عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    شبهة فساد بال'ستاغ': الاحتفاظ بمعتمد واطار بنكي بهذه الولاية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    الدورة 6 لمهرجان «تريتونيس» بدقاش ..خيمة للإبداع وورشات ومعارض وندوة علمية وكرنفال    «أيام نور الدين شوشان للفنون المسرحية» دورة فنية وأدبية بإمكانيات فردية    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عامل أساسي في جميع المجالات: كيف نجعل الوقت لصالحنا؟
بقلم: منصور الشارني
نشر في الشعب يوم 13 - 02 - 2010

من المسائل المهمة التي دأب الإداريون على إدراجها في طرق المحافظة على الوقت و إدارته، مسألة تفويض القدرة والسلطة أو الصلاحيات أو الأعمال و القرارات، وبعبارة أخرى توزيع المهام والمسؤوليات على المستويات من الأعلى إلي الأسفل، والتعامل معهم وفق شروط واطر تفضي إلى الرقي بالعمل وتقدمه، واختزال الوقت وبرمجته، والاستفادة من فائض الوقت في تسريع ما تكدس من أعمال وبرامج أخرى.
والذي لا شك فيه أن الوقت عامل أساسي في جميع مجالات الحياة وتشعباتها، فقضايا الإنتاج، وبرامج التنمية، والخطط المرحلية والإستراتيجية هي في المقام الأول قضايا وقت لا يمكن التهاون فيها أو إغفالها، لان ذلك يعني الفشل في ما رسم، والتراجع والتخلف عما وصل إليه الآخرون، فالحاجة ملحة للتعامل مع الوقت على انه المورد الذي لابد من استثماره بصورة مطلوبة وصحيحة لتحقيق النتائج المرضية والوصول للغايات المنشودة.
فالوقت حقا هو الحياة بما تحمل الكلمة من معان، لذا حري بنا أن نحافظ على مادة ا لحياة ونستغل الأساليب والتقنيات الحديثة التي تعمل على توسعة الوقت، وتساعد على إنهاء الأعمال في اقصر وقت ممكن، وحري بنا أيضاً أن نتعامل معه كمورد شأنه شأن غيره من الموارد بل أكثر أهمية منها التي تساعد على التخطيط والتنظيم والرقابة و المتابعة و التقييم.
فإذا أدركنا بان الوقت ليس له إمكانية الزيادة والإطالة، وليس بإمكانه العودة إلى الوراء، فيلزمنا حينئذ إيجاد مخرج واقعي يمنع بروز أية مشكلة، أو تخطي للوقت المتاح والمحدد لأي برنامج أو مشروع، وبتعبير أدق كيف نجعل من الوقت يعمل لصالحنا لا ضدنا؟ والإجابة تتلخص في عبارة واحدة فقط يجب أن نعمل بطريقة أذكى، لا بمشقة أكثر، فكثرة العمل وطول الوقت قد تكون مهلكة للعاملين وخسارة للأغراض والمعدّين، في حين تكون طريقة العمل وأسلوب إدارة الوقت هي الأولوية التي يجب أن ينظر إليها قبل كل شيء.
ومن جملة الأمور التي احتلت حيزاً لا يستهان به أخيرا في برامج المحافظة على الوقت السيطرة عليه، وأعطت ثمارها المطلوبة بأفضل صورة وأحسن شكل، عملية تفويض المسؤولية أو الاعتماد على المساعدين في إدارة العمل وتنفيذه، فالتفويض أو الوكالة أو النيابة.. أو التوزيع في بعض الأحيان يعد من الحالات الحضارية الراقية التي تتصف بها اغلب الإدارات الناجحة والمتقدمة، ولا حدود أو خصوصية لأي إدارة، وإنما العملية تشمل جميع القطاعات السياسية بفروعها والاقتصادية والاجتماعية.
ومع كل هذا يبقى الوقت هو العمود الفقري لأي برنامج أو مشروع وعامل فاعل وضاغط لا يمكن إنكاره أو إغفاله، إلا أن عمليات التفويض التي أخذت تجتاح بعض الإدارات لا تقتصر على المحافظة على الوقت فقط أو لتخزين فائض من الوقت يستفاد منه لمهام أخرى، وإنما هناك غايات وأهداف لا يمكن حصرها في نقطة أو نقطتين، فهناك أهمية إنسانية نبيلة تقف وراء عمليات التفويض وتحويل القدرة أو القرارات، سنقف عندها في بقية المقال.
صناعة البدائل
المعلن والظاهر من مجمل عمليات التفويض أنها إدارة للوقت والمحافظة عليه من الضياع و الهدر المؤدي إلى فشل البرامج وضياع الثروة، ولكن الغائب عن أنظار من كتبوا في هذا المضمار أن تفويض القدرة أو تقسيم المسؤوليات، أو توزيع الأدوار، أو إناطة اتخاذ القرار إلى الآخرين له مضمون واحد بأن يعطي نتائج أخرى قد لا تقل أهمية، وربما في بعض الحالات تفوق مهمة المحافظة على الوقت من الضياع، فالذي يصرف من وقته ساعتين في الأسبوع لصناعة البديل أو البدائل (المساعدين) الذين يستطيعون أن ينطلقوا بالعمل في غياب المسؤول الأول لا يمكن أن ننظر إليه فقط من زاوية تربية الأنظار والأمثال لتوفير ساعات إضافية من الوقت، وإنما النظرة إلى هذا السلوك والتصرف الخلاّق تظهر سعة الأفق البعيد والقدرة الإبداعية للمدير أو المسؤول وحنكته في بقاء المؤسسة أو المنظمة أو المشروع واستمرار يته من خلال إيجاد أكثر من مساعد أو نائب لا يقل قدرة أو مهارة عنه، وهذا العامل بحد ذاته يكفي لان يكون مهمة عظمى تحافظ على ديمومة المؤسسة أو المنظمة وبقاءها لسنوات وربما لقرون عديدة.
وإلى هذا العامل بالأساس يعزى فقدان العالم الثالث أوالدول السائرة في طريق النمو لمؤسسات عريقة راسخة في القدم، فاغلب ما عندنا قائم بالفرد وللفرد وعلى الفرد. فهناك نزعة حادة إلى الاستقلال الفردي في كل شيء - وهذا طبعاً نتيجة عوامل كثيرة لا نريد الخوض فيها وبغياب الفرد لأي سبب أو طارئ يتهاوى بسرعة كل ما بناه وكأن شيئاً لم يكن. ولو دققنا النظر بما حولنا حالياً لا نشاهد تلك الالتفاتة الجدية لهذا العامل الجوهري من مختلف الجهات والمستويات مع إنهم يشاهدون يومياً تساقط المؤسسات الواحدة تلو الأخرى! أليس حالنا أصبح كالذي يتقدم بخطى مطمئنة إلى جلادها (المصيدة) وهي تشاهد يومياً العشرات من جنسها يذهب ولا يعود وعلى نفس الطريقة والشكل؟
وليت المسألة منحصرة في جهة معينة أو نمط خاص من الناس حتى نقول إنها خاصة ووقتيه وعندنا غالبية خيره وواعية ومدركة نستطيع بواسطتها ستر ما ظهر من عيوبنا وتصحيح ما وقع في إداراتنا في كل المجالات، ولكن المسألة اكبر مما نتصور، النزعة إلى التفرد لم تترك شيئاً إلا واتت عليه، واقل ما يقال عن مراكز قراراتنا وجوهر مؤسساتنا إنها (فردية) وهذا اللفظ يغني عن الكثير من المعاني فهي ثقافة المسؤول الأول.
نماذج من التفرد
لنأخذ مثلاً الأسلوب الفردي الذي اتبعه أنور السادات في إدارة المفاوضات بعد حرب أكتوبر، يصف ذلك محمد حسنين هيكل فيقول، كان هنري كيسنجر دائم الاعتراض على الوفد المصري لمواقفه المتشددة في المباحثات الثنائية، لهذا فقد اقنع السادات بتكثيف الجلسات الخاصة الفردية لإذابة الخلافات وتصفيتها، فكان السادات لا يتوانى في الموافقة على اغلب مقترحات كيسنجر دون الرجوع إلى مستشاريه أو مساعديه، في حين كان الإسرائيليون لا يوافقون على شيء إلا بعد الرجوع إلى القوى والتنظيمات الموالية والمخالفة لأخذ أرائها، وهم يعلمون كاملاً بان ما يأتي به كيسنجر لمصلحتهم. وحتى قرار الزيارة الشهير الذي أعلنه السادات من منصة مجلس الشعب كان مفاجئاً لجميع الأطراف المصرية المعنية ولم يعلم خبره حتى اقرب المقربين للسادات أنظر تصريح أمين هويدي الصحفي و الكاتب المشهور .
نمط آخر لانعدام التفويض يذكره هيكل أيضاً ويتعلق بالمفاوضات العراقية الأمريكية التي سبقت عمليات تحرير الكويت يقول: لقد جاء جيمس بيكر إلى المفاوضات وهو مخول بكافة الصلاحيات، بينما طارق عزيز لا ينطق إلا بما يريده صدام فقط وبين حين وآخر يطلب وقف المفاوضات للاتصال ببغداد وأخذ تعليمات جديدة.
والمثال الأخير يكشف عن واقع مؤسف ما زال يجثم على اغلب مراكزنا ومؤسساتنا و منظماتنا الوطنية و الإقليمية.
ما هو التفويض
لماذا التفويض؟ أو أهمية التفويض الذي هو أساس مطلبنا في هذا الموضوع سنذكر بعض التعريفات التي ذكرها البعض توضيحاً للمفهوم وتحديدا له:
فهناك من قال: انه تعيين عمل معين لشخص آخر مع إبقاء الاتصال به وبالعمل.
ومن قال: إعطاء سلطة اتخاذ القرار إلى المستوى الإداري الأدنى في الهيكل التنظيمي.
ومن قال: نقل حق التصرف واتخاذ القرارات إلى المرؤوسين في سلم المسؤولية الأقل(مدير عام ,مدير, كاهية مدير,رئيس دائرة ,رئيس قسم...).
ومن قال: قيام صاحب اختصاص بنقل بعض صلاحياته باختصاصاته إلى أحد معاونيه والتصرف دون الرجوع إليه، على أن تبقى المسؤولية على عاتق صاحب الاختصاص الأصلي.
ومن قال: هو منح الآخر الموافق حرية التصرف بالأمر.
ومن قال: أن يعهد الرئيس ببعض مهامه إلى أحد معاونيه ويعطيه سلطة اتخاذ القرارات اللازمة للنهوض بهذه المهام على وجه مرضٍ.
ومن قال: أن يعهد صاحب السلطة الشرعية إلى من يقوم مقامه ويمثله بالنسبة إلى الصلاحيات الممنوحة في إجراء مفاوضات أو تحرير معاهدات والتوقيع عليها.
وبما أن إدارة الأحزاب و المنظمات هي فن تنفيذ المهام وتحقيق النتائج من خلال الآخرين، فيحق لنا أن نقول بان غالبية التعريفات تقوم على تحفيز الآخرين والاستفادة من قدراتهم لتحقيق أفضل النتائج وأسرعها، ومن يستطيع إدارة وقته وتفويض أعماله للآخرين يكون قد حقق أفضل أساليب الإدارة وأنجحها وهنا لفت انتباه إلي إعادة النظر في الهيكلة العمودية و مراجعتها بما يتناسب و متطلبات العصر, عصر الاتصالات و التغيرات التكنولوجية السريعة و المتسارعة ربحا للوقت. ومن لا يستطيع إدارة وقته وتحويل مهامه فهو لا يستطيع إدارة شيء وإن كان هو المسؤول الأول فيصبح المعطل الأول للمنظومة بأكملها.
ويأخذ التفويض أشكالا متعددة منها: الوكالة, النيابة، ومنه ما هو إداري وهو ضرورة تفرض نفسها في كثير من الأحيان عند استحالت القيام بالواجب لسبب من الأسباب.
لماذا التفويض؟
والإجابة على ذلك تتشكل في نقاط عدة:
1 استحالة الإلمام بجميع الموضوعات أو السيطرة على مختلف المواقع من قبل المسؤول الأول وهذه حقيقة واقعة لابد أن يعتقد بها كل مسؤول ويؤمن بها أيمانا مطلقاً، حتى تصبح لديه رغبة ملحة بضرورة التعاون مع الآخرين وتوكيل بعض المسؤوليات إلي غيره من المعاونين، وأن تطلُب ذلك في بداية الأمر ضياع بعض الساعات التي سيربح أضعافها في المستقبل القريب.
إن البعض ممن يشتكي من ضيق الوقت وتزاحم الأعمال يؤمن بفكرة اشتراك الآخرين وتفويض القدرات إليهم، ولكنه عمليا لا يلتزم بما يؤمن خوفاً من فشل الآخرين في المهمة أو ضياع الوقت، أو أن يبقى بدون عمل و قد قالي أبي رحمة الله عليه حين استمع إلي أحدهم قال أنه قد أتم عمله فقال بسرعة أتممت مهمة لنشاط معين ولن تكمل العمل .
2 قبول الاختلاف والاعتراف بتعدد الآراء، فالبعض من المدراء والمسؤولين يبحثون عن شخص رديف أو مماثل لهم (نسخة مطابقة للأصل) يمكنه تنفيذ العمل وإنهاءه وفق تصوراتهم الخاصة فقط، وهذا الخيار ليس متاحاً دائماً وربما لم نحصل عليه لسنوات قد تطول كثيراً، لان الطبيعة البشرية جبلت على الاختلاف ومن الصعب الحصول على النسخة الأصلية المشابهة المطلوبة.
فحسبنا قيام الفرد بالمهمة وإنجازها وفق الشروط و المعايير المطلوبة أو المحددة التي رسمت له، وإن كانت لم تنجز بنفس الطريقة التي يمكن أن تنجز بها، المهم النتيجة أو النتائج طالما كانت جيدة وكافية ومقبولة إجمالا فهذا هو الفوز الحقيقي الذي نريده.
3 كسب ثقة الآخرين والاعتماد عليهم من خلال تفويض جزء من السلطة والسماح لهم بالإطلاع على المعلومات المستجدة وفعل الأشياء على طريقتهم الخاصة وان ظهرت منهم بعض النواقص والعيوب الجزئية.
إن الثقة بالآخرين لتنفيذ مهمة أو عمل ما لا تأتي بسهولة فهي تحتاج إلى صبر وتحمل من نوع خاص يمنعك من التدخل أو التلاعب بالمهمة التي أوكلتها إلى غيرك أن ظهرت بعض الأخطاء أثناء العمل، بل يفترض منك التشجيع عند انتهاء كل مرحلة أو إنجاز كل برنامج وإن كانت نتائجه لا ترضيك كاملاً، كما أن التفاؤل يجب أن يسيطر على عقلك الباطني لتتكون لديك قناعة تامة بان من أوكلته أو أحللته مكانك سينجح لا محالة وان فشل مرة أو مرات.
4 الحصول على التزام الآخرين بالعمل وكسب حماسهم ودفاعهم عن البرنامج أو المهمة، فإذا شعر الفرد أو الموظف وأصبحت لديه قناعة تامة بان ما حوّل إليه مهمة ومسؤولية لا تقبل التفريط أو اللامبالاة، ويرجع نفعها وضررها عليه، فانه سيلتزم بها خير التزام ويطبق بنودها ودقائقها على أكمل وجه.
ويحبذ تفويض القدرة والسلطة إلى الأشخاص ذوي الكفاءة، لان الكفء يندفع بروح عالية تفوق أي التزام، أما المكره والذي يفتقد الكفاءة و التدريب اللازمين لأداء المهمة أو المهام أو أولئك الذين وقع عليهم الاختيار فيحتاجون إلى وقت إضافي وربما طويل لزرع روح الإحساس والالتزام عندهم.
5 تدريب العناصر على تحمل مسؤولية الواجبات العليا، وبالتالي تكوين أطر قيادية احتياطية للمستقبل، بحيث تعاونه بكفاءة، وتستطيع العمل ببداهة واستقلالية حين تنفرد بمهمة، أو تخلفه حين يترك العمل في الوحدة، ولعل في هذه الناحية الأخيرة نوعا من سعة الأفق وبُعد النظر التي يجب أن يتحلى بها الإداري أو القيادي المخلص، إذ يفكر في مستقبل المؤسسة أو المنظمة بعد أن يتركها، فتستمر بعده على أداء مهامها على وجه جيد، وإلا يكون قد زرع بذور الفشل، وعلينا أن لا ننسى بأن المجتمع مستمر، لم يبدأ بأي منا ولن ينتهي معه، وكذلك أدواته مستمرة ومنها الوحدات الإدارية والمؤسسات و المنظمات ، فعلينا التفكير في مستقبلها بعدنا و أن نجعل بين أعيننا المقولة الشهيرة لو دامت لغيرك لمل ألت إليك.
6 من السنن الكونية والثوابت الإدارية التي لا يمكن إغفالها بأي صورة من الصور هي أن الأفراد والموظفين في تقدم مستمر وتحول دائم في سلم الصعود الإداري والنبوغ الفكري، فمن المستحيل بقاء هذه الشريحة معزولة عن المهام العظام والمسؤوليات الجسام، ما لم نحول إليها القدرة تدريجياً لتنهض بها وتتقدم نحو الأمام لتصل إلى المراتب العليا.
وإذا لم ندرك هذه الخاصية والسنة الثابتة فلابد أن يأتي اليوم الذي يتمردون فيه ,ويضربون بالطرق المعتمدة عرض الحائط، ولعل ما يحدث في بعض التنظيمات من انشقاق وتمزق تعود جذوره إلى هذا العامل الذي لم تدركه بعض القيادات والى اليوم المشاكل قائمة عند البعض فلا يرضى بالتنازل عن شئ من مهامه للخط الثاني أو الثالث ولا يرضى بأن يدرك أيضا نمو الأفراد وتقدمهم واحتياجهم الملح إلى تسلم بعض المسؤوليات وتفويض بعض القدرات تبعاً لتطور الكادر التنظيمي.
7 تبسيط الإجراءات وتسريعها، وذلك باختصار إحدى حلقاتها، فالوكيل أو المستويات الإدارية الأدنى أكثر قرباً من مديرهم أو رئيسهم لمواقع التنفيذ، مما يتيح لهؤلاء سرعة البت في الأمور واتخاذ القرارات اللازمة والضرورية دون الرجوع إلى المستويات العليا، وبذلك يتم التخلص من كثير من التعقيدات الروتينية والهامشية التي تعمل على تعطيل الإجراءات أو بطئها.
وإذا كان التفويض مهماً ومؤكداً عليه في الحالات العادية فإنه يصبح أكثر أهمية في المسائل العاجلة والطارئة أو الظروف الاستثنائية التي لا تسمح بالتأخير والتأجيل. وكذلك تتأكد أهميته (التفويض) للتقسيمات والوحدات الإدارية المتفرقة أو البعيدة، فهي بحاجة إلى تفويض كامل يرفع عنها مسائل بعث الرسائل وتلقي التعليمات الجامدة القاتلة لكل معاني الإبداع والابتكار.
8 توفير وربح لوقت الرئيس نفسه، فالمهمة الأساسية للمدير أو القائد إن صحت الكلمة ، الإدارة والأشراف والتوجيه عن بُعد، بعيداً عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر في المسائل الشكلية والهامشية، فهو بأمس الحاجة إلى توفير وقت كافي للقيام بمهامه الأساسية والإستراتيجية من إبداع وتجديد وتخطيط وتنظيم ورقابة وتحفيز للعمل والعاملين، أما دون ذلك من أعمال فهي الضياع بعينه ولا غير و هنا أقول بأن الوقت من ذهب بل الوقت أغلي من الذهب.
ثم أن ضغوط العمل وثقل المهام وهمومها تمنع الرئيس أو المدير من التوجه إلى نفسه لمراقبتها ومحاسبتها أو إعادة النظر في ما مضى لرفع النواقص وإضافة اللوازم الغائبة، والتفويض يتكفل برفع كل ذلك ويسهل عملية تشخيص الخلل والعيوب لتفاديها في المراحل اللاحقة و هو تقييم الأداء.
9 تلافي الأخطاء، والتخلص من التكرار، فالتفويض يوسع آفاق المدير ويفتح له أبواب جديدة من العمل والفكر لا يمكن أن يحصل عليها بدون ذلك، وان امتلك مهارات عالية وقدرات خارقة وعمل بكل ساعات اليوم يبقى فرداً بحاجة إلى الآخرين يرفعون عنه مشكلة الوقوع في التكرار التي تصاحب وتلازم اغلب المتفردين بالقرار والإدارة، ويرفعون عنه أيضاً كثرة الوقوع في الخطأ. لأن العين الواحدة لا تبصر كل ما حولها، يلزمها عيون أخرى لأبعادها عن مواقع الخطر والزلل.
ثم أن التغيير مطلوب في كل الأحوال، والأجهزة الإدارية أحق من غيرها في البحث والتقصي عن كل جديد وحديث يزيد من فاعليتها ويرفع مكانتها، وهل يستطيع فرد أن يستوعب معدلات التغيير بمفرده بدون التعاون مع الآخرين؟
10 تبقى نقطة أخيره غاية في الأهمية وهي أن التفويض يعطي للفرد روحية عظيمة تجعله يغض الطرف عن الكثير من القضايا المرتبطة بشخصه وذاته، وتضفي عليه نزعة السماح والتسامح مع الآخرين، وأكثر حبا لمهامه ووطنه، واشد وعياً وحساً بان العمل وظيفة شرعية يجب إنجازها بأكمل وجه وأفضل أسلوب ولا فرق عنده من ينجز هذا العمل هو أو غيره في هذا المنصب والمكان أو في تلك البقعة والزمان، فالعمل مطلوب منه بطريقة أذكى وعليه تحمل سهام النقد والتجريح ما دام العمل يسير بالصورة المطلوبة وباتجاه الغاية المنشودة التي ترضي الله والأمة.
بيئة معقدة
إننا نعيش في عالم تتحكم فيه تكتلات عملاقة وتحالفات دقيقة جداً لم تترك مجالاً لمن يريد العيش بمفرده وبعيداً عن تعاون الآخرين وإرشاداتهم، كما أن بيئة العمل بمختلف أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية آخذة بالتعقد والترابط والتشابك، ومن يريد خوض غمارها عليه أن يمتلك مهارات عالية جداً تمكنه الثبات بقوة على أرض الواقع واستغلال الفرص واقتناصها والمحافظة عليها من الضياع والتيه.
والقناعة الراسخة بحتمية تفويض القدرة والسلطة قد تكون نقطة عبور مضمونة نحو عالم اللافردية.
فهل نستغل هذه الدقائق و الثواني في عمل طيب ينفعنا و ينفع الناس و يحسب لنا يوم يكون الحساب لأن اليوم الذي يذهب من أعمارنا لا يعود ( إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك) الحسن البصري.
فاستغلال الوقت في العلم و التعلم هو ما يشعر الإنسان بقيمة نفسه وهو بناء للحضارة وأعمار للكون لأن الحضارة صناعة جماعية لا فردية مبنية علي الأنا ولا تكون إلا في حرص أفرادها على احترام الوقت وتصنيف و ترتيب الأولويات و البعد عن الفوضى و الإهمال و هدر الوقت بتقاسم الأعباء ، أما ما هو كائن في مجتمعاتنا العربية فقد طورنا صناعة جديدة هي ( إهدار الوقت بالأنا أو لا أحد! ) ما بين الفضائيات المسموحة و الممنوعة و الجلوس على الأرصفة و الشواطئ و المقاهي و أبواب البيوت و المحال التجارية نثرثر بما لا يفيد إلى قرقعات النراجيل و شفطات الشاي و المتعة و التسبيح بأجهزة الموبايل و سباقات الدراجات النارية في الثلث الأخير من الليل و مباريات الإزعاج وهذه السلوكيات تقتل الوقت .
و كما هو سائد بيننا باعتقادنا أن هناك فائض من الوقت ناسين أن هناك مايقرأ ولم نقرأه وهناك الجديد الذي من الممكن أن نتعلمه ونضيفه إلى معلوماتنا ولم نفعل وهناك من نعبده وأخذتنا الغفلة وهناك من الناس من يحتاج إلى أيادينا نمدها له بالعون وقصرنا ولو فعلنا ذلك أو جزءاً منه لما كان هناك فائض في الوقت فالوقت نادر وثمين والنظرية الغربية تقول الوقت هو المال أما النظرية الإسلامية فتقول الوقت هو الحياة أي أنه أثمن من المال وأغلي من الذهب.
ومن المؤسف حقاً أننا لا نكتفي بإضاعة أوقاتنا بل نتعداه إلى إضاعة أوقات الآخرين أيضاً يقول سيدنا نوح عليه السلام ( وجدت الدنيا كدار لها بابين دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر )
يقول د. إبراهيم الفقي المحاضر المعروف عالمياً في علم البرمجة اللغوية العصبية ( عش كل لحظة كأنها آخر لحظة في حياتك عش بالإيمان - عش بالأمل - عش بالحب - عش بالكفاح وقدر قيمة الحياة ).
أما جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة فيقول ( من الممكن أن استيقظ في التاسعة صباحاً وأكون مستريحاً أو استيقظ في السادسة صباحاً وأكون رئيساً للولايات المتحدة ) .
إذاً هناك توافق بين العلم والتجارب والدين فماذا يلزمنا أكثر كي نشعر بقيمة الوقت و صناعته ونتعلم التعامل معه بالشكل الصحيح المنظم ومن يتعلم ذلك يكون هو الرابح الأول وهو الحلقة الأولى لسلسلة الرابحين من بعده أولاده وأحفاده إذا ما تربوا على الطريقة ذاتها وإلا فإن إهدار الوقت يصل إلى درجة الإجرام بحق المجتمع ولم يعد مسألة شخصية لنا حرية التصرف بها وعلينا محاولة التغيير وإقناع ذواتنا بمدى أهميته لذا وجب التفويض وإشراك كل الفئات في صناعة الوقت أي الحياة.
صحيح أن التغيير صعب وأننا تبلدنا وران على عقولنا وقلوبنا وحواسنا لكن الصعب ليس مستحيلاً وما ليس مستحيلاً فهو ممكن يقول ألكسيس كاريل ( لا يستطيع الرجل تغيير نفسه بدون ألم فهو نفسه الرخام وهو نفسه النحات )
أما برنارد شو فيقول ( التقدم مستحيل بدون تغيير وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.