إن تحديد غرّة مارس من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم يوما للاحتفال باللغة العربية يمثل تعبيرا عمّا تكتسيه هذه اللغة من أهمية في ضمير الأمة العربية ووجدانها: فهي لغة القرآن الكريم، وتراث الأمة وذاكرتها، وهي لغة الحضارة العربية الاسلامية التي من خلالها أبدع آلاف العلماء والأدباء الذين قدّموا أعمالا رائدة أسهمت في صنع الحضارة الانسانية. إن الاحتفاء اليوم بلغة الضاد والإعلاء من شأنها لدليل على الوعي بالتحديات الكبرى التي تحيط بها في عصر أصبحت فيه العولمة الثقافية ظاهرة مهددة للهويات والخصوصيات وللتنوع الثقافي واللغوي، وهو كذلك إدراك لضرورة الحفاظ على اللغة العربية والنهوض بها. إن اللغة العربية بالرغم من ترتيبها السادس عالميا من حيث عدد المتكلمين بها، تواجه العديد من التحديات في مقدمتها تراجعها في مواكبة المستجدات العلمية والتقنية التي جاءت بلغات أجنبية أصبحت مهيمنة في مجال الاعلام والمعلومات الذي يقوم اليوم بدور فعّال في صياغة مجتمع المعرفة. إن لغتنا العربية تنتظر منا بذل مجهود أكبر من اجل تطويرها والتوجه بها نحو مجتمع المعرفة، وذلك بتنشيط حركة التعريب والترجمة وتحسين مستوى تدريس آدابها في جميع مراحل التعليم والعمل على استخدامها بشكل مكثف في مجالات الاتصالات الحديثة. ولم تكن هذه التحديات لتخفى على قادة الوطن العربي ونخبه الحيّة، بل كان الاهتمام بها على أعلى المستويات، ولذلك وافقت القمة العربية بدمشق (مارس 2008) على مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة واتخذت قرارا بشأنه، انطلاقا من «دور اللغة العربية في الحفاظ على الهوية العربية»، وقد أنيط تنفيذ هذه الخطة بعهدة المنظمة. لقد دأبت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منذ إنشائها وحتى اليوم على إعطاء اللغة العربية المكانة التي تستحق، وأنجزت عديد الإصدارات والمعاجم في توفير المصطلح وتوحيده. وأسهمت في معركة تعريب التعليم العالي من خلال مراكزها المتخصصة، وأولت تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها مزيد العناية والاهتمام، وشرعت منذ قمّة دمشق في وضع البرامج والخطط والمشروعات لتنفيذ مشروع النهوض باللغة العربية سواء على مستوى وضع السياسات اللغوية أو على مستوى تطوير المناهج وطرق التدريس والارتقاء بكفاءة اعضاء هيئات التدريس وإصدار الكتب المرجعية والأدلة والدراسات والبحوث المتعلقة بتطوير تدريس اللغة العربية. ويجدر بنا في هذا اليوم الاهابة مجددا بالمؤسسات والهيئات لمزيد الجهد من أجل الارتقاء بمنزلة اللغة العربية ملتمسين من الجميع الاحتفال بهذه المناسبة لتبقى لغة الضاد في وجدان الأجيال الحالية والقادمة.