هم أعوان مختصون قصدُوا كوريا الجنوبية لإجراء تربّصات في ميادين متعددة تخوّل لهم متابعة القاطرات والعربات عن كثب بعد وصولها ودخولها حيز الحركة ضمن أسطول السكك الحديدية. هؤلاء لم يسئلوا عن ماهيّة العلاقات المتوترة بين الكورتين والدّور الأمريكي والصيني في هاته المسألة، ولم يحاولوا معرفة كيفيّة التفرقة بين الشعب الواحد بعد الحرب الكونية الثانية، ولم يزوروا الحدود الملغمة والمكهربة أو العائلات الممزّقة بين الشرطين الشمالي والجنوبي... ولكنهم تابعوا فقط ما أُنيط بعهدتهم وإثراء معارفهم التقنية على عين المكان غايتهم الثقة في النفس سواء أمام الكورتين أو أمام التقنيات الحديثة والمتطوّرة جدّا والتي تتطلب مهارات عاليّة لا تعلو على تقنيي السكك الحديدية التونسية التي كانت ولا زالت قادرة على إثبات الذات ودعم المؤسسات ذات العلاقة داخل الوطن وخارجه، ممّا يجرّنا الى الحديث عن الإستثمار في المواد البشريّة، لأن حسن التصرف فيها هو الحلّ الأمثل لأيّ مؤسسة عموميّة باعتبارها ملكا للشعب وليست رزقا »للبيليك« كما يقال جهلا للتذكير فقط فإنّ تكوين شركات النقل العمومي، في منتصف الخمسينات، كانت بفضل مصُوغ أمهات وتبرع أجدادنا رغم ضيق ذات اليد كتحّد للاستعمار من ناحية وكرصيد للأجيال القادمة من ناحية ثانية لذلك تمتع العجز وكبار السن والطلبة... بمجانية الركوب وقتها أو كان التنقل رمزيّا سوى على الحافلة »الخضراء« أو »الترنفاي« أو الماشينة التي تمشي على السكة!! وبعد تطور وسائل النقل الحديثة، ومحافظة على هذا الموروث العمومي، لابدّ على جيلنا الحاضر من التصرف اليومي بسمة حضاريّة تدخل ضمن ثقافة دائمة تدخل في حياته اليومية وتصرفاته تجاه العامل بالقطار نفسه كوسيلة تقرّبه من الأهل والأقارب داخل الوطن والشعوب المجاورة في مرحلة ثانية حين يتمّ إعادة تشغيل القطار المغاربي، دون ذلك لا يمكن لنا الحفاظ على الملك العمومي، فرسالة هؤلاء الأعوان الذين سافروا ومازالوا إلى كوريا والصين فيما بعد تأتي ضمن اقتناء عربات وقاطرات من كلّ من كوريا الجنوبيّة وجمهورية الصين الشعبية وتخص في مرحلة أولى الخطين المكهربين بكل من تونس / برج السدرية والخط الساحلي ثم الخطوط البعيدة من تونس إلى غار الدّماء بالشمال الغربي وقابس بالجنوب والساحل حتى المهديّة. أعتقد أخيرا بأنّ وطننا فيه من خيرة الخبراء والتفتين بالمؤسسات العمومية باعتبارها موروث حضاري ووجه لهذا البلد فوجب إذن الاعتماد على كفاءاتنا دون غيرها مع مراعاة تكوينها ورسكلتها والحفاظ على محيط العمل بكلّ أشكاله وإبلاء العمل اللائق أهميّة قصوى وتشريك الاطراف الإجتماعية في كلّ الأمور المتعلقة بشؤون المؤسسة.