها المستبعدة داخليا. إن من مصلحة ايران أن تصطف نهائيا مع الشعب السوري وأن تسعى بإخلاص إلى إيجاد الآليات النافذة الحقيقية لصون دماء إخواننا السوريين، ولعمري إن ذلك ما يدعو إليه الدين الإسلامي الحنيف وداعي الاخوة الإسلامية. ولعمري إن أي موقف مخالف لهذا لهو خيانة لفلسفة الثورة الإسلامية وانحياز للباطل وهو ما لا نرضاه ولا يرضاه الشعب الإيراني. إن المعارضة التي تسير على وقع نقرات الاتحاد الأوروبي وأمريكا لا تجهل أن من شأن ذلك إبتعادها عن المفيد لشعبها وبما أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة وأول الغيث قطرة فلم هذا الإعراض التام على ركوب مراكب التفاوض وحتى التحاور بشرط أن يؤدي ذلك للتغيير المأمول.في تصوري إن ذلك من صميم الفهم والعمل بالسنن القائمة على مبدأ التدرج وبما أن السياسة تعرف بكونها فنّ الممكن فلماذا هذا الاستئساد في العربدة الإعلامية والفراغ التام في تحقيق النتائج المرجوة وعليه وجب الرجوع إلى كراس شروط النجاح والبدء فورا بإحداث خروقات في هذا الوضع الراكد عبر القبول بالوساطات الجادة والجلوس حول طاولة المفاوضات بحضور وسطاء جادين ومحبين لسوريا، وإني أجزم قطعا أن الفضاء الأوروبي وأمريكا وإسرائيل ليسوا ولن يكونوا يوما وسطاء خير. وأخيرا أرجع إلى رأي الدكتور المنصف المرزوقي أول رئيس عربي منتخب والذي جعل من ضمانات الوصول إلى بر الأمان في سوريا القطع مع العمالة للخارج ورفض التدخل العسكري لأن ذلك سيوصلنا لا قدر الله إلى نهاية الربيع العربي وبداية الربيع العبري الأمريكي. حمى الله الشام وأكناف الشام وهدى الله الجميع إلى ما فيه خير أبطال الشام الأشاوس.