تعيين سفير في اندونيسيا    عملية صيانة كبرى في نقل تونس    استراتيجية تأمين الامتحانات    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    وزارة الداخلية تشرع في استغلال مقر جديد متطور للأرشيف    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    القبض على 24 منفّذ "براكاج" بالأسلحة البيضاء روّعوا أهالي هذه المنطقة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد المجيد الصحراوي يروي شهادته على الأحداث
نشر في الشعب يوم 06 - 02 - 2010

انخرطت شخصيا في العمل النقابي وبدأته شابا في الوقت الذي عرف الاتحاد خلاله قفزة نضالية نوعية تمحورت حول تحقيق جملة من المطالب المادية والأدبية للعمال وحتى الاقتصادية والسياسية لبقية الفئات أهمها مقاومة الاحتكار في القطاع الخاص ووضع حد لسوء التصرف في الأملاك العمومية والحد من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للعمال والدفاع عن كرامتهم والدفاع عن استقلالية الاتحاد ورفع الوصاية عنه من طرف الحزب الحاكم والمطالبة بالحريات العامة والفردية، ولئن أمكن تحقيق عديد المكاسب الاقتصادية والاجتماعية في ظل سياسة التعاقد الاجتماعي فإن النصف الثاني من السبعينات اتسم بازدياد التوترات الاجتماعية وارتفاع نسق الإضرابات (من 25 إضرابا في سنة 1970 إلى 452 إضرابا سنة1977 ) وكلها مطالب ونضالات أدّت إلى استقالة الأخ الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب تجسيما لتوجهات تلك المرحلة ومقتضياتها.
في هذا الإطار لعب عمال الشركة التونسية لصنع السيارات "ستيا" التي كنت أنتمي إليها شانها شأن عمال عديد المؤسسات والقطاعات الأخرى كالتعليم الثانوي والأساسي والمعادن والنسيج دورا أساسيا في تفعيل العمل النقابي بجهة سوسة وفي دفع بقية القطاعات للمساهمة في النضالات النقابية التي خاضها الاتحاد في جميع أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد لا زلت أتذكر تلك الأحداث الدامية التي جدّت أوائل اكتوبر 77 بمدينة قصر هلال والتي انطلقت من مؤسسة SOGITEX للنسيج حيث توقف العمال احتجاجا على سوء التصرف بالمؤسسة الذي اكتسى بعد ذلك طابع الإضراب الشامل وردا على هذه الحركة النضالية التي كان بالإمكان معالجتها بطريقة أخرى هوجم العمال من طرف قوات النظام العام ووقعت اصطدامات عنيفة عمّت كافة المدينة ونتيجة لذلك نشأت الحركة التضامنية في عديد المؤسسات المجاورة في صيادة وبوحجر والمكنين وغيرها مما أدى إلى تدخّل الجيش واعتقال العديد من النقابيين والعمال.
وفي نوفمبر 1977 اجتمعت الهيئة الإدارية الموسعة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وقررت الإضراب العام كامل يوم 9 نوفمبر احتجاجا على التهديدات بالقتل الموجهة ضد الأخ الحبيب عاشور وضد عدد من النقابيين في الجهة.
وقد انطلقت واقعة التهديد بالاغتيال بالمقهى العتيق بنزل القصر بسوسة مما خلّف ردود فعل كبيرة بإعلان عديد الإضرابات الاحتجاجية المماثلة في عديد القطاعات والجهات وقد سارعت السلط إلى تطويق الحادثة بالقبض على مطلق التهديد وإحالته على المحكمة حيث نال عبد اللّه المبروك الورداني المتهم بالتهديد بالاغتيال 4 أشهرا ونصف سجنا.
من جهة أخرى تمت العديد من الإيقافات في صفوف العمال بتهمة إحداث أضرار بالممتلكات أثناء المظاهرة التي انتهت بمحاكمة العديد منهم في 21 جوان 1978.
وفي 18 نوفمبر 1977 انعقدت الهيئة الإدارية الوطنية وأصدرت نداء إلى السلط العليا بالبلاد وخاصة إلى رئيس الدولة من أجل تدارك الوضع قبل فوات الأوان وقد قررت الهيئة الإدارية دعوة المجلس الوطني للانعقاد وإلى اتخاذ قرارات حاسمة إن لم تقع الاستجابة إلى نداء الاتحاد المتعلق بإخراج البلاد من الأزمة بصورة سلمية.
لكن للأسف ما من أحد استمع إلى نداء الهيئة الإدارية، بل كان رجالات السلطة منشغلين بقضية أخرى يتنازعون عليها فيما بينهم وهي قضية الخلافة وتسبب الموقف من الأزمة في شرخ داخل السلطة الحاكمة فانقسمت إلى نصفين حول التمشي الأنجع لمعالجة الأوضاع، وتفجرت الخلافات بصورة شبه علنية منذ ديسمبر 1977 عندما تم إعفاء الطاهر بلخوجة من مهامه كوزير للداخلية في 23 ديسمبر وبصورة غير مألوفة حيث كان خارج تونس، وتم تنصيب عبد الله فرحات كبديل له واستقال ستة وزراء دفعة واحدة من حكومة الهادي نويرة (عبد العزيز الأصرم من وزارة الاقتصاد، الحبيب الشطي من وزارة الخارجية، ومنصف بلحاج عمر من الكتابة العامة للحكومة، ومحمد الناصر من الشؤون الاجتماعية والمنجي الكعلي من وزارة الصحة، وأحمد بنور من منصب كاتب دولة.
وفي 8 و 9 و 10 جانفي انعقد المجلس القومي للاتحاد في نزل أميلكار برئاسة الحبيب عاشور.
وأشار في لائحته العامة إلى "المناورات المتكررة الفاشلة ضد الاتحاد منذ سنوات قصد تقسيم الطبقة الشغيلة وعزلها عن قيادتها الشرعية، والنزعة الواضحة نحو العنف والإرهاب والدعوة إليه وإدخالها حيز التنفيذ في الأشهر الأخيرة، والتهجم المتواصل بالتلميح والتصريح على الاتحاد والمسؤولين النقابيين في الصحافة الحزبية ووسائل الإعلام الرسمية وتصريحات بعض المسؤولين في الحزب والحكومة وترويج الأخبار الزائفة لتسميم الجو ومغالطة الرأي العام خصوصا بعد خنق الإعلام النقابي عن طريق الأجهزة الإعلامية العمومية، وتعدد أعمال الاستفزاز الرامية إلى تشويه النضال النقابي والإضرابات وإظهارها للرأي العام في مظهر الاضطرابات الفوضوية لبثّ الشكّ والبلبلة في النفوس وافتعال الأزمات وتسييس المطالب النقابية واتهام الاتحاد بالعمل على افتكاك الحكم" "واحتضان النقابات الانفصالية والتشجيع على الانسلاخ من الاتحاد ومضايقة العمل النقابي بجميع الوسائل" و" اجتناب الحوار الجدي الصريح مما أدى أحيانا كثيرة إلى غلق باب الحوار الإيجابي من ذلك عدم الاستجابة إلى طلب الاتحاد بتكوين لجنة مشتركة للبحث في أحداث قصر هلال، ومن ذلك الضغط على مديري المؤسسات لرفض التفاوض مع النقابات في شأن الأجور" و" كثرة المماطلات المزعزعة للثقة في جدوى الحوار والرامية إلى إفقاد العمال ثقتهم في الاتحاد ودفعهم إلى الإضرابات".
واعتبر المجلس القومي في لائحته العامة أنّ " مثل هذه التصرفات التي تتحمل مسؤوليتها المباشرة إدارة الحزب بالخصوص هي التي كانت سببا في فشل جميع محاولات تنشيط الحوار" وأنه "اعتبارا لكل ما تقدم" واقتناعا عميقا من الاتحاد بصحة تقييمه وسلامة موقفه فإن المجلس القومي مع تمسكه بحرية الأفكار والانتماء، يعتبر أنه أصبح من الصعب في الظروف الراهنة التوفيق بين المسؤولية النقابية والمسؤولية الحزبية بدون تناقض ومس بمبادئ الاتحاد ومصلحة الشغالين".
وفي يوم 10 جانفي استقال الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب الحاكم وعقد ندوة صحفية أعلن فيها "أن وجوده في الحزب والاتحاد كان متناقضا مع مسؤولياته النقابية".
ثم توالت الأحداث متسارعة والأجواء متوترة وتولى محمد الصياح مدير الحزب توسيع وتطوير دور الميليشيا لتصبح قوة موازية لقوات الأمن مما تسبب في ارتفاع وتيرة العنف والملاحقات والمضايقات على المواطنين وخاصة منهم النقابيين إلى أن كان يوم 20 جانفي 1978 ذكرى تأسيس الاتحاد التي تميزت بتجمعات عمالية في مختلف دور الاتحادات الجهوية من ذلك الاجتماع العام الحاشد الذي انعقد بمقر الاتحاد الجهوي بسوسة بإشراف الأخ خير الدين الصالحي عضو المكتب التنفيذي وافتتحه الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الأخ الحبيب بن عاشور بحضور العديد من الإطارات النقابية المناضلة منهم على سبيل الذكر لا الحصر الأخوة علي بن صالح ومحسن الشاوش وعلى المحضي والمنصف قمر وحافظ قمعون ومنيرة جمال الدين ومحسن سهل والهادي عوف الذي تعرض لمحاولة اغتيال من طرف مليشيا الحزب الحاكم
وقبل انعقاد الاجتماع تعرض مقر الاتحاد الجهوي بسوسة في ذلك اليوم إلى هجوم عنيف من طرف عناصر الميليشيا المسلحة التابعة للحزب الحاكم آنذاك والتي أحدثت أضرارا بالمقر وبعديد المناضلين أذكر من بينهم النقابي بلقاسم بالحاج أحمد وسالم بوفريخة اللذين تعرضا لأضرار بدنية كبيرة وتتالت الهجومات المماثلة على مقرات الاتحاد بتوزر وتونس والقيروان وزغوان على مرأى ومسمع من أعوان الأمن بل بتشجيع وحماية منهم.
كان الهجوم على دار الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة منظما قادته عصابة معروفة. فانهالوا على دار الاتحاد بالعصي والقضبان الحديدية فحطموا الواجهات البلورية ومحتويات الاتحاد وأصواتهم تتعالى بالشتائم ثم انقضوا على المعتصمين لكما وضربا وجرحا.
في الأثناء قدم المدعوان الحبيب منصور وصالح الفريقي -وكانا قد استقالا من الاتحاد في وقت سابق- ودخلا القاعة تحيط بهما عناصر من المرتزقة رفعت أحدهما على الأعناق وهم يهتفون بكل هستيرية بحياة الحزب وبورقيبة ونويرة، وكانت المسدسات تتدلى من أحزمة بعضهم فضلا عمّا كان في حوزتهم من قضبان وعصي لترهيب الحاضرين وإجبارهم على إخلاء دار الاتحاد فحصل اشتباك في مدخل الاتحاد نتجت عنه كسور خطيرة أصابت النقابي بلقاسم بلحاج أحمد. وكان موقف الشرطة موقف المتفرج بل وعملت على منع الكثير من النقابيين من دخول دار الاتحاد وأقامت حواجز حولها وسد المنافذ المأدية إليها.
ورغم محاولات إحباط اجتماع إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد حيث تجمّع النقابيون وعقدوا اجتماعهم بإشراف الأخ خير الدين الصالحي وأبرقوا في نهايته للأخ الأمين العام مستنكرين ما جرى ومطالبين بشن إضراب عام. وتواصل الاجتماع إلى حدود الساعة الثامنة والنصف مساء ورابطت الإطارات النقابية في دار الاتحاد ولم تغادرها إلا عند الصباح إذ قامت بحماية مقر الاتحاد وحراسته ليلا.
إنّ ما حصل من اعتداءات يوم 20 جانفي بسوسة في ذكرى التأسيس أدى بنا إلى مواصلة المرابطة ليلا نهارا لحماية أنفسنا من عناصر الميليشيا لأننا أصبحنا مهددين في حياتنا وأذكر أن بعض هؤلاء قصدوا منازلنا للبحث عنا وهم مدججون بالسلاح.
لقد بقينا مرابطين وعددنا يزيد عن المائتين في ظروف صعبة حتى الساعة منتصف الليل من يوم الخميس 26 جانفي في مقر الاتحاد الذي كان محاصرا من طرف رجال الأمن والجيش بآلياتهم الثقيلة ثم تمت مخاطبتنا بواسطة مضخم الصوت ومطالبتنا بالاستسلام. وقد اقتيد النقابيون رافعين أيديهم تحت السلاح إلى مقرات البوليس التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مقر الاتحاد الجهوي وكانوا يركلونهم ويضربونهم حتى وصولهم إلى تلك المخافر.
واستنكرت الهيئة الإدارية الوطنية في اجتماعها يوم 22 جانفي 1978 جنوح بعض المسؤولين إلى لغة العنف والمغالطة وغلق كل باب الحوار بدل الاستجابة لطلب الاتحاد المتكرر بفتح حوار علني نزيه قصد إيجاد الحلول الإيجابية للخروج من الأزمة الخطيرة حفظا لمكاسب الشعب وخدمة لمصلحة الوطن وذلك على أساس مقررات المجلس القومي والمؤتمر الرابع عشر للاتحاد.
وقرر المكتب التنفيذي في اجتماعه صباح 24 جانفي شن إضراب إنذاري لمدة 24 ساعة بكامل أنحاء الجمهورية وذلك كامل يوم الخميس 26 جانفي. وأعلن عن ذلك الأخ الحبيب عاشور أثناء اجتماعه بالكتاب العامين للجامعات والنقابات العامة موضحا أن هذا الإضراب تقرّر نتيجة تعنّت الطرف المقابل والاستفزازات والاعتداءات المتكررة على دور الاتحاد في عدة مناطق من الجهورية آخرها الاعتداء السافر على مقرّ الاتحاد الجهوي بالقيروان الذي حطّم المهاجمون المأجورون كل ما به كما تقرّر الإضراب العام نتيجة لما تضمّنته اللائحة الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب من خرق فظيع للحريات عموما وخاصة للحريات النقابية.
وفي مساء الإربعاء 25 جانفي، وليلة شن الإضراب العام عقد أوتو كريستن الأمين العام للجامعة الدولية للنقابات الحرة (السيزل) ندوة صحفية في مقر الاتحاد ببطحاء محمد علي رفقة الأخ الحبيب عاشور أكد خلالها مساندة السيزل للاتحاد العام التونسي للشغل في كامل مواقفه النقابية والاجتماعية.
وكما يعلم الجميع، فلقد جوبه الإضراب العام بالقمع والاعتقالات وسفك الدماء باستعمال كل الوسائل وتدخل الجيش وأعلنت حالة الطوارئ. وقد خلفت هذه الأحداث عشرات القتلى ومئات الجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والمناضلين النقابيين ومن الشباب العاطل عن العمل المنتمين إلى الأحياء الشعبية المهمشة هذا وقد لعبت عناصر الميليشيا التابعة للحزب الحاكم دورا أساسيا في التخريب والنهب بغية توريط الاتحاد وإطاراته النقابية وتحميلهم مسؤولية الخراب الحاصل.
في ذلك اليوم وقبل وقت قصير من إيقاف أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أصدر عدد من هؤلاء بيانا بإمضاء الأمين العام الحبيب عاشور تضمّن توضيحات هامة عن الأحداث وعن الأعمال والتداعيات التي سبقتها وأعدت العدة لها، وقد جاء في هذا البيان بالخصوص:
إنّ الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الجماهيرية الحرة إذ تكبر تعاطف كافة الجماهير الشعبية معه يعلن أنه سيواصل النضال من أجل إقرار الحريات العامة والنقابية ومن أجل احترام دستور البلاد وقوانينها والمعاهدات الدولية من اجل احترام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي قيم إنسانية يمثل الاتحاد أول درع لها.
كما أنّ الاتحاد يعلن أمام الرأي العام التونسي والعالمي تمسكه بضرورة مواصلة الحوار الذي تتحمل الحكومة مسؤولية انقطاعه وضرورة إحلاله محل العنف والإرهاب حفاظا على مكاسب الشعب ووضعا لمصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
"إن المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل يأسف شديد الأسف بكون رئيس الدولة لا يعرف واقع البلاد فيما يبدو إلا عن طريق وسائل الإعلام الرسمية التي لا تعطيه إلا صورة مزيفة عن واقع الشعب التونسي وحقيقة أوضاع البلاد إذ يأسف كذلك لعدم إبداء رئيس الدولة رغبته في سماع صوت الاتحاد والشغالين مقتصرا على نغمة واحدة غير مطابقة للواقع في حين أنه اتفق مع الأخ الأمين العام الحبيب عاشور على دعوته كلما عنت مشكلة هامة لمعالجتها في الإبان".
وفي الختام يشير البيان إلى المسؤولية الكبرى التي يتحملها رئيس الدولة أمام التاريخ ويدعوه أن يعمل على إعادة الحوار مكان العنف والإرهاب وأن يساهم في وضع الشعب التونسي على طريق التقدم والحرية والديمقراطية السياسية والاجتماعية.
وانعقد في 25 فيفري 1978 والبلاد في حالة طوارئ مؤتمر صوري وقع خلاله تنصيب قيادة موالية للسلطة السياسية وتحت إشراف الحزب الحاكم وعين التيجاني عبيد أمينا عاما للاتحاد.
وتمت مقاطعة هذه الهياكل المنصبة من قبل النقابيين والعمال كما رفضتها المنظمات النقابية العالمية، والتف النقابيون في تونس حول هياكلهم وقيادتهم الشرعية بقيادة الزعيم الحبيب عاشور.
لقد ذاق النقابيون شتى أنوع التعذيب في مقرات الشرطة واجبروا على توقيع محاضر بحث لم يدلوا بها وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب وكلنا يعرف ما حصل للمناضل المرحوم حسين الكوكي الذي مات تحت التعذيب حسب شهادات الأطباء كشهادة الدكتور جغام .
وفي سوسة تمّ اقتيادنا إلى السجن المدني هناك حيث بقينا عدّة أشهر في انتظار محاكمتنا وللعلم فقد كنت مع الأخوة المعتصمين وأسجل في هذا السياق بعض التفاصيل التي عشتها شخصيا علّي أساهم بذلك في تسليط مزيد الأضواء على تلك الفترة الحالكة، فقد تمكنت من الإفلات من قبضة البوليس وبقيت في حالة فرار طيلة شهر وبعد إيقافي تم حبسي بزنزانة منفردة على ذمة منطقة الشرطة ثم تم نقلي إلى مستشفى فرحات حشاد حيث وجدت بعض النقابيين في حالة صحية متدهورة وذلك جراء التعذيب وظروف الإيقاف أذكر من بينهم المرحوم عمر بلعجوزة والمرحوم الصادق قديسة ثم تمت إعادتنا من جديد إلى مقر الحجز ومن ثم إلى السجن المدني بسوسة حيث تعرّضت للضرب إلى حد الإغماء من طرف المدعو عز الدين بالرابح مدير السجن أنذاك لا لشيء سوى لأن الحراس عثروا عندي على صحيفة الرأي وهو الأمر الذي حصل أيضا للأخ حافظ قمعون حيث تم التنكيل به.
في تلك الفترة الحالكة، كانت الصحافة الحرة محل ملاحقة، وأذكر هنا الدور النضالي الذي اضطلعت به الصحافة النزيهة الشريفة، وكانت جريدة الشعب عنوانا بارزا لشرف المهنة والنضال.
أطوار محاكمتنا
التأمت منذ صبيحة 19 جويلية المحكمة الجنائية بسوسة برئاسة السيد يوسف بن يوسف للنظر في قضيتنا، وقد كنا 101 في الجملة 59 بحالة سراح و 42 بحالة إيقاف وقد تمت إحالة 39 منا من اجل الجرائم التالية:
- حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح والتحريض على التجمهر المسلح بالطريق العام ومسك مستودع من الأسلحة والذخيرة وجمع ومد الغير بالأسلحة وتحيير الراحة العامة طبق أحكام الفصول 118، 79، 74، 72 من القانون الجنائي والفصلين 42 و43 من قانون الصحافة والفقرة الثانية من الفصل 20 من قانون 12 جوان 1962 والفصل 21 من القانون عدد 4 المؤرخ في 14 جانفي1969 .
وأحيل البقية ويبلغ عددهم 62 من اجل الانضمام إلى جمع من شأنه تحيير الراحة العامة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا وحمل أسلحة بدون رخصة طبق أحكام الفصول 119، 118، 77، 75 من المجلة الجنائية والفصلين 42 و 43 من قانون الصحافة والقانون عدد 33 المؤرخ في 12 جوان 1969 وقانون 20 جانفي1969 .
وقد افتتحت الجلسة من طرف القاضي السيد يوسف بن يوسف رئيسها بكلمة تلاها على أسماع الحاضرين من المتهمين ولسان الدفاع والجمهور الذي حضر لتتبع مداولات هذه القضية في أعداد غفيرة قال فيها أن القضية المعروضة على أنظار المحكمة الجنائية بسوسة من نوع خاص غير مألوف باعتبارها موضوعها ومضمونها وباعتبار المركز الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي يحتله بعض المتهمين الذين يزيد عددهم عن المائة، لاسيما وأن هذه القضية جاءت على إثر أحداث أليمة عرفتها الدولة التونسية الفتية التي شقت طريقا شاسعا نحو المناعة والرقي والتحضر.
وأضاف الرئيس يقول أن المحكمة مقرة العزم على استقصاء الأحداث بكل صبر وروية وعلى النظر في المسؤوليات بكل دقة وتثبت وعلى فتح المجال للسان الاتهام وللسان الدفاع حتى يبدي كلاهما ما يراه صالحا من وجهات نظره.
وناشد رئيس المحكمة لسان الاتهام والأساتذة المحامين المكلفين بالدفاع عن المتهمين بأن يسيطروا على عواطفهم وأن يراعوا حرمة القانون ويعمدوا إلى الرفع من كلمة الحق في ظل هذا القانون وبذلك يكون التعاون موجودا بين كل الأطراف وتسهل سبل الوصول إلى إنارة الحقيقة وإقامة العدل.
أما النقابيون المتهمون فكانوا:
* 1- الحبيب بن عاشور كاتب عام للاتحاد الجهوي.* 2- الصادق قديسة عضو مكتب تنفيذي * 3- حافظ قمعون عضو بالمكتب التنفيذي. * 4- محمد الظفار عضو المكتب التنفيذي. * 5- علي المحضي كاتب عام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي.* 6- محمد ثابت كاتب عام مساعد لنقابة التعليم الثانوي. * 7- المنصف قمر عضو بنقابة التعليم الابتدائي. * 8- صالح المهدي شهر الأحمر كاتب عام لنقابة الفلاحة. * 9- على بن صالح كاتب عام لنقابة التعليم الابتدائي.* 10- عمر بلعجوزة كاتب عام مساعد للنقابة الأساسية لعملة نزل بوجعفر.* 11- محمد رجب عضو بالنقابة الأساسية لعملة النزل.* 12- عمر الطرابلسي كاتب عام لنقابة النزل.* 13- العجمي حفيظ كاتب عام لنقابة الباتيمان.* 14- بلقاسم بالحاج أحمد عضو بنقابة شركة صنع السيارات.* 15- الطيب بوزعبية كاتب عام مساعد لنقابة مدرسي التربية البدنية.* 16- عبد العزيز بن عائشة كاتب عام مساعد لنقابة التعليم الثانوي.* 17- عمر بن الزدام عضو بالنقابة.* 18- ابراهيم بن فرحات عضو بنقابة البناء. * 19- مصطفى الرحال عضو بالنقابة. * 20- منيرة جمال الدين عضو بنقابة التعليم الثانوي. * 21- عمر بن الحسين عضو بالنقابة الأساسية للتعليم الابتدائي.* 22- العجمي المثلوثي عضو بنقابة التعليم الثانوي. * 23- عيسى بوزميط كاتب عام لنقابة البحارة بسوسة.* 24- محسن الشاوش مسؤول بنقابة التعليم الابتدائي. * 25- أحمد بن خليفة كاتب عام مساعد لنقابة اصوطاب. * 26- عبد الفتاح شوشان كاتب عام نزل مرحبا.* 27- مصطفى الاحول عضو بالنقابة الجهوية للرياضة والشغل.* 28- عبد العزيز ضيف الله مستكتب بالاتحاد العام التونسي للشغل بسوسة . * 29- الحبيب منصور حاجب بمركز اتحاد الشغل بسوسة . * 30- يوسف سعيد مسؤول على الهاتف بمركز الاتحاد .* 31- عبد المجيد الصحراوي ملحق بمركز الاتحاد.* 32- ناجي الرمادي موظف بالاتحاد وملحق بجريدة الشعب.* 33- محمد بن حسن الكيلاني حارس بمقر الاتحاد بسوسة.* 34- الحبيب فراد مستكتب بالاتحاد بسوسة.* 35- بوراوي عطية معلم ومراسل لجريدة الشعب بسوسة.* 36- محمد الطرهوني شهر المطماطي ملحق نقابي بالاتحاد الجهوي بسوسة.* 37- عبد الحميد فرحات ممثل نقابي.* 38- الهذيلي ماني.* 39- محمد الخلادي.* 40- عبد الكريم البكوش.* 41- جلال عاشور. * 42- حسن عاشور.* 43- المختار البكوش.* 44- خميس الخميري.* 45- الجديدي الميناوي.* 46- محمد شوشان.* 47- الهادي التتجال.* 48- حسن قديسة.* 49- مصطفى بن فرحات.* 50- عبد الرزاق كحلون.* 51- المنجي بن عمر.* 52- الحبيب بن عمر.* 53- الحبيب بن محمود. * 54- سالم بن حسين.* 55- محمد الكريشي.* 56- عبد القادر القايد.* 57- فريد خميس.* 58- الصادق مرجان.* 59- بنور فرج.* 60- محمد بن عائشة.* 61- يوسف الشقراوي.* 62- حسن غرس الله.* 63- الحبيب بن عامر.* 64- بوراوي حدادة.* 65- عبد الحميد بن فضيلة.* 66- النوري نصيرة.* 67- البشير بوغطاس.* 68- الحبيب بوهلال.* 69- محسن الفرادي.* 70- جمعة بن علي قيقة.* 71- الحبيب عبيد.* 72- ناجي بالحاج عمر.* 73- محمد بالعجوزة.* 74- حسين العيادي.* 75- حسن النقاتي.* 76- لطفي بريري.* 77- حسن الكناني.* 78- حسن معط الله.* 79- حسين اللوزي.* 80- محسن سطبل.* 81- الناصر المهداوي. * 82- الهادي الطرابلسي.* 83- فتحي الزواوي.* 84- وحيد المحمدي.* 85- ميلاد السافي.* 86- عبد العزيز الورزلي.* 87- محمد بن عرفة.* 88- الناصر البنزرتي.* 89- فوزية بن محمد.* 90- نورة بلخيرية.* 91- نجوة بن وناس.* 92- عائشة هلال.* 93- رفيقة العجيمي.* 94- سالمة السهيلي.* 95- عائشة بن محمود.* 96- محمد بربري.* 97- جمال الخشتالي.* 98- حسن بن خيرية.* 99- زهير بن خيرية.* 100- عبد الرزاق بومعيزة.* 101- عبد الحميد الشاوش.
واثر ذلك شرع رئيس المحكمة في تلاوة قرار دائرة الاتهام الذي اشتمل على 51 صفحة واستغرقت تلاوته بقاعة الجلسة 125 دقيقة.
واثر ذلك تلا رئيس المحكمة بعض الفصول التي تقع تحت طائلتها التهم الموجهة للمتهمين وتتراوح العقوبات بين الإعدام و20 سنة أشغال شاقة و10 و 5 و3 سنوات سجنا.
لقد حوكمنا طيلة شهر أوت 1978 وكانت محاكمتنا علنية حضرها العشرات من المحامين المتطوعين والذين لعبوا دورا كبيرا ومشرفا أذكر منهم العميد منصور الشفي والأساتذة الناصر بن عامر والمرحوم فاضل الغدامسي والهاشمي بللونة وراضية النصراوي وعبادة الكافي وحامد بن رمضان ورؤوف بوكر والصحبي القروي ورؤوف النجار وعبد الوهاب الباهي والدالي الجازي وجمال الدين بيدة وعبد الستار بن موسى والهادي بوفارس والبشير خنتوش وتوفيق بودربالة والأزهر القروي الشابي والدكتور جغام وغيرهم كما حضرها الصحافيون والمراقبون وقد لعبت الصحافة ومنها جريدة الصباح حيث كان يعمل الأخ محمد العروسي بن صالح والذي غطى وقائع المحكمة بأمانة كبيرة وتعرض هو وزميله عبد الحميد القصيبي إلى التهديد والملاحقة وكذلك جريدة الرأي وجريدة la démocratie دورا في إنارة الحقيقة للرأي العام أنذاك كما لا ننسى الدور الكبير الذي لعبته الصحافة العالمية والتضامن النقابي الدولي وخاصة النقابات الأوروبية والعربية والمغاربية والعالمية كالسيزل بقيادة أمينها العام أتو كريستن وقد ساهمت حملة التضامن الواسعة في الرفع من معنويات عائلاتنا كما غذت فينا روح الصمود حيث خضنا إضرابات عديدة عن الطعام لاقت تعاطف حتى المساجين العاديين بسجني سوسة وتونس العاصمة.
وفي لحظات مؤثرة ويوم التصريح بالحكم في قضيتنا أعلنت فجأة هيئة المحكمة برئاسة القاضي الشيخ يوسف بن يوسف بأنها غير مؤهلة للحكم في هذه القضية وطالبت بإحالتها لمحكمة مختصة أي محكمة أمن الدولة حينها انطلقت الزغاريد والشعارات المنادية بحياة الاتحاد من طرف النقابيين الموقوفين وعائلاتهم كما أنشدنا نشيد الثورة الذي انطلق من أعماقنا وزاد من حماستنا إذ رأينا في ذلك الحكم نوعا من تبرئة ساحتنا فلم نعد كما أراد الحزب الحاكم تشويهنا بتقديمنا في صورة مجرمين ومذنبين إلى محكمة جنايات سوسة. ورغم علمنا بما كان ينتظرنا من أهوال محكمة أمن الدولة فقد أحسسنا بنوع من الإنصاف من قبل محكمة الجنايات بسوسة.
في السجن المدني
وإثر الجلسة مباشرة تم تطويق المحكمة بالكامل بفيالق عديدة من قوات البوليس بتشكيلات وأزياء مختلفة واقتادونا تحت حراسة مشددة إلى السجن المدني بسوسة حيث مكثنا بضعة أشهر وتم إخلاء سبيل عدد كبير منا ولم يبق إلاّ 12 شخصا من مجموع 101 تم إحالتنا بعدها إلى سجن 9 أفريل بتونس العاصمة حيث تعرفت على الزعيم الحبيب عاشور مباشرة وأذكر أنه قال لي حرفيا : »الحمد لله لم نكن وحدنا في هذه المرة إن الشباب والرأي العام الوطني والدولي معنا خلافا لأزمة 1965 وستثبت الأيام براءتنا وسنعود قريبا إلى اتحادنا وسيحاكم المجرمون الحقيقيون يوما«.
كما تعرفت على الأخوين الصادق بسباس والحسين بن قدور في السجن المدني بتونس حيث كنا نتبادل الحديث حول آخر المستجدات عندما كنا نلتقي للحظات في الممر الذي يؤدي إلى مصحة السجن وبقينا في حالة إيقاف على ذمة دائرة الاتهام وكانت التهم الموجهة إلينا على درجة كبيرة من الخطورة حيث انها تندرج ضمن الفصل 72 الذي تبلغ العقوبة فيه حد الإعدام والأشغال الشاقة مدى الحياة باعتبارها من الجنايات الخطيرة، لكن لم يتم إحالتنا إلى حدود الساعة على محكمة امن الدولة التي ألغيت فيما بعد وقد تم إطلاق سراحنا على مراحل دون محاكمة وذلك في جانفي سنة1979 .
إن محاكمة نقابيي سوسة سنة 1978 أبرزت المعنويات المرتفعة التي كنا نتمتع بها وبدل أن تكون المحاكمة ذات صبغة جنائية مثلما أرادات السلطة، حولنا تلك المحاكمة إلى محاكمة لأعداء الاتحاد الذين دبروا مؤامرة لإخضاعه وضرب استقلاليته. وقد شكلت محاكمة نقابيي سوسة منعرجا كبيرا في تعامل السلطة مع القيادات النقابية المعتقلة حيث لم تساير الأحكام الصادرة النيابة العامة التي طالبت بالإعدام كما كان لموقف النقابيين خلال المحاكمة أثره البالغ على الرأي العام الوطني وعلى معنويات بقية النقابيين الموقوفين.
هذه خواطر أستحضرها وأتمنى أن لا أكون قد نسيت تفاصيل مهمة وأتمنى أن يستمر توثيق هذه التجارب والمحن لإثراء الذاكرة النقابية بمحطات مشرقة ومضيئة في تاريخ النضال النقابي في بلادنا. وإن أنسى فإني لا أنسى دور المرأة النقابية كمنيرة جمال الدين المحضي وفوزية الترد وهذيلية القيسي ونورة بلخيرية وغيرهن اللاتي ساهمن في عديد النضالات وتعرضن للإيقاف والتنكيل.
وأرجو أن يدلي الأحياء منا بشهاداتهم مع الترحم على كل الأخوة الذين فارقونا وخلفوا في قلوبنا اللوعة والحسرة لكن ذكراهم تبقى على مر السنين خالدة
عاش الاتحاد العام التونسي للشغل قلعة نضال من أجل الحرية والكرامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.